التزمت وزارة الصحة الفلسطينية الصمت لثلاثة أسابيع، قبل أن ترد على اتهامات شعبية وحقوقية موجهة إليها بتوزيع اللقاح ضد فيروس كورونا بناء على "المحسوبيات والعلاقات الشخصية، من دون الاكتراث بالواقع الوبائي الخطير الذي يحيط بالطواقم الطبية والمرضى وكبار السن".
وتحت عنوان "الواسطة تقتل"، قالت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية إن "عدم محاسبة مَن أساؤوا استخدام مواقعهم ومناصبهم العامة للحصول على اللقاح سيُولد بيئة خصبة لممارسة الواسطة والمحسوبية والأنانية، وتجاهل المصلحة العامة".
وأكدت تلك المؤسسات "ضرورة تبني الحكومة مبدأ الشفافية والنزاهة في إدارتها الجائحة"، مضيفة أن "الدول الأكثر نجاعة في مواجهة الجائحة هي تلك التي اعتمدت مبدأ الشراكة والمكاشفة والشفافية في إدارتها للأزمة".
الواسطة والعلاقات الشخصية
وأجلت وزارة الصحة لأكثر من مرة بدء عملية التلقيح العامة ضد كورونا بسبب تأخر وصول اللقاح الذي اشترته "لأسباب لها علاقة بالشركات المصنعة وسوق التنافس العالمية عليها وإجراءات الشحن"، بحسب بيان رسمي للوزارة.
لكن الوزارة تمكنت قبل أسابيع من الحصول على 12 ألف لقاح فقط، 10 آلاف منها تبرع من روسيا وألفان من إسرائيل، وهو ما اضطرها إلى وضع بروتوكول خاص لتوزيع اللقاح، معطية الأولوية للكوادر الطبية وكبار والسن وأصحاب الأمراض المزمنة، وفقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية.
لكن التلقيح لم يشمل إلا الكوادر الطبية واستُثني منه كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، واستبدلوا بأصحاب "الواسطة والعلاقات الشخصية من دون أن تكون هناك أولوية طبية مبررة لتلقيحهم"، بحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
وأكدت الهيئة أن "غياب آلية ومعايير واضحة ومعلنة حول كيفية الوصول إلى اللقاح أدى إلى حدوث لغط عام، وتنامي الشعور بعدم الثقة في عدالة عملية التوزيع ونزاهتها، وشعور البعض بالتمييز وعدم المساواة".
وزارة الصحة
وإزاء حملة الضغوط الشعبية والحقوقية، أصدرت وزارة الصحة الفلسطينية بياناً أشارت فيه إلى أنها "تسلمّت 12 ألف جرعة، أرسلت 2000 منها إلى غزة، و200 إلى الديوان الملكي الأردني بطلب منه وبموافقة من مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس".
وجاء في البيان أن 90 في المئة من اللقاحات أُعطيت للكوادر الصحية في العناية المكثفة في المستشفيات الحكومية والخاصة، إضافة إلى العاملين في مراكز علاج كورونا والطوارئ ومبنيي وزارة الصحة في مدينتي رام الله ونابلس. وأضاف البيان أن اللقاح مُنح لوزراء في الحكومة الفلسطينية، وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعاملين في لجنة الانتخابات المركزية، ورجال الأمن الذي يحتكون مباشرة مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية، إضافة إلى سفارات بعض الدول وأعضاء المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم.
ترحيب ولكن
ومع أن المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة عصام الحاج حسين، رحّب ببيان وزارة الصحة الفلسطينية، لكنه أشار إلى أنه لم يشمل جميع من تلقوا اللقاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهم الحاج حسين مؤسسات السلطة بإعطاء اللقاح إلى "أشخاص لا يحق لهم بموجب بروتوكول وزارة الصحة"، مشيراً إلى أن "مسؤولين كباراً استغلوا نفوذهم لمنح اللقاح لأقاربهم والمحيطين بهم".
وشدد الحاج حسين على أن ذلك "سيؤدي إلى تقويض ثقة الفلسطينيين في الحكومة التي رفعت من يومها الأول شعار استعادة ثقة مواطنيها"، مطالباً رئيس الوزراء الفلسطيني "بتشكيل لجنة تحقيق لفحص التجاوزات التي تمت أثناء عملية توزيع اللقاح، ومحاسبة كل من تثبت إساءة استخدام موقعه لمصلحته الخاصة".
وطالب الحاج حسين الحكومة "بتشكيل لجنة خاصة من الخبراء لتطوير خطة توزيع اللقاح بالاستناد إلى معايير واضحة وقواعد بيانات دقيقة ونشر خطة الحكومة الخاصة بعملية توزيع اللقاح".
عشرات الصحافيين يتلقون اللقاح
ووصف الإعلامي سعيد أبو معلا آلية توزيع اللقاح بـ "غير الأخلاقية"، كونها "أتاحت التلقيح لأشخاص ليس لهم أولوية على حساب كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة"، مضيفاً أن ذلك يتعارض مع بروتوكول وزارة الصحة في هذا الشأن.
وأضاف أبو معلا أن بيان وزارة الصحة لم يُشر إلى تلقي عشرات من الصحافيين اللقاح، لافتاً إلى أن "التوزيع السيئ للقاح ليس ببعيد من نهج الحكومة الفلسطينية".
وكانت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة أعلنت شراء مليوني جرعة ضد فيروس كورونا تكفي لتلقيح مليون فلسطيني، إضافة إلى تبرعات الدول الصديقة والمؤسسات الداعمة للشعب الفلسطيني.