لم تكن تدرك أنظار العالم المتابعة لتلك المشاهد القادمة من طهران في منتصف نهار الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1979، أن ما تبثه شاشات التلفاز وتظهره صور الكاميرات حينها للحظات الأولى لحادث "احتجاز الرهائن الأميركيين" سيتحول تدريجاً لنهج "يطبع" سياسات النظام الإيراني الوليد حينها، وذراعه الأقوى "الحرس الثوري" طيلة العقود الأربعة التالية لـ"مساومة الغرب".
"ومع بقاء الهدف وإن اختلفت التفاصيل"، وفقاً لمراقبين، أعادت أنباء الإفراج الأخير عن المعتقلة البريطانية من أصول إيرانية، نازانين زاغاري، بعد خمس سنوات قضتها في السجن في إيران، بـ"تهم" وصفتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنها "واهية ومن دون أدلة"، تلك المشاهد الأولى من عمر النظام الإيراني، حين اقتحم طلاب أسموا أنفسهم بـ"الطلاب المسلِمين التابعين لخط الإمام"، مبنى السفارة الأميركية الكائنة في شارع طالقاني في قلب العاصمة، محتجزين أكثر من 60 أميركياً "رهائن"، على مدار نحو 444 يوماً في مسعى لتسليم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كانت قد تمت إطاحته قبل أشهر، مذكرة في الوقت ذاته بتاريخ الاعتقالات الطويل الذي طال خلال السنوات الأخيرة كل من لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية وصحافية واقتصادية وثقافية غربية.
فطيلة العقود الماضية، ظل ملف المعتقلين لا سيما "الأجانب" منهم حاضراً، على طاولة "المساومة" بين طهران والغرب، بحسب توصيف مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، مشيرة إلى أن تصدره الأولويات تصاعد "إيجاباً" (تم عقد عدد من الصفقات) بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة "5+1" في العام 2015، واحتدمت "جولاته" بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في الثامن من مايو (أيار) 2018، فقد صعدت إيران من سياسات "الاعتقالات" لمواطنين غربيين تحت تهم "التجسس والإضرار بالأمن القومي للبلاد والتآمر مع دول أجنبية"، وهي التهم التي يراها المعنيون سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي بأنها "من دون أساس".
ومع تعدد حالات الاعتقال داخل إيران سواء لمواطنين إيرانيين مزدوجي الجنسية أو أجانب، تحاول "اندبندنت عربية" تقصي تفاصيل الملف، وأعداد المعتقلين الغربيين، وأسباب اعتقالهم والتهم التي يواجهونها، وصولاً لاستيضاح مسعى الحكومة الإيرانية، صاحبة الأرقام المتراجعة في المؤشرات الدولية للحريات وحقوق الإنسان، لاستغلال الاعتقال "كورقة سياسية" مع الغرب؟ لا سيما بعد اعتبار نحو 58 دولة حول العالم في فبراير (شباط) الماضي، أن "الاعتقال التعسفي" للرعايا الأجانب من قبل حكومات من بينها إيران، لأغراض دبلوماسية، هو "سلوك غير مقبول يجب أن يمنع، إذ إنه أداة ضغط وابتزاز وهو غير قانوني وغير أخلاقي"، بحسب توصيف الحكومة الكندية.
الحقوق والحريات في إيران "حبر على ورق"
تزخر التقارير الدولية والحقوقية والمؤشرات المعنية، بانتهاكات تصفها بـ"الصارخة" لملف إيران الحقوقي سواء على صعيد حقوق الإنسان أو الحريات الصحافية والإعلامية، وهو الأمر الذي طالما تنفيه الأخيرة.
وفي أثناء إعداد التقرير، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الساعي للعودة إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، الثلاثاء الماضي، فرض أولى عقوباتها على مسؤولين إيرانيين، في خطوة أدرجتها في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان.
وتطال العقوبات عنصرين في الحرس الثوري الإيراني، بات محظوراً عليهما دخول أراضي الولايات المتحدة، لضلوعهما في الاعتداء الجسدي على موقوفين أثناء استجوابهم خلال احتجاجات في إيران عامي 2019 و2020، وفقاً لوكالة "رويترز".
وبحسب أحدث تقارير منظمة "فريدوم هاوس" الصادر في يناير (كانون الثاني) 2021، فإن إيران صاحبة الـ16 نقطة (غير حرة) تقوم بحملات منسقة ضد مواطنيها في الخارج والداخل، وذلك في وقت احتلت فيه الدولة التي "تمارس فيها الأجهزة الأمنية أدواراً غير رسمية تتجاوز ما هو منوط بها" المرتبة الـ173 من أصل 180 دولة في حرية الصحافة والإعلام، بحسب المؤشر العالمي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، معتبرة أنها من الدول التي تفرض فيها الرقابة على "أوسع نطاق ممكن".
وفيما احتلت إيران كذلك، في مؤشر الحرية العالمي، الذي تنشره مؤسسة "كاتو" الأميركية، المرتبة الـ 158 بين دول العالم مسجلة تراجعات غير مسبوقة في ما يتعلق بحرية التعبير وحرية الاقتصاد، وحرية الأفراد، وحرية الديانة، ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، أن الأجهزة الأمنية الإيرانية لطالما تصعّد دوماً استهداف المواطنين الإيرانين لا سيما مزدوجي الجنسية والأجانب، وكل من لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية لـ"أهداف سياسية". وبحسب المنظمة ذاتها، فمنذ العام 2014، تعتقل مخابرات "الحرس الثوري الإيراني" عديداً من الشخصيات، بذرائع التعاون مع "دولة معادية" من دون الكشف عن أي دليل، إذ ترى السلطات أن لهؤلاء الأفراد قدرة على تسهيل العلاقات بين إيران والكيانات الغربية خارج سيطرة الأجهزة الأمنية الإيرانية، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أن السلطات الإيرانية تنتهك حقوق المعتقلين في إجراءات التقاضي السليمة، وتنفذ نمطاً من الاعتقالات ذات الدوافع السياسية.
ووفق تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية "أمنيستي" في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، فإن أجهزة الأمن الإيرانية وقواتها ترتكب "انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب واسعة النظاق" لا سيما في أعقاب قمعها احتجاجات جرت في نهاية العام الماضي.
وكانت إيران شهدت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 تظاهرات واسعة النطاق اندلعت احتجاجاً على ارتفاع حاد في أسعار الوقود، لكن قوات الأمن قمعت تلك الاحتجاجات بسرعة وقسوة واعتقلت كثيرين، وسط قطع شبه كامل لشبكة الإنترنت.
وقالت "أمنستي" في تقرير بعنوان "سحق الإنسانية، الاعتقالات الواسعة وحوادث الاختفاء والتعذيب منذ تظاهرات نوفمبر 2019 في إيران"، إنها جمعت شهادات من عشرات المعتقلين من بينهم صحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، من أصل نحو سبعة آلاف رجل وامرأة وطفل اعتقلوا، بحسب تقديراتها في أعقاب تلك التظاهرات، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية والقضائية الإيرانية ارتكبت "سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة".
وشملت أساليب التعذيب التي أوردها التقرير "الضرب، والجلد، والصعق الكهربائي، والأوضاع المجهدة، والإعدامات الوهمية، والإيهام بالغرق، والعنف الجنسي، والإجبار على تناول مواد كيماوية، والحرمان من العناية الطبية، كما حكم على مئات المعتقلين بالسجن والجلد، وعلى آخرين بالإعدام في أعقاب محاكمات بالغة الجور، خلف الأبواب المغلقة، ترأسها قضاة متحيزون، وغالباً ما استغرقت أقل من ساعة، واعتمدت بشكل ممنهج على اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب". ولفتت المنظمة في تقريرها إلى أن "من بين الضحايا هناك أطفال، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، ومحتجين أصيبوا بجروح، ومارة اعتقلوا من داخل المستشفيات، حينما كانوا يحاولون الحصول على العناية الطبية بسبب الجروح التي أصيبوا بها جراء طلقات الرصاص، بالإضافة إلى مدافعين حقوقيين، بما في ذلك نشطاء في مجال حقوق الأقليات، وصحافيون، وأفراد حضروا مراسم إحياء ذكرى قتلى الاحتجاجات".
وفي تقرير عرضه، جاويد رحمن، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، على مجلس حقوق الإنسان، ونشر على موقع الأمم المتحدة، في مارس (آذار) الماضي، "هناك قلق متزايد إزاء أوضاع الموقوفين السياسيين في مرافق الاحتجاز الإيرانية، لا سيما مع وقوع انتهاكات خطيرة لحقوقهم في السجون". مشيراً إلى أن السلطات الإيرانية تستخدم التعذيب كوسيلة لنزع الاعترافات من المعتقلين، وتحرمهم من العلاج الطبي. وأضاف، تزايدت في إيران خلال السنوات الأخيرة حالات الاحتجاز التعسفي للمدافعين عن حقوق المرأة والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والعاملين في المجال الثقافي والمواطنين مزدوجي الجنسية والأجانب، والتمييز ضد الأقليات، واستمرار إعدام المذنبين الأطفال على الرغم من حظره الصارم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفيما لم يتسن حصولنا على رد رسمي من السلطات الإيرانية، إلا أن طهران لطالما نفت صحة تلك التقارير، واعتبرت أن الجهات التي تصدرها ما هي إلا جزء من أجندة دولية تستهدف الشعب الإيراني عبر إحداث الفرقة بينه وبين قياداته. كما ترفض إيران بشدة مقولة إن "رعايا أجانب" محتجزون كرهائن، مشددة على أنهم سجنوا بناء على عملية قانونية قام بها القضاء ولا تدخل للحكومة فيها.
الأجانب ومقصلة "الاعتقال" في إيران
من بين ملفات عدة، كان لافتاً مسار العلاقات بين طهران والغرب طوال السنوات الأخيرة، ملف "المعتقلين الأجانب" في الأراضي الإيرانية، فطالما واجهت الحكومات الغربية معضلة بشأن كيفية تأمين الإفراج عن رعاياها أو حاملي الجنسية المزدوجة الموقوفين في إيران، وذلك مع تكرار الأخيرة احتجاز أجانب وأشخاصاً مزدوجي الجنسية بشكل متكرر، ولم يطلق سراحهم إلا بعد أشهر وأحياناً سنوات من المفاوضات الصعبة.
وتستند الحكومة الإيرانية في ملاحقتها لـ"الأجانب المشتبه فيهم" على أراضيها إلى المادة 508 من قانون "العقوبات الإسلامية" الإيراني، التي تنص على أن "أي شخص أو مجموعة تتعاون بأي شكل من الأشكال مع الدول الأجنبية المتخاصمة سيُحكم عليه بالسجن من سنة إلى عشر سنوات إذا لم تثبت تهمة الحربة بحقهم"، وفي حال ثبوت هذه التهمة، قد يتعرض المدان للإعدام.
وفي الوقت الذي لا توجد فيه أرقام رسمية بشأن عدد هؤلاء المعتقلين "الأجانب" في السجون الإيرانية، تحصي تقارير صحافية وإعلامية غربية وإيرانية عددهم بالعشرات، فيما تقول أصوات إيرانية معارضة أنها تتجاوز المئات.
لكن وبحسب تصريح سابق، لرئيس مصحلة السجون الإيرانية، أصغر جهانغيري، خلال لقاء له مع وزير العدل الأفغاني عبد البصير أنور في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، قال إن نحو 2.5 في المئة من إجمالي السجناء في السجون الإيرانية هم من "الأجانب أو مزدوجي الجنسية". ووفق تقارير إعلامية إيرانية، من بينها تقارير نشرتها وكالة الطلبة الإيرانية "إيسنا" (مستقلة)، وصحيفة "كيهان" (محافظة)، يقترب إجمالي عدد السجناء في إيران لنحو 200 ألف سجين، موزعين على 31 سجناً، وفق التقارير الرسمية، التي أشارت إلى ذلك العدد في معرض كشفها عن أعداد السجناء الذين تم "الإفراج المشروط عنهم" خلال ذروة وباء كورونا منتصف العام الماضي، الذين بلغ عددهم نحو 100 ألف سجين.
وعليه وبحساب نسبة الـ2.5 في المئة من إجمالي عدد المساجين في إيران من العدد الموضح، فإن العدد الإجمالي يقترب من حاجز 5 آلاف معتقل "أجنبي أو من مزدوجي الجنسية"، إلا أنه ووفق تصريحات جهانغيري، ذاته، فإن المعتقلين الأفغان يشكلون العدد الأكبر منهم، بنسب تفوق حاجز 90 في المئة.
وإجمالاً، ووفق رصد "اندبندنت عربية" لعدد من التقارير الإيرانية، تتركز التهم الموجهة للمعتقلين الأجانب أو من ذوي الجنسية المزدوجة، في أنشطة مرتبطة بتهريب المخدرات والسرقة وارتكاب جرائم جنائية، فيما يواجه آخرون تهماً تتعلق بالأمن القومي والتجسس والتخابر مع دول أجنبية، فضلاً عن التعاون مع أنظمة معادية للإضرار بالمصالح العليا للدولة.
في الأثناء وبين "أعداد غير معروفة حصراً" لإجمالي المعتقلين الأجانب في إيران ممن يواجهون تهماً تتعلق بالأمن القومي الإيراني، تركز المناشدات الغربية الرسمية وغير الرسمية بشأن إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين على أشخاص بعينهم، يشترك أغلبهم في صلات تجمعهم بمؤسسات صحافية وأكاديمية واقتصادية وثقافية وتجارية وفنية عابرة للحدود الإيرانية، وهي تلك الذرائع التي يستند إليها عناصر الاستخبارات الإيرانية في توجيه "تهم التجسس" لهم، التي تبقى "من دون أدلة" وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن عمليات الاعتقال والاحتجاز في عديد من هذه الحالات في إيران كانت تعسفية، وأن السلطات استهدفت هؤلاء الأشخاص على أساس "أصلهم القومي أو الاجتماعي" بوصفهم مواطنين مزدوجي الجنسية أو أجانب. كما أشار إلى وجود نمط ناشئ لاحتجاز إيران لمواطنين مزدوجي الجنسية. موضحين أن احتجاز هؤلاء الأفراد يتسم بانتهاكات خطيرة في الإجراءات القانونية. وتمنع السلطات الإيرانية بشكل منهجي المتهمين بجرائم الأمن القومي من إمكانية الوصول إلى المحامين الذين يختارونهم خلال مرحلة التحقيق.
وبحسب الفريق ذاته، فإن الفرع 15 لمحكمة طهران "الثورية" حاكم أغلب المتهمين من ذوي الجنسية المزدوجة أو الأجانب بموجب المادة 508 من "قانون العقوبات الإسلامي"، التي تنص على أن "أي شخص أو جماعة تتعاون مع دول معادية بأي شكل، إذا لم يعتبر محارباً، يُحكم عليه بالسجن بين عام وعشرة أعوام، وذلك على الرغم من أن هذه المادة لا تتفق مع رأي المحكمة العليا الإيرانية لعام 2014 الذي ينص على أن إيران ليست على نزاع مع أي بلد، وأن عبارة دولة معادية لا تشير إلى الاختلافات السياسية مع الدول".
وبحسب حديث، بهنام بن طالبلو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (مؤسسة بحثية في واشنطن)، لـ"اندبندنت عربية"، "لطالما سعت إيران إلى استخدام الأجانب ومزدوجي الجنسية والإساءة إليهم كورقة مساومة مع الغرب لتنفيذ سياستها"، موضحاً، "يرتكن النظام الإيراني لتنفيذ هذه الأجندة على محورين رئيسين هما، أجهزته الأمنية والاستخبارية صاحبة الأدوار واسعة النطاق بشكل غير رسمي، وكذلك وسائل الإعلام المهيمن عليها والقريبة من الأجهزة الأمنية، التي تلعب دوراً رئيساً في الترويج لروايته ضد هؤلاء المعتقلين من خلال بث دعايا كجزء من حملات تشهير تدعي أن المتهم جزء من محاولات غربية لاختراق" البلاد"، وهو ما يجعل في النهاية فرص تبرئة هؤلاء المعتقلين الأجانب "شبه منعدمة" سوى من "إبرام صفقة مع حكومة بلاده".
وذكر بن طالبلو، أن الحكومة الإيرانية تتمتع بتاريخ طويل مما يمكن تسميته "دبلوماسية الرهائن"، لانتزاع تنازلات من الغرب، وهو الأمر الذي بدأ في العام 1979، مع أزمة "الرهائن الأميركية".
تاريخ طهران في "اعتقال الأجانب"
وفق رصد "اندبندنت عربية"، كانت البدايات الأولى لاستغلال إيران "للرهائن الأجانب" لتنفيذ أهداف سياسية، تلك التي تلت أحداث الثورة الإيرانية في العام 1979 والإطاحة بالشاه. فبعد أشهر قليلة، كان العالم على موعد مع واحدة من أعقد أزمات احتجاز الرهائن في التاريخ الحديث، وهي تلك التي تمت في السفارة الأميركية في طهران، بعدما اقتحم ما بين 300 و400 طالب جامعي متشدد مقر السفارة عبر التسلق على أسوارها. معرفين أنفسهم حينها على أنهم من أتباع الإمام الخميني، وطالبوا بتسليم محمد رضا بهلوي الشاه الذي تمت إطاحته قبل أشهر، وكان يخضع للعلاج في الولايات المتحدة.
ووفق رواية الشهود حينها، فإن الطلاب الذين كانوا "مسلحين بالهراوات" اجتاحوا السفارة "بعد ثلاث ساعات من المقاومة أطلق خلالها عناصر المارينز قنابل الغاز المسيل للدموع قبل أن يتم احتجازهم كرهائن". واحتجز أكثر من 60 رهينة وكبلت أيديهم وعُصبت أعينهم. وذلك قبل أن يطلق سراح البعض سريعاً، بينما واجه 52 منهم المحنة بأكملها.
وبقيت أزمة الرهائن الأميركيين على مدار نحو 444 يوماً، حتى بعد أن وضع المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله الخميني في سبتمبر 1980، أربعة شروط لتحرير الرهائن، هي إعادة ثروة الشاه والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة وإلغاء المطالب الأميركية بالحصول على تعويضات والتوقف عن التدخل في شؤون إيران الداخلية. وتم التوصل في 19 يناير 1981 إلى اتفاق بين واشنطن وطهران بوساطة جزائرية على إخلاء سبيل الرهائن. وبالفعل، حُرروا في اليوم التالي، تزامناً مع تنصيب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة. وأما السفارة، فتحولت إلى متحف اعتبرته السلطات الإيرانية الجديدة، أنه لفضح "جرائم" الولايات المتحدة بحق إيران.
ومع مرور السنين، انتهجت إيران نفس السياسة وإن بأساليب مختلفة، تصاعدت مع التضييق على المقيمين الأجانب ذوي الجنسيات المزدوجة خلال نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. وذلك مع تصاعد دور وتأثير الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي نفذ عمليات اغتيال سياسية واسعة خارج القانون، وأصبح الجهاز الأمني الأول في استهداف المواطنين مزدوجي الجنسية والأجانب.
وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه في عهد الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد (تولى الرئاسة في الفترة ما بين 2005 و2013، كانت هناك نحو 16 ذراعاً استخبارية تابعة للمؤسسات الأمنية في إيران، وأنها اعتقلت بشكل تعسفي مئات النشطاء في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب وكالة أنباء (إيرنا) فقد كتبت في العام 2009، إنه في أعقاب التظاهرات المناهضة للحكومة التي اندلعت إبان انتخابات يونيو (حزيران) 2009، تطورت قوات الاستخبارات المتشددة أكثر، وتمت ترقية "وحدة استخبارات" الحرس الثوري إلى "منظمة استخبارات"، ما جعلها مؤسسة استخبارية رئيسة تتمتع بصلاحيات واسعة، ومنذ ذلك الحين اعتقلت منظمة استخبارات الحرس الثوري عشرات النشطاء والصحافيين والنشطاء والأكاديميين الإيرانيين تعسفاً بناء على اتهامات أمنية غامضة متعلقة بالأمن القومي تشمل الارتباط بكيانات غربية، ووضعهم في الحبس الانفرادي لأشهر. كان من بينهم عديد من المواطنين مزدوجي الجنسية وأجانب.
وطوال عهدي الرئيسين الأسبقين، محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، تصاعدت بدرجات متفاوته قبضة الأجهزة الأمنية ورقابتها المشددة على الأجانب المقيمين أو الزائرين أو من مزدوجي الجنسية في إيران، وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، خلال تلك الفترة، اعتقلت السلطات عديداً من المواطنين مزدوجي الجنسية وأرهبتهم، لا سيما الأكاديميين الذين عملوا في قضايا المجتمع المدني، بشأن مزاعم بالعمل على "بناء شبكات" أو التخطيط "لثورة ملونة" في إيران، مشيرة إلى أنه في أبريل (نيسان) من العام 2006، اعتقلت السلطات رامين جهانبغلو، الفيلسوف الإيراني-الكندي مدير الدراسات المعاصرة في "مكتب البحوث الثقافية"، وهو مؤسسة خاصة في طهران، واتهمته بـ"العمل على تحقيق هدف الولايات المتحدة بالتحريض على ثورة ملونة في إيران".
وفي 8 مايو (أيار) 2007، اعتقلت السلطات الأمنية هاله أسفندياري، مديرة برنامج الشرق الأوسط الإيراني الأميركي في مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن، واتهمتها بـ"تعزيز مصالح القوى الأجنبية" و"التجسس"، "التخطيط للإطاحة الناعمة بالحكومة" و"العمل ضد الأمن القومي". وذلك قبل أيام من اعتقال كيان تاج بخش، الباحث الإيراني-الأميركي، بنفس التهم.
وخلال الفترة نفسها، في مايو 2007، اعتقلت السلطات المواطن الإيراني الأميركي علي شاكري، وهو عضو مؤسس في "مركز إيرفاين لبناء السلام على يد المواطنين" في جامعة كاليفورنيا، وصادرت مؤقتاً جوازات سفر 2 من الصحافيين، هما بارناز عظيما، الأميركية-الإيرانية، ومهرنوش سلوكي، الفرنسية-الإيرانية، مانعة إياهما من مغادرة إيران، وذلك قبل أن تفرج السلطات عن شاكري في سبتمبر 2007 من دون توضيح.
أبرز حالات الاعتقال الأجنبية في إيران
على مدار السنوات السبع الأخيرة، زخرت التقارير الغربية بحالات الأجانب أو من ذوي الجنسية المزدوجة، ممن اعتقلوا في السجون الإيرانية تحت ذرائع "تهم أمنية"، وبحسب رصد "اندبندنت عربية"، لتقارير غربية وإيرانية في تلك الفترة، فقد شهدت حالات اعتقال الأجانب ذروتين خلال العقد ونيف الماضيين، الأولى جاءت بعد احتجاجات عام 2009 على وقع الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ذلك التوقت، والثانية تزامناً مع مفاوضات الدول الغربية مع إيران وإبان الاتفاق النووي في 2015.
فبعد اضطرابات عام 2009، وما تلى الانتخابات الرئاسية في ذلك التوقيت، زادت حدة استهداف الإيرانيين من مزدوجي الجنسية والأجانب، إذ اعتقلت السلطات مزيار بهاري المراسل الإيراني-الكندي لمجلة "نيوزويك"، ونازك أفشر، الموظفة الإيرانية في السفارة الفرنسية لدى طهران، وحسين رسام، الموظف الإيراني في السفارة البريطانية لدى طهران، وكلوتيلد رايس، الأكاديمية الفرنسية التي كانت تعمل في إيران، من بين عشرات الأشخاص الذين ظهروا في محاكمات جماعية متلفزة بعد الانتخابات. اتهمت السلطات الموقوفين الموظفين في السلك الدبلوماسي بالتحريض على الاحتجاجات، وذلك قبل أن تطلق سراحهم لاحقاً.
وفي أغسطس (آب) من العام 2011، ألقت السلطات الإيرانية القبض على أمير ميرزاي حكمتي، عنصر سابق في مشاة البحرية الأميركية، الذي كان في زيارة لأقاربه في إيران، حيث اتهمته الأجهزة الأمنية الإيرانية بـ"التجسس"، وبعد نحو 4 أشهر، نقل التلفزيون الحكومي الإيراني ما قال حينها إنها اعترافات لحكمتي، قال فيها إنه تسلل إلى إيران لإقامة وجود لـ"وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية في البلاد. بعد أن خدم في سلاح البحرية الأميركية من 2001 إلى 2005، وفي أبريل (نيسان) من العام 2014، حكمت محكمة ثورية على حكمتي بالسجن 10 سنوات، وذلك بعد أن حكمت محكمة أخرى عليه بالإعدام في العام 2012.
وفي أثناء اعتقال حكمتي، كانت قضية اعتقال سعيد عابدني، القس المسيحي الإيراني-الأميركي، في يوليو (تموز) 2012، تلقي بظلالها على الإعلام الإيراني، وذلك بعد أن اتهمته السلطات الإيرانية بالعمل ضد الأمن القومي من خلال إنشاء كنائس منزلية وحكمت عليه بالسجن 8 سنوات. وظل حكمتي وأبديني في السجن حتى يناير 2016، ثم أطلق سراحهما في تبادل للسجناء مع الولايات المتحدة.
وفي 22 يوليو (تموز) من العام 2014، اعتقلت السلطات الإيرانية جيسون رضائيان، مراسل صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في طهران، وحينها نشرت عدة مواقع إيرانية مقربة من أجهزة الأمن الإيرانية أن رضائيان متهم بعدة تهم من بينها "التجسس والإضرار بالأمن القومي للبلاد"، لكن من دون تقديم أية أدلة واضحة.
وفي الخامس من أغسطس (آب) من العام ذاته، قال موقع "فاتان-إيمروز" الإيراني إن رضائيان، متهم بالاتصال بمجموعات الضغط التي تعمل من أجل "قضية حقوق الإنسان الغربية" لزيادة الضغط الخارجي على إيران. وبعد أكثر من عام وتحديداً في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أعلن حجة الإسلام محسني إيجيي، المتحدث باسم السلطة القضائية حينها، أن محكمة ثورية حكمت على رضائيان بالسجن، من دون الكشف عن الحكم الصادر عليه أو التهم المحددة التي أدين بها. وفي 19 أكتوبر، نشرت وكالة "فارس"، المقربة من "الحرس الثوري" الإيراني، مقالاً نقلاً عن كريمي قدوسي، عضو البرلمان، يفيد أنه وفقاً لمسؤولي استخبارات الحرس الثوري، كان رضائيان يدعو "لعودة الأميركيين إلى إيران وإحياء سياساتهم ما قبل الثورة الإسلامية". وفي 16 يناير (كانون الثاني) من العام 2016، ومع دخول الاتفاق النووي بين إيران والغرب حيز التنفيذ، أُطلق سراح رضائيان في إطار تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة.
بجانب رضائيان، كان لـ سياماك نمازي، رئيس التخطيط الاستراتيجي في شركة نفط الهلال ومقرها دبي، نصيباً من الاعتقال في 13 أكتوبر 2015، وهو مواطن أميركي - إيراني، حيث استُجوب نمازي لأول مرة، من قبل مسؤولي الاستخبارات عندما وصل إلى مطار الإمام الخميني من دبي في 18 يوليو 2015. وبحسب تقارير إيرانية، خلال الأشهر الثلاثة التالية، استدعى الحرس الثوري نمازي واستجوبوه مرات عديدة، واتهموه بالتجسس لصالح دول غربية. وفي 13 أكتوبر، ألقت السلطات القبض عليه ونُقل إلى جناح 2-ألف في سجن إيفين، الذي يخضع لسيطرة الحرس الثوري.
ووفق تقرير لفريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، فإن السلطات الإيرانية لم تسمح لنمازي بمحام خلال مرحلة التحقيق، حيث أخبرته أنه لا يمكنه اختيار محام إلا من قائمة معتمدة، وفي 18 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2016، ذكرت وكالة ميزان للأنباء أن الفرع 15 من محكمة الثورة في طهران حكم على نمازي بالسجن 10 سنوات استناداً إلى المادة 508 من قانون العقوبات الإسلامي، في الأثناء روجت مجموعة من التقارير الإيرانية اتهامات لنمازي بالعمل على دعم المصالح الغربية، من دون تقديم دليل، فضلاً عن اتهامه بالمشاركة في اضطرابات العام 2009.
وفي سبتمبر (أيلول) من العام 2015، اعتقلت السلطات الإيرانية نزار زكا، المقيم اللبناني الدائم في الولايات المتحدة، الذي كان يعمل خبيراً لتكنولوجيا المعلومات ومدافعاً عن حرية الإنترنت. وجاء اعتقال زكا، بعد أن سافر إلى إيران في 18 سبتمبر من العام نفسه، للمشاركة في مؤتمر حول ريادة الأعمال بناء على دعوة من الحكومة الإيرانية، ووفق ما نقلت وكالة "ميزان" الإيرانية، فإن الفرع 15 من محكمة الثورة في طهران حكم على زكا بالسجن 10 سنوات في 18 أكتوبر لاتهامه بـ"التعاون مع دولة عدو أجنبية"، تزامن ذلك مع نشر موقع المشرق الإخباري، المقرب من الحرس الثوري الإيراني، تقارير تتهم زكا بأنه جزء من "المشروع الأميركي لإيران ما بعد خطة العمل المشتركة".
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، اعتقلت السلطات الإيرانية، ماثيو تريفيثيك، الأميركي - الإيراني، بعد أيام من وصوله الأراضي الإيرانية، بتهم "المشاركة في محاولة لقلب نظام الحكم"، إلا أنه لم يمكث كثيراً في الاعتقال وأفرج عنه في يناير من العام التالي، كجزء من عملية تبادل سجناء إيرانية أميركية، وفق ما نقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية حينها.
وبعد شهر من الإفراج عن تريفيثيك، اعتقلت السلطات الإيرانية الموظف المتقاعد من اليونيسف باقر نمازي، في 22 فبراير (شباط) 2016، وبخلاف حالات الاعتقال السابقة، جاء اعتقال نمازي بعد أن تلقى مكالمة من سجن إيفين الإيراني تبلغه فيها أنه مُنح تصريحاً خاصاً لزيارة ابنه (سياماك) السجين، ولكن، وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، كان هذا الإذن سارياً فقط في 24 فبراير، وبمجرد وصوله إلى طهران قادماً من الإمارات اعتقلته السلطات، واحتجزته في سجن إيفين، واتهمته بـ"التجسس والتواطؤ مع دولة معادية"، ولاحقاً اتهمت وكالتا أنباء "فارس ومشرق"، المقربتان من الحرس الثوري، باقر بأنه "عنصر أساس في بناء الشبكات من أجل التغيير في إيران". في قضية مشابهة لتلك الموجهة ضد ابنه، وفي أكتوبر 2016، حكمت محكمة ثورية على نمازي ونجله بالسجن 10 سنوات بتهمة التعاون مع دولة معادية أجنبية. وقال فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي في هذه الحالة، إنه تم استهدافهما على أساس "أصلهما القومي أو الاجتماعي" بوصفهما مواطنين مزدوجي الجنسية وهو جزء من نمط ناشئ في إيران.
وفي أبريل (نيسان) من العام 2016، اعتقلت السلطات الإيرانية، نازانين زاغاري راتكليف، البريطانية- الإيرانية، مديرة في مؤسسة "طومسون رويترز". وجاء الاعتقال في مطار طهران عندما كانت تستقل طائرة مع ابنتها البالغة من العمر عامين للعودة إلى المملكة المتحدة. في يونيو (حزيران) 2016، أصدر الحرس الثوري الإيراني في إقليم كرمان بياناً اتهمها "بالمشاركة في تصميم وتنفيذ مشاريع إعلامية وعلى الإنترنت تهدف إلى الإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية". وفي سبتمبر من العام ذاته، قالت عائلتها إنه حُكم عليها بالسجن 5 سنوات بتهم تتعلق بالأمن القومي.
وفي الوقت الذي قال فيه فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، إن اعتقال راتكليف كان تعسفياً وبدافع تمييزي، وأعلنت عائلتها في يوليو 2018، أن قاضياً إيرانياً أكد أنه لن يُفرج عنها مؤقتاً أو بكفالة أو عن طريق عفو لأسباب إنسانية، إلى أن يتم سداد ديون حكومة المملكة المتحدة إلى إيران، وهو دين يعود إلى السبعينيات، عندما اشترت إيران دبابات ومركبات أخرى.
وفي يونيو (حزيران) 2016، اعتقلت السلطات الإيرانية، هما هودفر، أستاذة الأنثروبولوجيا الكندية - الإيرانية التي تعمل في جامعة كونكورديا، وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، خلال 3 أشهر من اعتقالها، صادرت السلطات جواز سفر هودفر واستجوبتها عدة مرات. وبحسب ما قال حينها جعفري دولت آبادي، المدعي العام في طهران، فإن هودفر اعتقلت بسبب "أنشطة نسوية وجرائم أمن قومي"، بالتوازي اتهمتها تقارير إعلامية إيرانية قريبة من الأجهزة الأمنية، بأنها "جزء من مؤامرة اختراق أميركية"، وذلك قبل أن يطلق سراحها لاحقاً لأسباب إنسانية.
وفي يوليو 2016، اعتقل الحرس الثوري الإيراني كارن وفادري وآفارين نيساري، الزوجين الزرادشتيين الإيرانيين الأميركيين، مديري معرض "آن" الفني، في مطار طهران. قالت أسرة وفاداري إن الزوجين استُجوبا بسبب عدة تهم تتراوح بين "كونهما مواطنين مزدوجي الجنسية، وحيازة مشروبات كحولية في منزلهما، إلى إقامة علاقات مع دبلوماسيين أجانب، وكونهما جاسوسين، ويتعاونان مع أعداء الدولة، وكذلك محاولة الإطاحة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتجنيد الجواسيس وضمهم من خلال السفارات الأجنبية، والتجمع والتواطؤ ضد الأمن القومي". وفي 30 يناير (كانون الثاني) 2018، أعلن وفاداري في رسالة، أن المحكمة حكمت عليه بالسجن 27 عاماً، وعلى زوجته 16 عاماً. وكتب وفاداري، "للأسف، أثارت أنشطتي الدولية في عالم الفن شكوك منظمة المخابرات التابعة للحرس الثوري الإيراني... لحسن الحظ، أُسقطت الاتهامات الأمنية الأولية التي لا أساس لها والتي أدت إلى اعتقالنا، لكن استمر إغلاق معرضنا ومكتبنا ومستودعاتنا ومنزلنا، وتمت مصادرة سياراتنا وحواسبنا ومستنداتنا، وتبعتها اتهامات واستجوابات أشارت إلى مؤامرة أعمق". في 22 يوليو، أطلقت السلطات سراح الزوجين مؤقتاً بكفالة.
لم ينته العام 2016، حتى اعتُقل شيوي وانغ، طالب الدكتوراة الأميركي (أفرج عنه لاحقاً) في الثامن من أغسطس، وقال تقرير لوكالة "ميزان"، للأنباء في 16 يوليو 2017، اتهمت محكمة ثورية وانغ بـ"التعاون مع دولة أجنبية" وحكمت عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة "التعاون مع دولة معادية". وهو الاحتجاز الذي اعتبره فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أن "احتجازه كان مدفوعاً بحقيقة أنه مواطن أميركي".
وفي العام نفسه (2016)، اعتقل عبد الرسول دري أصفهاني، الإيراني - الكندي، العضو السابق في فريق إيران النووي التفاوضي، وقد اتهمته السلطات بـ"التجسس والتعاون مع المخابرات البريطانية فضلاً عن بيع معلومات اقتصادية عن البلاد للأجانب"، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات.
وخلال العام 2018، اعتقلت السلطات الإيرانية كل من كافوس سيد إمامي (انتحر خلال احتجازه) العالم البيئي الكندي – الإيراني الأستاذ في جامعة الإمام الصادق بتهم "التجسس والعمالة"، وكذلك رجل الأعمال الإيراني الأميركي، مراد طهباز، الذي يحمل الجنسية البريطانية، وعباس عدالت، الأستاذ الإيراني البريطاني في الكلية الإمبراطورية في لندن، وقد اتهما بـ"التجسس".
كذلك في يوليو من العام 2018، اعتُقل مايكل وايت الإيراني - الأميركي، العسكري السابق في البحرية الأميركية، وفيما نقلت وسائل إعلام إيرانية في فبراير 2019، عن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين بناهي أزار قوله "لا توجد قضية أمنية أو تجسس مطروحة"، قالت النيابة العامة في مشهد الإيرانية الشهر اللاحق إن حكماً قد صدر في حق وايت بتهمة تتعلق بالأمن لم يحددها.
وفي أغسطس من العام 2019، وبحسب ما قال حينها غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم القضاء الإيراني، إن مواطناً يحمل الجنسيتين الإيرانية والبريطانية يدعى أنوشه عاشوري قد أدين بالتجسس لصالح إسرائيل، وحكمت عليه محكمة في طهران بالسجن لعشر سنوات، وذلك لارتباطه بـ"المخابرات الإسرائيلية الموساد".
"دبلوماسية الرهائن"
على مدار السنوات الأخيرة عقدت طهران أكثر من صفقة لمبادلة سجناء "أجانب أو من ذوي الجنسية المزدوجة" مع آخرين من دول غربية، ووفق رصد "اندبندنت عربية"، تزامنت أبرز تلك الصفقات بعد توقيع طهران للاتفاق النووي مع الدول الغربية، وكانت أحدث تلك الصفقات الأميركيين شيوي وانغ في ديسمبر 2019، ومايكل وايت في مارس 2020، والفرنسي رولان مارشال في مارس من العام نفسه، وكلها ترافقت مع الإفراج عن إيرانيين كانوا موقوفين في الخارج بتهم مخالفة العقوبات.
ومن بين أبرز تلك الصفقات خلال السنوات الأخيرة، تلك التي تمت في يناير من العام 2016، بين طهران وواشنطن في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إذ بموجب هذه الصفقة أفرجت إيران عن 5 مواطنين أميركيين كانوا معتقلين بتهمة "التجسس"، أربعة منهم من أصول إيرانية يحملون الجنسية الأميركية (هم مدير مكتب صحيفة "واشنطن بوست" في طهران، جيسون رضائيان، الذي قضى 18 شهراً في السجن، والقس الإيراني الأميركي سعيد عابديني، والعسكري السابق في الجيش الأميركي أمير حكمتي، والتاجر الإيراني الأميركي نصرت الله خسروي رودسري، والطالب الأميركي مات تريفيثيك). في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن 7 مواطنين إيرانيين، كانت قد اعتقلتهم بتهمة الالتفاف على العقوبات، كما حصلت إيران بموجب تلك الصفقة وفق ما نقلت تقارير أميركية، على مبلغ مليار و700 مليون دولار نقداً، كان جزءاً من المدفوعات الإيرانية وأرباحها إبان الحكم الملكي لقاء صفقات شراء أسلحة أميركية ألغيت بعد الثورة.
صفقة أخرى عقدتها طهران مع واشنطن، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب، في ديسمبر (كانون الأول) من العام 2019، برعاية سويسرية، وبموجب هذه الصفقة أطلقت واشنطن سراح الأكاديمى الإيراني مسعود سليماني مقابل إفراج طهران عن الباحث الأميركي شيوي وانغ، الذي كانت اعتقلته طهران عام 2017 بتهمة التجسس وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات.
وفي مارس (آذار) من العام الماضي، تبادلت طهران وباريس، سراح مواطنين، إذ أفرجت فرنسا عن المهندس الإيراني جلال روح الله نجاد، الذي كان معتقلاً لديها بطلب من واشنطن بتهمة الالتفاف على العقوبات، مقابل إفراج إيران عن الباحث الفرنسي رولان مارشال الذي كان معتقلاً لديها منذ يونيو 2019 بتهمة "التجسس".
ويتخوف مراقبون، من أن تكون الحكومات الغربية بتسهيل مثل تلك الصفقات تقوم بتشجيع إيران على احتجاز مزيد من الأجانب والسعي للحصول على ثمن أعلى مقابل الإفراج عنهم. وبحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن هادي غيمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك، فإنه "على مدى السنوات الماضية، كان من الواضح لنا أن ما نشهده ليس سوى احتجاز رهائن"، معتبراً أن "هذا النوع من المفاوضات إنما يشجع على احتجاز الحكومة الإيرانية رهائن ويقويه".
بدورها تقول رويا بوروماند، المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بوروماند، مقره واشنطن، الذي يناضل من أجل حقوق الإنسان في إيران، "نحن نواجه معضلة، فبينما لا يمكن للحكومات الأجنبية السماح لمواطنين أبرياء بأن يقبعوا في السجون الإيرانية، هناك شخص لم يرتكب جريمة تجري مبادلته بشخص ارتكب جريمة".
وبحسب مراقبين، فإن ما بات يعرف عن إيران بـ"دبلوماسية الرهائن"، ترسخ في الفكر السياسي لإيران منذ إنشائها تقريباً، بعد عملية احتجاز رهائن السفارة الأميركية.
كيف تبدو حياة الاعتقال في إيران؟
بتتبع حكايات من "حالفهم الحظ" للخروج من السجون الإيرانية، والعودة إلى بلادهم في سياق تلك الصفقات التى عقدتها طهران مع عدد من الحكومات الغربية، تتعدد روايات ما يمكن أن يطلق عليهم "الناجون من حافة الموت" بحسب توصيف بهنام بن طالبلو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (مؤسسة بحثية في واشنطن)، لـ"اندبندنت عربية"، إلا أنها تجمع في النهاية على "ظلمة الأيام التي مرت عليهم خلال سنوات وأشهر الاعتقال".
ففي رسالة لهم نشرها موقع "فويس أوف أميركا" في طبعته باللغة الفارسية في يناير الماضي، طالب كل من المحارب السابق في البحرية الأميركية، مايكل وايت، والباحث الأميركي - الصيني شيوي وانغ، والمقيم الدائم اللبناني في الولايات المتحدة، نزار زكا، وكلهم كانوا في السجون الإيرانية، الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، أن يكون إفراج طهران عن الرهائن الأميركيين المتبقين شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات أميركية مع طهران في ما يتعلق بملفها النووي أو الصاروخي.
الرسالة التي جاءت بعد نحو أسبوع فقط من دخول بايدن إلى البيت الأبيض، في 20 يناير الماضي تزامنت مع نقل وكالة "أسوشيتد برس" لتجربة مايكل وايت في المعتقلات الإيرانية قبل أن يعود إلى وطنه في يونيو 2020، طوال عامين تقريباً من احتجازه.
بحسب وايت، بدأت قصة اعتقاله، بعدما أوقفت فجأة السيارة التي كان فيها مع مرشده السياحي في إيران، في يوليو من العام 2018، حيث اقتيد إلى سجن "كانت فيه المياه تتسرب بلون الصدأ من المغاسل والحمامات"، مشيراً إلى أنه لقي إساءة بدنية وسخرية متواصلة من قبل سجانيه بسبب المزاعم المشكوك فيها ضده، إلا أنه اعتبر نفسه "رهينة سياسية" يواجه اتهامات مشكوك فيها لتأمين الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة.
ويتابع وايت، "بعد أن تم اقتيادي مغمض العينين ومكبلاً لاستجوابي، نقلت إلى أحد سجون الاستخبارات الإيرانية، ولم يقدم لي الطعام لعدة أيام، كما لم أزود بوسادة أو بطانية على الرغم من أن الهواء الذي يدخل إلى السجن كان شديدة البرودة". وبحسب "الأسوشيتد برس"، استجوب وايت مراراً على مدى أشهر بخصوص السبب الذي جاء من أجله إلى إيران، حيث اشتبه مسؤولون بأنه ربما كان جاسوساً، إذ أعطوه ورقة أسئلة ركزت على خلفيته العسكرية وأي ارتباط له بأجهزة الاستخبارات. ليواجه على إثرها، اتهامات عدة بينها نشر صور خاصة، والتعاون مع الولايات المتحدة ضد إيران، وعدم احترام المرشد الإيراني، ليحكم عليه في النهاية بالسجن 10 سنوات.
قال وايت، إنه أوقظ مرة في السجن من قبل حارس ألقى عليه دلو ماء بارداً، وفي مرة أخرى، ضربه المحقق بسوط على أصابع رجليه خلال رده على أسئلة المحقق. وعندما رمى مرة بماء على كاميرا مراقبة كي يلفت انتباه الحراس، ضربه هؤلاء على صدره وطرحوه أرضاً.
رواية مغايرة، نقلتها الإذاعة العامة الوطنية الأميركية، عن شيوي وانغ، في يونيو الماضي، المعتقل السابق في السجون الإيرانية، قال فيها إنه بعد اعتقاله، من حققوا معه أو استجوبوه لم يهتموا على الإطلاق بسؤاله عما يعرفه أو عن أميركا بل قالوا له "إننا بحاجة إلى اتفاق مع الولايات المتحدة". موضحاً "كانت الرسالة بوضوح من قبل المحققين مفادها نُريد أموالنا من الولايات المتحدة. نُريد استعادة سُجنائنا، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون جاسوساً".
وعلى الإثر، وبحسب وانغ، هدده المسؤولون الإيرانيون، بأنه لن يرى زوجته وابنه إذا لم يعترف بأنه جاسوس، قائلاً "طلبوا مني أن أكتب بالفارسية والإنجليزية أنني جاسوس"، وذلك قبل أن يكون من بين المحظوظين وتتم مبادلته لاحقاً مع مسعود سليماني.
رواية أخري، كان بطلها أحمد رضا جليلي، الإيراني السويدي، الذي كان متخصصاً في الإسعاف الطبي، اعتقل في أبريل 2016 عندما كان في رحلة عمل من السويد إلى إيران. فبحسب ما نقلت عنه منظمة العفو الدولية إن مسؤولين في وزارة الاستخبارات أودعوا جليلي بعد اعتقاله في سجن أيفين لسبعة أشهر، وظل لثلاثة أشهر منها في زنزانة انفرادية، مشيرة إلى أنه تعرض للتعذيب ومعاملات سيئة أخرى خلال تلك الفترة لإجباره على الإقرار بأنه كان "جاسوساً"، ونقلت عنه أنه "اعتقل لأنه رفض استثمار علاقاته بالأوساط الأكاديمية الأوروبية وبالمؤسسات الأخرى من أجل التجسس لحساب إيران".
وكان جليلي قد اتهمته السلطات الإيرانية في أكتوبر 2017، بـ"نشر الفساد في الأرض" وحكم عليه بالإعدام بعد محاكمة قال محاميه إنها استندت إلى أدلة اُنتزعت بالإكراه.