حذر محاضرون وأكاديميون من أن يؤدي إنكار وجود التمييز العنصري في الإعلام البريطاني إلى إخماد حماسة الجيل الجديد من ذوي الخلفيات العرقية الملونة، تجاه دراسة الصحافة واختيار مهن في القطاع الصحافي. في هذا الإطار، عمدت "جمعية المحررين" البريطانية Society of Editors، عقب مقابلة أجريت مع الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل تحدثا فيها عن "التعصب" السائد في الإعلام البريطاني، إلى إصدار بيان نفت فيه وجود أي تمييز عنصري في الصحافة البريطانية.
إضافة إلى ذلك، إزاء رد الفعل العنيف الذي أبداه قطاع الصحافة البريطاني، من ضمنه "جمعية المحررين"، تجاه ملاحظات هاري وميغان، ثمة مخاوف تطرح اليوم من أن يكون السجال الحاصل قد أدى سلفاً إلى إخماد حماسة الشباب تجاه أن يصبحوا صحافيين، وذلك في وقت يتصدر فيه المحررون البيض قطاع المنشورات الصحافية المعروفة والمكرسة. وفي ذلك السياق، ذكرت هانا أجالا التي اطلقت منصة الدعم الإلكترونية "نحن صحافيون سود" We Are Black Journos، إن تلك الضجة ثبت أن أمام الصحافة البريطانية "مساراً طويلاً كي تقطعه" (في رحلة إصلاح ذاتها). وكان إيان موراي المدير التنفيذي لـ"جمعية المحررين" البريطانية، قد استقال من منصبه إثر السجال الذي احتدم بعد ملاحظات هاري وميغان. وأشار موراي إلى أن استقالته جاءت كي تتمكن الجمعية من "إعادة بناء سمعتها". وفي المقابل، أقر بأن البيان الأول الذي أصدرته "جمعية المحررين" "احتاج إلى وضوح أكثر في إدانة مظاهر التعصب (في الصحافة)".
من جهة أخرى، أدلت السيدة أجالا، وهي أيضاً أكاديمية محاضرة، بحديث إلى "اندبندنت"، ذكرت فيه أن "البيان السخيف (الذي أصدرته جمعية المحررين) من شأنه أن ينفّر الصحافيين الشباب من قطاع الصحافة، لأنه ربما يشير إلى أن الصحافيين والمحررين في المناصب العليا لهم الذهنية نفسها (ذهنية من أصدروا البيان)". وأردفت أجالا، "أمام الصحافة البريطانية مسار طويل كي تسلكه. ولذا، فقد مثّلت استقالة مدير "جمعية المحررين" (موراي) قراراً عظيماً. أتمنى أن يتفهم الشخص الذي سيحُل في مكانه متطلبات هذا المنصب".
في سياق مواز، تناول رئيس قسم الصحافة والنشر في "كلية لندن للاتصالات" سايمون هيند، الموضوع نفسه في حديث مع "اندبندنت". وأشار إلى أن "كثيرين من طلابنا يريدون امتهان الصحافة، تحديداً لأنهم يهتمون بعمق في مسائل العدالة الاجتماعية. واليوم، مع إصدار هيئة في القطاع الصحافي بياناً فاضحاً بخفته تجاه الوقائع، فإن الأمر لا بد أن يكون مخيباً". أردف هيند "ينبغي على "جمعية المحررين" SoE أن تنظر بصدق إلى مظاهر الإجحاف والتمييز العرقي السائدة في قطاع الصحافة، وأن تلتزم دورها المفترض في مواجهة ذلك، بدل أن تقوم بمحاولة وقحة في إنكار ما يراه ويعاينه الجميع".
كذلك دعا السيد هيند "جمعية المحررين" إلى سحب البيان الذي أصدرته والتراجع عنه، وتعيين مزيد من الأشخاص ذوي الخلفيات العرقية الملونة في مجلس إدارتها.
وفي ردة فعل ساخطة على بيان "جمعية المحررين"، عمدت تشارلين وايت إلى الانسحاب من مهمتها كمقدمة في حفل توزيع "جوائز الصحافة الوطنية" National Press Awards التي تمنحها الجمعية. وكذلك سحب بعض المرشحين لنيل الجائزة ترشيحاتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، أفاد أستاذ جامعي آخر من لندن طلب عدم الكشف عن اسمه مخافة فقدان منصبه، إن شريحة الطلاب المتنوعي الخلفيات في جامعته تواجه سلفاً صعوبات في دخول مؤسسات القطاع الصحافي التي يتصدرها "البيض"، معتبراً أن الكلام الصادر من "جمعية المحررين" قد فاقم المشكلة". وأشار الأستاذ في حديثه مع "اندبندنت" إلى أنه "حتى لو لم يكن الطلاب منتبهين من قبل إلى وجود "جمعية المحررين"، فإن ما ورد في بيانها سوف يثير بالفعل مخاوف كثيرين منهم تجاه العمل في قطاع الصحافة". وتابع، "يقلق كثيرون من أولئك الطلاب المتحدرين من أقليات عرقية، أثناء خطواتهم الأولى في السُلّم الصحافي، من مسألة اضطرارهم إلى العمل في أطر لا تتعارض بشكل كامل مع قيمهم وحسب، بل أيضاً تتسبب بالأذى لهم كشريحة اجتماعية". وأضاف "ثمة في السياق، من دون شك، ذاك الانتباه إلى الحسابات التي عليهم أخذها بعين الاعتبار كي يقرروا إن كان الأمر يستحق منهم وضع أقدامهم في ذاك السُلّم، متأملين الصعود قدماً نحو موقع يؤمّن لهم راحة أكثر".
من جهة أخرى، أظهرت دراسات عدة أن قطاع الإعلام في بريطانيا هو قطاع "أبيض" بنسبة 94 في المئة، ولا تزيد نسبة الصحافيين السود فيه عن 0.2 في المئة، بينما نسبة السود الإجمالية في المجتمع البريطاني تبلغ 3.3 في المئة. في هذا الإطار، أورد الدكتور جاسجيت سينغ، الأستاذ المشارك في مادة الإعلام والدين بـ"جامعة ليدز"، إن الصحافيين الصاعدين والحاليين، على حد سواء، أصيبوا بخيبة أمل (جراء بيان "جمعية المحررين"). وأشار سينغ إلى أنه "حتى الأشخاص ذوي الخلفيات العرقية الأقلوية والملونين (الذين) ما زالوا يدرسون الصحافة، أو يعملون في القطاع الصحافي، باتوا يواجهون صعوبات شديدة في متابعة تحصيلهم وأداء عملهم. إذ كشف السجال الحاصل اليوم عن الحاجة المُلحة لتنويع المواهب، خصوصاً في المناصب التحريرية".
في السياق ذاته، بينت ميشيل ستانيستريت، الأمينة العامة لـ"الاتحاد الوطني للصحافيين" National Union of Journalist في بريطانيا، أن "الامتعاض وعدم التصديق الواسعين، اللذين أثارتهما مسارعة "جمعية المحررين" إلى الدفاع عن سجل الصحافة البريطانية واعتباره سجلاً ناصعاً في مجال المساواة العرقية، ما كان ينبغي أن يفاجئ أحداً. إذ يدرك جيداً كل من يعمل في القطاع، مقدار الجهد الذي ينبغي أن يُبذل قبل ارتقاء القطاع الصحافي إلى موقع مرموق في مجال المساواة العرقية والتنوع". وتابعت ستانيستريت، "ما من مؤسسة يمكنها ادعاء امتلاك سجل ناصع في أي شيء، بيد أن الصحافة تؤدي دوراً متميزاً في مجتمعنا، وهذا يعني أن على وسائل الإعلام مسؤولية مضاعفة في أن تكون قدوة من ناحية سياسات التنوع وحسن القول".
وفي الإطار عينه، ذكرت جوانا بايتون، الأستاذة المحاضرة في مادة الصحافة في جامعة "سيتي يونيفيرستي أوف لندن" City University of London، إن طلابها على الرغم من صدمتهم إزاء بيان "جمعية المحررين"، شعروا بحافز أكبر لتحقيق تأثير إيجابي في قطاع الصحافة. وقد نقلت بايتون إلى "اندبندنت" "ما أراه في الصحافيين الشباب الذين أعلمهم كل يوم يتمثل في التحفز والإصرار على فرض التغيير. لا أظنهم تفاجأوا ببيانات كهذه، كما أنني لا أرى أن الجيل المقبل من الصحافيين سيبقى في ظل هؤلاء (القيمين على "جمعية المحررين"). إذ إن ما أدركه تماماً من خلال خبرتي التعليمية، وفي ما يتعلق بالتنوع، وبالأحرى نقص التنوع، هو حاجتي المستمرة الى التعلم يومياً".
وعلى المنوال ذاته، أوردت لورا غارسيا، أستاذة مادة الصحافة المقيمة في لندن، "أتمنى أن لا يؤدي الأمر (السجال بشأن العنصرية في الصحافة البريطانية) إلى ثني الشباب عن الدخول في قطاع الصحافة والعمل فيه. بل إني آمل أن يسهم الواقع في عكس ذلك، فيُلهم الشباب توحيد القوى مع أمثالنا، ممن يبذلون أقصى الجهود كي تتغير حالة الصحافة حاضراً".
© The Independent