طلب المصرف المركزي في لبنان من المصارف الاشتراك في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة والتسجيل على التطبيق الإلكتروني العائد لهذه المنصة، والالتزام بالشروط التي سيصدرها بهذا الخصوص، محدداً 16 أبريل (نيسان) المقبل كحد أقصى للتسجيل. وتتيح المنصة المستحدثة تسجيل كل العمليات المالية لتصبح هي المرجع الأساسي للسعر الحقيقي للسوق، على أن تتابع لجنة الرقابة على المصارف حسن سير العمل.
وتشير مصادر مقربة من حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، إلى أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه المنصة هو لجم قدرة المضاربين، ومنهم بعض الصرافين غير الشرعيين، من اللعب بسعر صرف الليرة، إضافة إلى التدخل لامتصاص السيولة كلما دعت الحاجة بمعدل 4 ملايين دولار يومياً حتى يتم ضبط سعر الصرف. وعن آلية العمل في التعميم الأخير للحاكم المركزي، أوضحت المصادر أنه بعد تسجيل المصارف على المنصة ستصدر سلسلة تعاميم لاحقة.
أضافت أن التعاميم والتدابير التي يتخذها الحاكم لا تشكل حلولاً سحرية للأزمة، ولكنها محاولة لتخفيف وطأتها قدر المستطاع على المواطن، معتبرة أن الحل يبقى في خطة إصلاحية متكاملة تقرها الحكومة، مشددة على أن الأزمة الحقيقية في لبنان هي سياسية والانهيار الاقتصادي هو نتيجة الاستمرار بالواقع السياسي السلبي واتخاذ سلسلة قرارات اقتصادية خاطئة، منها الامتناع عن تسديد سندات "اليوروبوندز" العام الماضي من دون الاتفاق مع المساهمين، والاستمرار بسياسة الدعم العشوائي لبعض السلع وعدم ضبط الحدود أمام التهريب.
منصة سياسية
وبانتظار أن يحدد المصرف المركزي لاحقاً آلية عمل المنصة الإلكترونية، أوضح رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق، سمير حمود، أن المنصة لن تعالج أزمة الدولار، لأن دورها يقتصر على رصد حركة السوق، سواء كان من ناحية الأسعار أو العرض والطلب، وأن عملية التداول بالعملات الأجنبية ستتم عبر البنوك بشكل مشابه للصرافين الشرعيين، مؤكداً أن التداول سيكون ورقياً بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي حصراً.
ولفت إلى أن عملية شراء الدولارات من البنوك ستكون محصورة بالتجار وأصحاب الاحتياجات الضرورية والمبررة من خلال المستندات، لا سيما التحويل للطلاب في الخارج، ولكنه تخوف أن تكون "آلية صرف العملات من خلال المصارف بالمسألة السهلة والمرنة، وأن يوازي حجم الدولار المعروض حجم الدولار المطلوب".
وأشار حمود إلى أنه على السلطة أن تشكل منصة سياسية تضع خطة إصلاح اقتصادية شاملة لتخفف الضغط عن المصرف المركزي، بالتالي القدرة على التدخل لعرض الدولار والتحكم بحجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية.
تحديات السوق
واعتبر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، أن نجاح المنصة مرتبط بضبط السوق الموازية، وقال "إذا كان السعر على المنصة وهمياً أقل من السوق، عندها تكون من دون جدوى، وتقتصر مهمتها على ضخ الدولار، وعندها سيخسر المركزي مزيداً من الاحتياطات المقدرة بنحو 15.6 مليار دولار"، مضيفاً أن "السوق السوداء تتحرك بشكل سريع وخارج أي قيود بيروقراطية على عكس تغير سعر الصرف عبر المنصة، وبذلك يستطيع من يتلاعب بسعر السوق السوداء أن يحدد أرقاماً أعلى لبيع الدولارات، ما يعطي مفعولاً عكسياً، فيلجأ المواطن إلى شراء الدولارات عبر المنصة وبيعها للصرافين لتحقيق أرباح إضافية من الفوارق بالسعرين".
وأوضح أن "هناك خيارات عدة لعمل هذه المنصة، ومنها أن تكون على سعر صرف السوق السوداء، وهنا تكون قد شرعت عمل المصارف والصرافين الشرعيين على هذا السعر، وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح، ونكون قد عومنا الليرة بالنسبة للدولار الجديد (Fresh)، في حين يستمر استخدام العملة القديمة (اللولار) على سعر 3900 ليرة للدولار ضمن الضوابط التي وضعها الحاكم في تعميم رقم 151".
ولفت إلى أن "تشريع تعامل المصارف والصرافين الشرعيين بدولار السوق السوداء، يسهم في تخفيف التقلبات الحادة، كونه ينزع حصرية التلاعب من الصرافين، لأنه كلما كثر اللاعبون، تخفّ التقلبات".
وعن استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أشار مارديني إلى أن السعر الحالي الذي يقارب 15 ألفاً في السوق السوداء مرشح للارتفاع بمسار تصاعدي على الرغم من وجود المنصة، معتبراً أن استمرار المركزي بطبع الليرة، والتي باتت تقدر بنحو 34 ألف مليار، إضافة إلى ودائع المصارف التي تقارب 50 ألف مليار ليرة، سيزيد الطلب على الدولار، ويؤثر سلباً على سعر الصرف، موضحاً أن سبب زيادة عملية الطباعة، يعود إلى أن نفقات الحكومة أعلى من مداخيلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سعران في المصارف
وتخوف بعض الاقتصاديين من أن يؤدي إطلاق المنصة إلى سعرين للدولار في المصارف، سعر المنصة الأولى وفق 3900 ليرة، وسعر آخر وفق المنصة الجديدة يتوقع أن يكون متقارباً للسعر المعتمد في السوق الموازية بنحو 10 آلاف ليرة. ويشير بعض الاقتصاديين المتفائلين إلى إيجابيات تكمن في قدرة المنصة على تخفيف الفروقات الكبيرة ببورصة الدولار صعوداً وهبوطاً، كون مصرف لبنان سيكون قادراً على التدخل بعرض أو بطلب، من شأنه أن يعوق الهامش الكبير لتقلبات الدولار يومياً، ومن شأن ذلك أن ينعكس ثباتاً نسبياً في عملية التسعير، فلا تتغير أسعار السلع بين يوم وآخر.
ويشير المحلل الاقتصادي وليد أبو سليمان إلى أن المنصة المرتقبة تواجه سلسلة تحديات أولها أن تكون مركزية، وأن تكون مفتوحة للأفراد وليس فقط للتجار، ويؤكد أن الطريقة الوحيدة لضبط سعر الصرف هو عبر تدخل مصرف لبنان عبر ضخ الدولارات في السوق وسحب الكتلة النقدية من الليرة اللبنانية.
ولفت إلى أن سعر الصرف لن ينخفض عملياً بهذه الآلية فقط، في ظل المؤشرات الاقتصادية المتهاوية وتزايد الطلب على الدولار، واستمرار العجز في ميزان المدفوعات يزداد بسبب نزيف العملة الصعبة وخروج الدولارات من لبنان إلى الأسواق الخارجية، حيث يشير تقرير لوزارة الاقتصاد إلى أن حجم الدعم المقدم من مصرف لبنان يتراوح بين 6.5 وسبعة مليارات دولار سنوياً، أي بمعدل 540 إلى 580 مليون دولار شهرياً، في حين لا يستفيد سوى 25 في المئة من اللبنانيين من هذا الدعم نتيجة التهريب.
وأوضح أن المسار التصحيحي الوحيد يبدأ عبر تشكيل حكومة وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأمين دخول الدولار، والبدء بالإصلاحات منها الكهرباء وتنفيذ قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع العام وإعادة هيكلة المصارف وهيكلة مصرف لبنان، والسيطرة على ميزان المدفوعات.
الـ"لولار" والدولار
ووفق المعلومات، فإن المنصة المستحدثة تفصل بين الحسابات المصرفية المودعة لدى المصارف بالدولار الأميركي قبل 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، والتي باتت تعرف بالـ"لولار"، والحسابات الحديثة بالدولار الأميركي، إذ يتوقع تمديد العمل بتعميم المصرف المركزي الرقم 151 تاريخ 3-4-2020، المتعلق بإجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية على سعر صرف المنصة المحدد بـ3900 ليرة للدولار وفق الضوابط نفسها.
وتشير المعلومات إلى أن المصرف المركزي يدرس إمكانية رفع السحوبات عبر تلك المنصة إلى 5000 ليرة في المرحلة المقبلة، مع إمكانية تخفيض سقوف السحب كي لا تتسبب هذه الآلية بزيادة الضغط على الليرة وارتفاع في التضخم، ووفق مصادر المصرف المركزي، فإن الهدف من استمرار عمل هذه المنصة هو لتسهيل حياة المواطنين وتخفيف خسائرهم المالية.
وساعدت هذه الآلية المصارف العاملة في لبنان في تخفيف ديونها للمودعين، إذ انخفضت من حوالى 115 مليار دولار إلى 103 مليارات، وهذا يعني أن الـ15 في المئة المطلوبة كاحتياطي إلزامي لهذه الودائع أصبحت توازي نحو 15.4 مليار دولار بدلاً من 17.5 مليار، ما أتاح تمديد استمرار دعم السلع لأشهر عدة إضافية.