خلص أحد العلماء إلى أن الحيوانات قد تنشئ ثقافاتها وتحافظ عليها تماماً مثلما يفعل مع البشر.
واستعرض أندرو وايتن بحوثاً أُجريت في هذا المجال خلال عقود من الزمن، ويتحدى الفكرة السائدة بأن البشر وحدهم لديهم ثقافة تميزهم عن الحيوانات.
وكذلك يشير إلى وجود دليل متنامٍ على ثقافة تشمل مجموعة متنوعة من الثدييات والطيور والأسماك والحشرات. وفي مثل على ذلك، تبين أن حيوانات الشمبانزي في أحد ملاذات الحياة البرية داخل زامبيا، قد طورت تقليداً يتضمن موضة وضع ورقة عشبية مستطيلة في أذن واحدة.
وبدأت إحدى إناث الشمبانزي، وتُسمى "جولي"، العادة قبل أن تقلدها حيوانات أخرى. وحذت حذوها غالبية ثمانية من أصل مجموعة مكونة من 12 من حيوانات الشمبانزي.
واستطراداً، يشير الأستاذ وايتن من "كلية علوم النفس والأعصاب" في "جامعة سانت أندروز" الاسكتلندية إلى أن الثقافة بعيدة عن أن تكون فريدة من نوعها بالنسبة إلى البشر، إذا كانت [الثقافة] عبارة عن مجموعة تقاليد يجري تناقلها من خلال التعلم من حيوانات أخرى، بما في ذلك غير الأقارب.
وأضاف، "ساد اعتقاد فترة طويلة أن الطبيعة الثقافية المنتشرة في نوعنا تصلح تعريفاً عن صفات البشر، فتميزنا بالتالي عن سائر العالم الطبيعي وعمليات التطور التي تشكله. وكذلك اعتُقد بأن الأنواع الأخرى تعيش غريزياً مع امتلاكها بعض القدرة على التعلم، لكن البشر وحدهم يمتلكون ثقافة. وعلى مدى العقود الأخيرة من الزمن، كشفت مجموعة من البحوث تراكمت في شكل سريع، وجود صورة مختلفة تماماً [عن ذلك الاعتقاد]".
ولفت وايتن إلى أن "الثقافة تنتشر لدى الحيوانات طيلة أعمارها، من الطفولة إلى سن البلوغ. وربما يبدأ صغار عدد من الأنواع في التعلم من والديها أولاً، لكنها تتعلم على نحو متزايد من المهارات المختلفة التي يتمتع بها غيرها على غرار ما نفعل نحن البشر، بل إنها تركز على الحيوانات الفردية في مجموعتها التي تظهر أعظم الخبرات، مثلاً، في استخدام الأدوات".
وكذلك أوضح أن "التعلم من الآخرين له أهمية بالغة تستمر حتى سن البلوغ. إذ تبيّن أن السعادين والقرود التي تنتشر كحيوانات بالغة في مجموعات جديدة، وتتجنب التناسل في المجموعات نفسها، تتبنى عادات تختلف عن تلك التي تعود إلى موائلها. ويبدو أن المثل القائل "في روما، افعل ما يفعله أهل روما" قاعدة مفيدة في ما يتصل بما يمكن تعلمه من الحيوانات الفردية في المجموعة التي تحلّ في بيئة جديدة بالنسبة إلى هذه الحيوانات المهاجرة".
وفي السياق عينه، يورد الأستاذ وايتن، عالم الحيوان وأستاذ علم النفس التطوري والنمائي، أن الأدلة [على وجود تقاليد ثقافية لدى الحيوانات] لها آثار واسعة النطاق، بما في ذلك في الأنثروبولوجيا، وبيولوجيا التطور، والحفاظ على أعداد الحيوانات البرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت أيضاً إلى أن فهم الثقافة يتيح للبشر المساعدة في الحفاظ على الأنواع، كي يتسنى توجيه أنواع الطيور التي فقدت طرق الهجرة الخاصة بها إلى هذه الطرق مرة أخرى، بواسطة الطائرات الخفيفة.
وفي بعض البلدان، عُرضت أشرطة فيديو على حيوانات مأسورة تنتمي إلى مرتبة الرئيسيات [وتمثل رأس الهرم في الحيوانات الثديية، وتشمل القردة والغوريلا والشمبانزي] بهدف تعليمها مهارات الأمومة التي لم تتح لها الفرصة كي تتعلمها في السابق.
وفي حديث لـ"اندبندنت"، أعرب وايتن عن اعتقاده بأنه "حين يقتل المرء الحيوانات في الصيد البري أو البحري، تتلخص الفكرة التقليدية في قتل الحيوانات البالغة كي تتمكن الحيوانات الأصغر من النمو والتناسل فلا يؤثر قتل الحيوانات البالغة كثيراً. في المقابل، إذا أردنا النظر إلى ذلك الموضوع من خلال عدسة ثقافية، فإن الفيلة تقدم مثلاً جيداً عنه. لنلاحظ أن الحيوانات الفردية الأكبر سناً، كالإناث القائدة، تتمتع بمعارف ثقافية واسعة، تتعلق مثلاً بالأماكن التي توجد فيها مصادر المياه. وإذا قتل المرء هذه الحيوانات، ستضيع الحيوانات الأصغر سناً. إذاً، فمن شأن تلك المعرفة أن تؤدي إلى أفكار جديدة جذرية".
وأضاف، "لا بد من الاعتراف بأن الثقافة ليست قدرة بشرية فريدة نشأت "من العدم"، بل ترجع في واقع الأمر إلى جذور عميقة في مجال التطور. وكذلك لا بد من أن تتسع البيولوجيا التطورية كي تتعرف على الأثر الواسع النطاق المتأتي من التعلم الاجتماعي الذي يمثل "نظام وراثة ثانياً" مبنياً على نظام الوراثة الأساسي، فينشئ إمكانية لظهور شكل ثانٍ من التطور متمثلاً في التطور الثقافي".
وكخلاصة، لفت وايتن إلى أنه "من شأن الاعتراف بالإملاءات العملية المتعلقة بالثقافة الحيوانية، إضافة إلى دلالاتها بالنسبة إلى مروحة واسعة من التخصصات العلمية، [من شأن ذلك] أن يساعد في ضمان مستقبل مشرق للباحثين في هذا المجال. وبالتأكيد، سيسعى الآن جيل جديد من العلماء إلى فهم أوسع للثقافة في حياة الحيوانات، مع حصوله على مساعدة من ترسانة مهمة من التطورات المنهجية التي طُوّرت في العقدين الماضيين".
(نشرت ورقته [العالِم أندرو وايتن] التي تحمل عنوان "التوسع المتزايد للثقافة الحيوانية"، في مجلة "ساينس")
© The Independent