بعد مرور عام على نيل حكومة مصطفى الكاظمي ثقة البرلمان العراقي، تدور النقاشات بين أوساط المهتمين بالشأن السياسي، والناشطين، عن حصيلة ما تحقق خلال تلك الفترة، خصوصاً في ما يتعلق بمطالب المحتجين وبقية تفاصيل إدارة الدولة.
وجاءت حكومة الكاظمي بعد أن أرغمت الاحتجاجات العراقية رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي على الاستقالة، على خلفية التعامل الدموي للقوات الأمنية مع الانتفاضة العراقية، ما أدى إلى مقتل نحو 600 متظاهر، وجرح أكثر من 28 ألفاً آخرين.
ولعل العنوان الأبرز الذي يتحدث عنه الناشطون في مناقشة ما تحقق في ظل حكومة الكاظمي يتعلق بمحاكمة قتلة المتظاهرين، وحسم ملف الميليشيات، وتأمين أجواء الانتخابات المقبلة، وهي تفاصيل لم تحسم حتى الآن على الرغم من توفر المدة الكافية لحسمها، على حد وصفهم.
تعويل على ملف الانتخابات المبكرة
في الجانب السياسي، يبدو أن الكاظمي يعول على إيفائه بوعد إجراء انتخابات مبكرة، إلا أن هذا الوعد يصطدم بحجج الناشطين التي تركز في الغالب على ضرورة حسم قضية تأثير السلاح المنفلت والمال الفاسد على أجوائها، ولعل ما يدعم حجج الناشطين استمرار الاغتيالات بحق العديد من الشخصيات البارزة في الحراك الاحتجاجي، فضلاً عن الملاحقات والتهديدات التي تطاولهم من قبل جماعات مسلحة، مع عدم قدرة الحكومة على الحد من تلك الظاهرة.
وفي اليوم الأول للسنة الثانية لحكومة الكاظمي، اغتيل الناشط الكربلائي إيهاب الوزني في كربلاء، الأمر الذي أعاد فتح ملف "عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها"، واغتيل الوزني، وهو ناشط بارز، وسط مدينة كربلاء، السبت، الثامن من مايو (أيار)، على يد مسلحين مجهولين، في وقت اتهم فيه ناشطون ميليشيات مسلحة موالية لإيران بالقيام بالعملية.
وتمثل حادثة اغتيال الوزني امتداداً للعديد من الاغتيالات التي طاولت ناشطين ومناوئين للميليشيات الموالية لإيران، من بينهم الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي، وناشطون من محافظات مختلفة، بين مخطوف ومقتول.
وعلى الرغم من محاولة الحكومة في بادئ الأمر فتح ملف قتلة المحتجين فإنها لم تتخذ أي خيارات ترضي المحتجين، لا من ناحية إحالة قيادات أمنية للقضاء ولا من خلال تحريك دعاوى ضد الميليشيات التي يتهمها المحتجون بالقيام بعمليات قمع وقتل واختطاف.
وقال الناشط مهتدى أبو الجود، إن "طريقة تنصيب الكاظمي، هي خلاف ما طالبت به الانتفاضة، ولا سيما إلغاء المحاصصة والتوافق الحزبي، وهذا نسف لمبدأ الانتفاضة وضرب لمتبنياتها". وأضاف، "لم يتحقق شيء. الحالة المعيشية تزداد سوءاً، والمواطن الذي يقترب من خط الفقر قد وقع تحته فعلاً بعد الإجراءات الاقتصادية لحكومة الكاظمي، والسوق متجمدة ولا تمتلك السيولة المالية الكافية لتحريكها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأخذ قضية اغتيال الناشط الكربلائي إيهاب الوزني الحيز الأكبر من نقاشات استذكار العام الأول لحكومة الكاظمي. ويشير أبو الجود إلى أن هذا الحادث يمثل "خير افتتاحية للسنة الثانية للكاظمي، التي تدلل بشكل أو بآخر على ضعف هذا الشخص بإدارة الملف الأمني وحماية أصحاب الرأي السياسي". وتابع، "الكاظمي يحاول الحصول على تزكية وترضية من قبل الأطراف الرئيسة للنظام السياسي، للحصول على ولاية ثانية، وكان ثمن هذا ما حدث من إخفاقات كبرى خلال العام الماضي".
ملف العلاقات الخارجية وولاية ثانية محتملة للكاظمي
في سياق علاقات العراق الخارجية، يرى مراقبون أن الكاظمي عمل خلال السنة الماضية على إخراج العراق من كونه ساحة صراع ودفعه باتجاه أن يكون وسيطاً للتسوية، وهو الأمر الذي يعده متخصصون "نقطة شروع في غاية الأهمية" لإخراج البلاد من المأزق الأمني والاقتصادي الذي تعيشه.
ويقول رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، منقذ داغر، إن أكبر نجاح للكاظمي يتمثل في ملف العلاقات الخارجية، مبيناً أن "هذا الملف نجح به الكاظمي بشكل أفضل من أدائه على الصعيد المحلي، وتمكن من استعادة دور العراق جزئياً والحفاظ على التوازنات في علاقاته الخارجية". وأضاف، "بعد عام على حكومة الكاظمي، لا أستطيع القول إنها أنجزت الكثير، لكنها أفضل من سابقتها، على الرغم من كون الطموحات بشأنها كانت أعلى بكثير". وتابع، "يفترض بتلك الحكومة أنها جاءت استجابة لمطالب المحتجين، ويبدو أن الشارع العراقي ليس راضياً كل الرضا عما حدث على الرغم من ترجيح استطلاعات الرأي لها على حساب حكومة عبدالمهدي التي سبقتها".
وفي شأن إعلان رئيس الحكومة عدم نيته الترشح في الانتخابات المقبلة، أشار داغر إلى أن الكاظمي بات يعرف أن مشاركته "لن تضمن عودته إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى"، مضيفاً، "أمامه طريقان، إما أن يحظى بتوافق الكتل السياسية مرة أخرى، وهذا أمر غير مرهون باشتراكه بالانتخابات، أو أن يخرج من هذا السباق حتى لا يخسر كل شيء".
فرضيتان بخصوص عدم ترشح الكاظمي
ويشغل إعلان الكاظمي عدم ترشحه في الانتخابات المقبلة أوساط المحللين، إذ تتباين الرؤى في شأن الدوافع الرئيسة التي دفعته لهذا الخيار، ومثل إعلانه نقطة تحول كبيرة في سياق الانتخابات المقبلة، إذ يرى طيف من المراقبين أن الأمر مهد لتسويات جديدة ربما تشمل دولاً إقليمية لدعم دورة ثانية له، خصوصاً بعد محاولاته صياغة تفاهمات جديدة مع دول المنطقة، والوساطات التي يديرها للتقريب بين طهران والرياض، في حين يرى آخرون أنها تمثل محاولة من الأطراف الشيعية الرئيسة لإبعاد أي أطراف جديدة من اقتحام الساحة السياسية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، إياد العنبر، إن عدم ترشح الكاظمي في الانتخابات المقبلة خاضع لفرضيتين، الأولى احتمال أن يكون "ملتزماً بالشروط السياسية التي فرضت عليه عدم الترشح مقابل اعطائه المنصب"، أما المعيار الآخر فيرتبط بـ"طموحه بولاية ثانية لأنه يدرك ضعف حظوظه الانتخابية التي لا تمكنه من التنافس على المنصب ويحاول الحصول على التوافقات السياسية لأن القوى الرئيسة استهوتها لعبة اختيار شخص من خارج منظومة أحزابها". ويشير إلى أن هناك نوعاً من المبالغة في دور الكاظمي بقضية العلاقات الخارجية للعراق، معبراً عن اعتقاده أن "هذا الانفتاح حدث في حكومة العبادي، وما يحدث استثمار لما أسسه العبادي".
لا ضمانات حقيقية في شأن ملفات "تشرين"
ويبدو أن إخفاق الحكومة في تلبية المطالب الرئيسة للانتفاضة العراقية هو الذي يعزز الحديث عن فشلها، خصوصاً في ما يتعلق بالأمن، فضلاً عن عدم تلبيتها المطالب المتعلقة بإجراء انتخابات بعيداً عن تأثير السلاح. ورأى العنبر، أن خطوات الكاظمي خلال عام كامل "لم تُرضِ المحتجين، ولم تعالج مطالباتهم"، مبيناً أنها "لم تقدم أي ضمانات حقيقية في سياق محاسبة القتلة أو ضمان نزاهة الانتخابات على الرغم من قرب موعدها". وأوضح أن المهمة الرئيسة لتلك الحكومة كانت "إرضاء منظومة السلطة والأحزاب، وهناك توافق كبير حوله على الرغم من التصريحات الإعلامية، وخصوصاً أن حقبته شهدت زيادة في حصص الكتل الكبرى من المناصب ما يمكنها من السيطرة على الوضع السياسي في البلاد".
الاقتصاد وحكومة الكاظمي
ومثل الاقتصاد وتراجع فرص العيش الكريم أبرز الدوافع التي حفزت العراقيين على الخروج في انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الأمر الذي لا تبدو بوادر حسمه متوافرة حتى الآن، إذ تبدو الإشكالات الاقتصادية متفاقمة ونسب الفقر والبطالة في تزايد مستمر.
وعلى الرغم من الحديث عن أن حكومة الكاظمي أخفقت في إقناع العراقيين بشكل عام بأدائها، فإن باحثين يرون أن عاماً واحداً غير كافٍ في حسم كل الإشكالات المركبة التي تعيشها البلاد، خصوصاً مع سطوة الجماعات المسلحة على حساب الدولة وعدم امتلاك الكاظمي كتلة برلمانية داعمة.
وحاولت الحكومة العراقية إجراء العديد من التغييرات في السياسية الاقتصادية للبلاد، من خلال العديد من الخطوات خلال الأشهر الماضية، كان أبرزها الورقة الإصلاحية التي سميت الورقة البيضاء، إلا أنها أيضاً واجهت العديد من الانتقادات من برلمانيين ومتخصصين بالاقتصاد، فضلاً عن كونها تتطلب سنوات عدة لتحقيق بنودها الرئيسة.
أما في الجانب الخدمي، فيبدو أن الأمور لا تسير باتجاه مغاير، وعلى الرغم من وعود الحكومة بتحسين تجهيز الطاقة الكهربائية، فإن مناطق عدة في البلاد شهدت خلال الشهر الماضي تظاهرات ليلية تندد بتردي الخدمات في البلاد.
ويأمل العراقيون خلال الأشهر المقبلة أن تقوم الحكومة بإجراءات جادة في القضايا الأمنية وملف الانتخابات، وإلا فإن الأوضاع العامة في البلاد باتت تدفع بالعراقيين إلى الشعور بعدم جدية الاشتراك في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن دعوات ناشطين بارزين إلى "القطيعة التامة" مع النظام السياسي في البلاد.