يستضيف غاليري آزاد للفنون في القاهرة معرضاً لأربعة فنانين من مصر وسوريا وفلسطين تحت عنوان "رحلات عاطفية". ويضم المعرض أعمالاً لحسام بلان ومجد كردية وعمر نجار ووليد عبيد. أعمال الفنانين الأربعة على تباينها تتيح لنا فرصة الاطلاع على جوانب مُختلفة من التجارب التصويرية العربية وتلمس نقاط الاختلاف والتشارك فيما بينها، داخل فضاء واحد للعرض، ومن هنا تأتي أهمية المعرض.
تطالعنا هنا تجربة الفنان السوري البارز حسام بلان، هذه التجربة التي تقف بين طرفين، الواقعية التعبيرية من جانب والتجريد والاختزال من جانب آخر، يفصل بينهما خط مُمتد من إعادة التشكل والصوغ والانتقال بين أساليب البناء، ولكن تظل السمات نفسها التي ميزت أعماله كعامل مشترك بين هذه المراحل والانتقالات والأساليب، والمتمثلة في ذلك السكون والترقب، والعلاقات الداخلية بين الشخصيات، وبينها وبين المشاهد. المجموعة التي يعرضها حسام بلان أسهمت في ولادتها كما يقول البيان المُصاحب للعرض، الفرقة السورية التي تتخذ من بيروت مقراً لها وهي فرقة "طنجرة الضغط"، فالأعمال هنا يمكن أن نصفها ببساطة بأنها ترجمة بصرية للألحان التي تقدمها هذه الفرقة الموسيقية، أو هي محاولة لاستقراء الواقع من جديد، وهي قراءة تقودها الموسيقى وتتحكم في تفاصيل البناء الشكلي للعناصر المرسومة.
الرسم والموسيقى
حول الموسيقى أيضاً تطالعنا مجموعة اللوحات التي يقدمها الفنان الفلسطيني عمر نجار، ولكن بدلاً من التعامل معها كخلفية للأعمال، صارت هي الموضوع والإطار الذي يتحرك من خلاله. يستلهم الفنان الفلسطيني هنا أعماله من وحي المشاهد الجماعية لعازفي الأوركسترا، إذ تضم لوحاته عشرات الموسيقيين في أوضاع مختلفة؛ أوضاع تعكس اندماج كل منهم مع آلته الموسيقية، ومع الآخرين في الوقت نفسه. يتحول الأشخاص في اللوحات إلى مفردات وعناصر يشكل بها نجار لوحاته، فيبدو المشهد لأول وهلة كأنه حقل زهور أو ما شابه. مشهد منمق ومتناسق، لكنك إذا ما تمعنت فيه جيداً ستكتشف كل هذه التفاصيل التي شكل من طريقها الفنان كل شخصية من الشخصيات المرسومة.
من سوريا أيضاً يعرض الفنان مجد كردية مجموعة من أعماله الفنية، تعتمد ممارسات مجد كردية في المقام الأول على المزج بين تقنيات التصوير والرسم مع النصوص القصيرة التي تجري على ألسنة شخصياته المبتكرة، والتي يوظفها في معظم أعماله. عادة ما تتضمن النصوص التي يأتي بها كردية وجهة نظره الخاصة الى ما يحدث حوله أو الى ما يحدث في العالم، مع اهتمام واضح بالمشاعر الإنسانية، وهو يصوغ كل ذلك في أجواء رمزية ذات دلالة. يرسم كردية شخصيات غريبة الأطوار تحكي قصصاً عن أنفسها وعن الحياة، وعن الصراع والحب والأمل والمشاعر الإنسانية المُشتركة.
وإذا ما انتقلنا إلى أعمال الفنان المصري وليد عبيد يطالعنا تعامله المتقن مع الجسد الأنثوي بتفاصيله الجمالية. المُعالجات التي يقدمها عبيد للجسد الأنثوي في أعماله عادة ما يضعها في قالب درامي، يتخذ خلاله الجسد الأنثوي دور البطولة، أو ربما نراه حاضراً وفق ثنائيات تجمع بين الرجل والأنثى، إلى جانب عناصر أخرى مُكملة للمشهد ودالة على الفكرة التي هو بصددها.
سوق الفن العربي
معرض "رحلات عاطفية" يمثل المرحلة الثانية من التبادل الفني بين قاعتي "آزاد" في القاهرة و"فن آ بورتيه" في دبي هذا العام، فقد استضاف غاليري "فن آ بورتيه" معرضاً لأربعة فنانين من مصر قبل أسابيع، مدشناً لمرحلة جديدة من الشراكة والتعاون مع نظيره في القاهرة. يرى محمد يونس مؤسس غاليري "آزاد" أن تجربة التعاون بين المؤسستين يمكنها أن تؤسس لمرحلة من المشاركة والتعاون بين المؤسسات الفنية في المنطقة العربية ككل. فالحركة الفنية العربية بحسب رأيه، تعاني من العزلة بعضها عن بعض، فالفنان المصري لا يكاد يعرف من بين أقرانه في لبنان أو سوريا أو العراق مثلاً سوى الأسماء اللامعة فقط والعكس صحيح، فالأوساط الفنية في العواصم العربية لا تطلع على التجارب الفنية المصرية، ولا تكاد تُتابع سوى الأسماء الكبيرة الراحلة.
من هنا تولدت فكرة التعاون من أجل تأسيس مناخ للتشارك وتبادل العرض بين المؤسستين. المستفيد هنا هو جمهور الفن والحركة الفنية في كلا الجانبين، كما يقول يونس، تعود الاستفادة أيضاً على الفنان الذي يمكنه الإطلاع على تجارب غيره من الفنانين العرب. من أجل هذا يُعلن يونس أنه بصدد الترتيب خلال الفترة القادمة لترسيخ مزيد من التبادل بين غاليري "آزاد" وغاليرهات أخرى في لبنان ودبي وسوريا وغيرهما. ولا يقتصر الأمر هنا على الفنانين المرتبطين بالغاليري كما يقول يونس، بل سيشمل فنانين آخرين خارج هذا الإطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا التعاون بين المؤسستين يعكس رغبة لدى القائمين عليهما في إنعاش سوق الفن العربي والتي تعاني بدورها الانعزال، وفي هذا الصدد ترى غادة قناش مديرة "فن آ بورتيه" في دبي أن سوق الفن تعتمد على أضلاع ثلاثة وهي الفنان والغاليري ومقتني الأعمال الفنية، ولكل منهم دوره وتأثيره في إنعاش هذه السوق. يتمثل دور الغاليري هنا كما تقول قناش، في التنسيق بين الطرفين الآخرين، بالعمل على تأسيس علاقة مبنية على الوضوح والمصارحة في ما بينه والفنان من ناحية، وكذلك جدية التعامل مع المقتني. ترى قناش أن علينا التفكير بجدية في فتح آفاق جديدة لزيادة الشريحة المؤهلة لاقتناء الأعمال الفنية، كأن نحفز المؤسسات الكبرى مثلاً على أن تقوم بدورها في هذا المجال، وإقناعها بأن الفن هو نوع من الاستثمار، وكذلك التفكير في حلول غير معتادة لاستقطاب مزيد من المقتنين على المستوى الفردي. يتفق كل من يونس وقناش على أن سوق الفن العربي هي سوق واعدة ومرشحة بقوة للنمو، علينا فقط أن نُعيد النظر في بعض الأفكار الخاطئة التي نتعامل معها كمسلمات، ولعل ترسيخ فكرة التعاون والتشارك على هذا النحو تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق هذا الهدف.