عانت ثلث الشركات البريطانية التي تتاجر مع الاتحاد الأوروبي من تراجع أو خسارة أعمالها منذ دخول قواعد ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، وفقاً لمسح أجرته صحيفة "فايننشال تايمز"، كما وجد الاستطلاع الذي أجراه معهد المديرين التفيذيين (سي إم آي) أن 17 في المئة من الشركات البريطانية التي كانت تتاجر سابقاً مع الاتحاد الأوروبي قد توقفت، إما بشكل مؤقت أو دائم، منذ بداية العام.
وترسم النتائج صورة قاتمة لترتيبات التجارة مع أوروبا، لا سيما للشركات الصغيرة التي لا تملك الموارد اللازمة للتغلب على الحواجز التي تعترض التجارة، التي نتجت من خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي.
وبعد ستة أشهر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أفادت الشركات أنها تواصل الكفاح مع الروتين الجديد الذي بشر به اتفاق التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والكتلة الأوروبية. وعلى الرغم من أن اتفاق "بريكست" الذي تم الاتفاق عليه عشية عيد الميلاد وأكد عدم وجود تعريفة جمركية وعدم تداول حصص بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن الترتيبات الجديدة تتطلب من الشركات الامتثال لفحوص وضوابط جمركية وبيروقراطية مكلفة، مما زاد من الاحتكاك في التجارة.
الحدود التجارية والحواجز
كما توترت العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب الحدود التجارية الجديدة بين بريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، الأمر الذي يتطلب فحص العديد من البضائع التي تعبر البحر الإيرلندي، مما أثار أعمال عنف في المجتمعات النقابية الموالية لبريطانيا في المنطقة.
وقال المدير العام لمعهد المديرين جوناثان جيلدارت، "بعد ستة أشهر ما زال العديد من الشركات تتجادل مع تحديات علاقتنا الجديدة مع الاتحاد الأوروبي". وأضاف، "تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص للتنقل في إجراءات جديدة حول التصدير والاستيراد مع الكتلة، بينما يُبلغ قادة الأعمال على نطاق أوسع عن صعوبات في التوظيف بعد إنهاء حرية التنقل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطلب استطلاع الصحيفة من 651 شركة تقديم تقويمها لتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى الآن، ومن بين تلك الشركات التي تتاجر مع الاتحاد الأوروبي قال 31 في المئة إن الحواجز الجديدة منذ الأول من يناير كان لها تأثير سلبي في التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وقال ستة في المئة فقط إن التجارة قد زادت، في حين صرح 58 في المئة بعدم وجود تغيير.
ووفقاً لمسح منفصل أجراه معهد تشارترد للإدارة لمصلحة صحيفة "فايننشال تايمز"، قال ما يزيد قليلاً على ربع مديري القطاع الخاص، إن التغييرات في التجارة نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثرت سلباً في معدل دوران مؤسساتهم خلال يناير، وبعد ستة أشهر تقريباً كانت النسبة نفسها (26 في المئة) لا تزال تقول إن هناك تأثيراً سلبياً، وإلى حد كبير المنظمات نفسها.
وقالت الرئيسة التنفيذية لمعهد المديرين التنفيذيين (سي إم آي)، آن فرانك، التي استطلعت آراء 1354 مديراً، "لقد أفاد مديرو القطاع الخاص أن تحديات التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يزال لها تأثير سلبي في معدل دوران مؤسساتهم"، ومع ذلك قال أكثر من نصف المديرين الذين شاركوا في الاستطلاع، إن التحديات الأولية المتعلقة بالتجارة مع الاتحاد الأوروبي التي نشأت بحلول نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تم حلها على الأقل إلى حد ضئيل، مما يشير إلى أن العديد من الشركات بدأت في التغلب عليها كعقبات أولية.
تعزيز الاستثمار
وسعت بعض الشركات التي ردت على استطلاع المعهد إلى التركيز على الجوانب الإيجابية لمغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، إذ قالت 17 في المئة من الشركات إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعلها أكثر توجهاً للاستثمار في أعمالها، مقارنة بـ 15 في المئة ممن قالت إن ذلك جعلها أقل توجهاً للاستثمار.
وتعتقد شركات عدة أن تأثير مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي سيزداد سوءاً عندما تنتهي بعض الإجراءات التخفيفية الموضوعة لتسهيل انتقال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هذا العام، بما في ذلك إدخال ضوابط الاستيراد على الحدود البريطانية مع الكتلة.
ووفقاً لمسح معهد المديرين التنفيذيين، قالت حوالى ثلثي الشركات إن الضوابط الجمركية الجديدة في المملكة المتحدة سيكون لها تأثير سلبي في التجارة عندما تم تنفيذها في يناير 2022، بعد ستة أشهر من المفترض أن يتم تقديمها.
ارتفاع كلفة الشحن عائق رئيس
وبالنسبة إلى العديد من الشركات، كانت متاعب البيروقراطية الجديدة التي تم إدخالها بالفعل كافية لإقناعهم بالتخلي عن أعمال الاتحاد الأوروبي، وفي الأسبوع الماضي قررت "تشيشر تشيز كومباني" التي تنتج جبنة التشر البريطانية المعروفة وقف البيع إلى الاتحاد الأوروبي على أساس الجملة بالجملة، مع ارتفاع كلفة شحنها إلى الاتحاد الأوروبي من حوالى 300 جنيه إسترليني ( 416.8دولار) إلى أكثر من 1300 جنيه إسترليني (1800 دولار)، مما يشير إلى نهاية تجارتها الناجحة مع أوروبا.
وقال سيمون سبوريل، الذي يدير مصانع الجبن المتخصص في ماكليسفيلد، "إن الشحن مباشرة إلى 446 مليون مستهلك في الاتحاد الأوروبي لم يعد قابلاً للتطبيق، إذ لا يمكننا الشحن إلى إيرلندا الشمالية بعد الآن". وأضاف، "لقد نجحت الحكومة في إخراجنا من الاتحاد الأوروبي كشركة تجارية، وعملنا لم يعد مجدياً تجارياً، فموزعونا في فرنسا وإسبانيا وألمانيا لا يهتمون اليوم بالتعامل معنا بسبب الكلفة الإضافية والصعوبات المتعلقة الأعمال الورقية".
في هذه الأثناء، توقف وسيط الدراجات النارية ومقره توتنيس، الذي كان يشتري جميع دراجاته من الاتحاد الأوروبي، عن خدمة المنطقة بالكامل حيث كانت تتجه حوالى 15 في المئة من مبيعات الشركة إلى الاتحاد الأوروبي، وفقًا لبول جايسون ، الذي يدير متجر الدراجات النارية القديمة. وبينما يجلب جايسون الآن دراجات من دول خارج الاتحاد الأوروبي، مثل أستراليا والولايات المتحدة، فقد يستغرق هذا شهوراً بدلاً من أيام، قائلاً "لقد كنا دائما عالميين وسنبقى على قيد الحياة، لكننا في وضع لا صفقة. لا يوجد شيء سوى الاحتكاك".
وفي اجتماع مع الوزراء، طُلب من سبوريل التخلي عن الاتحاد الأوروبي لمصلحة أسواق مثل كندا، لكن سيوريل قال "لقد قمنا بشحن الطرود الأولى إلى المستهلكين، وفي غضون أسبوع كان علينا التوقف عن الإرسال إلى كندا بعد أن خضع 14 طرداً لرسوم إضافية بنسبة 245 في المئة".
17 في المئة من المهارات فقدت بعد "بريكست"
كما أدى ترك السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وإنهاء حرية التنقل إلى تفاقم النقص المتزايد في العمال داخل المملكة المتحدة، ووفقاً لمسح المعهد فقد قال أكثر من ربع الشركات إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تسبب في صعوبات بالتوظيف، إذ اشتكى 17 في المئة من فقدان الموظفين ذوي المهارات العالية، و10 في المئة من نقص العمال ذوي المهارات المتدنية.
وقال مؤسس الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها داني هودجسون، "إن الجهد المبذول من حيث الوقت لمحاولة الاحتفاظ بأعمالنا في الاتحاد الأوروبي مرهق، لقد كدت أن أستسلم في مناسبات عدة، لكنني لن أسمح لهذه الحكومة بهزيمتي".