اختلفت تقديرات البنك المركزي التونسي للتضخم، بعدما كشف منذ يومين عن المؤشرات السابقة. واتجهت إلى التنبيه لارتفاع نسبة التضخم في المستقبل القريب واستقرارها في مستوى مرتفع خلال السنوات المقبلة. ويبدو أن المصاعب التي يمر بها الاقتصاد التونسي تسير إلى الانعكاس المباشر على الأسعار وقوت التونسيين، لكن لا تنحصر عوامل التضخم على معطيات داخلية فحسب، بل تمتد جذورها إلى أسعار السلع والمواد الأولية في السوق العالمية، بخاصة المحروقات في بلد يشكو عجزاً في الطاقة يثقل ميزانيته.
توقع ارتفاع نسبة التضخم إلى 5.3 في المئة
أشار البنك المركزي التونسي إلى حتمية تسجيل ارتفاع في مستوى معدل التضخم في المستقبل، ليبلغ 5.3 في المئة خلال النصف الثاني من السنة الحالية 2021، و5.6 في المئة خلال السنة المقبلة 2022، بعد أن استقر في حدود 4.8 في المئة خلال الأشهر المنقضية. ونبه البنك إلى أنه وفقاً للمعطيات الاقتصادية والنقدية الحالية، فإن تراجع مستويات التضخم لن يتم قبل 2023، وتوقع أن يصبح 5.1 في المئة خلالها. يذكر أن معدل التضخم في تونس كان في حدود 5.6 في المئة خلال 2020.
وحسب أفق التوقعات للبنك المركزي التونسي، فإن تضخم أسعار المنتجات المؤطرة الأسعار، سيظل في مستويات مرتفعة. حيث إن الضغوط التصاعدية ستظل نشطة ومؤثرة. وستشمل أسعار أهم المنتجات والخدمات المستهلكة.
وفسر توقعاته بعجز الميزانية في تونس عن استيعاب التطور المرجح في أسعار السلع في السوق الدولية، بخاصة المواد الأساسية منها. إضافة إلى تطور تكاليف الإنتاج الأخرى. ودعا البنك إلى إدراج تعديلات أكثر تواتراً، على أسعار المواد المؤطرة، فضلاً عن تحرير عديد منها.
بينما يتوقع أن يناهز تضخم المواد المؤطرة 4.8 في المئة خلال 2021، و4.7 في المئة في 2022، و3.6 في المئة خلال 2023. في حين تضخمت أسعار المنتجات الغذائية الطازجة، بسبب ضعف آفاق الإنتاج وانتعاش الطلب. وينتظر أن يبلغ معدل تضخم المنتجات الطازجة 6.2 في المئة خلال الأشهر المقبلة من 2021، و6 في المئة خلال 2022، و5.5 في المئة خلال 2023.
وتنشأ ضغوط التضخم، من المحددات الرئيسة لمصدر العرض. وأهمها ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق الدولية. فضلاً عن الضغوط التي تسجلها تونس على مستوى التوازنات الخارجية. وهي تؤثر في تكاليف الإنتاج. إضافة إلى ارتفاع تكاليف الأجور، والانعكاسات غير المباشرة للزيادات في أسعار الطاقة في العالم.
نسبة الزيادة في الأسعار تجاوزت 30 في المئة
وتحافظ أسعار المواد الاستهلاكية بأنواعها على نسقها التصاعدي. وشملت المواد المدعمة والمؤطرة، علاوة على المنتجات ذات الأسعار الحرة، وفق لطفي الرياحي، رئيس "المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك". الذي كشف لـ"اندبندنت عربية" أن نسبة الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية فاقت 30 في المئة خلال المدة الفاصلة بين يوليو (تموز) 2021، وأبريل (نيسان) 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشملت المواد المدعمة من قبل الدولة التونسية مثل المحروقات والنقل والقهوة والسكر بنسب متفاوتة. وتم ذلك في إطار رفع الدعم التدريجي. بينما سجلت زيادات في أسعار الخدمات مثل التأمين. وتم الترفيع في الخدمات البنكية بنسبة 7 في المئة. في حين بلغت الزيادة في سعر خدمة شبكة المياه وتوزيعها 37 في المئة خلال يونيو (حزيران) 2020، و34 في المئة إضافية في يونيو 2021.
واعتبر الرياحي، أن النسب المقدمة من قبل البنك المركزي للتضخم هي نسب عامة ونظرية. لا تعبر عن انعكاس ارتفاع الأسعار على المقدرة الشرائية للتونسيين، ومدى معاناتهم من التضخم وتأثيره المباشر في قوتهم وطريقة عيشهم.
التضخم المستورد
في حين اعتبر الاقتصادي معز الجودي، أن ارتفاع نسبة التضخم في تونس منتظرة. وهي انعكاس مباشر لعدم استقرار العملة، واضطراب وضعية الدينار التونسي وتقهقره. الأمر الذي يؤثر مباشرة في السوق المالية والوضع المالي بصفة عامة. ووصفه بالتضخم المالي المستورد بسبب تعويل الاقتصاد التونسي على التوريد واستيراد سلع بالعملة الصعبة. بحكم أن الاقتصاد التونسي معطل وغير منتج، وصناعته متوقفة، ما يؤدي إلى طرح مواد مرتفعة الأسعار. أو إنتاج سلع، على ندرتها، تكاليفها مرتفعة، بالتالي أسعارها باهظة عند طرحها في السوق. وارتباط الأسعار بالتوريد يؤدي حتماً إلى تصاعد قيمتها المالية، بالنظر إلى ارتفاع سعر العملات مقابل الدينار بخاصة اليورو. كما يجبر التوريد إلى الاحتكام إلى سلم الأسعار في السوق العالمية، وهي مرتبطة بالأزمة الصحية في الوقت الحالي. وتسجل تصاعد أسعار المواد الأولية والسلع وحتى الخدمات.
التأثير المقصي
يعاني الاقتصاد التونسي انخفاض نسق الإنتاج مع المحافظة على وتيرة الاستهلاك. ما أدى إلى وضعية التأثير المقصي، الذي يؤدي إلى التضييق في آفاق السوق المالية والبنوك المحلية.
كما يتحمل الترفيع من نسبة الفائدة جزءاً كبيراً من المسؤولية في التأثير في الوضع المالي. فبحكم ارتباط نسبة الفائدة بالاقتراض، يؤدي ترفيعها إلى التخفيض من القروض. ما ينعكس بالسلب على نمو والاستثمار والتمويل. علماً بأن نسبة الفائدة تبلغ 6.32 في المئة حالياً. بينما لا تتجاوز 3.4 في المئة في البلدان المجاورة. ويعمد البنك المركزي إلى الترفيع في نسبة الفائدة المديرية سعياً إلى توفير توازنات تعمل على الضغط على التضخم. في حين أن المفعول يبدو عكسياً تماماً. فهو يزيد من نفقات المؤسسات الاقتصادية، بالتالي تكاليف الإنتاج. ويؤدي رأساً إلى الترفيع في الأسعار لاسترجاع المصاريف.
تمويل الميزانية
زاد حجم الأموال والسلع المتداولة في السوق الموازية في تونس، في العشرية الأخيرة، واستشرت هذه الظاهرة. وتعد من أهم عوامل استفحال التضخم، فضلاً عن المسالك الملتوية للسلع غير الخاضعة للتراتيب والأداء. ويعود ذلك إلى ضعف الرقابة لمسالك توزيع المنتوجات والمواد المستوردة.
كما رأى الجودي، أن ارتفاع الكتلة النقدية للأجور زاد من تعميق العجز المالي بدوره، وكذلك التضخم. فقد اضطر البنك المركزي في السنة المنقضية إلى ضخ 3 مليارات دينار (1.07 مليار دولار) في ميزانية الدولة. وهو مبلغ تمت إضافته لتمويل الميزانية التكميلية. وإعادة التمويل هي عملية تؤدي حتماً إلى تعذر استرجاع الأموال من قبل الخزينة، بحكم عدم توفيرها من الآليات الطبيعية مثل الجباية، بل بطباعة العملة. وتؤدي جميع هذه الخيارات إلى إضعاف القدرة التنافسية للاقتصاد.