لم تنفع دعوة الرئيس التونسي، قيس سعيد، للمؤسسة الرسمية المسؤولة عن طباعة الكتاب المدرسي وأصحاب المكتبات للمساهمة في تخفيض أسعار مستلزمات العودة إلى المدارس، بل ارتفعت أسعارها بنسب متفاوتة وصلت في بعضها إلى ما يزيد على عشرين في المئة.
وفي بلد تبلغ فيه معدلات الحد الأدنى للأجور نحو 429 ديناراً تونسياً، ما يعادل 160 دولاراً أميركياً تقريباً، ويتراوح متوسط الدخل الفردي للموظفين بحدود 1500 دينار تونسي ما يعادل نحو 550 دولاراً، شكّل ارتفاع أسعار القرطاسية والكتب المدرسية هاجساً أقلق العديد، خاصة العائلات محدودة ومتوسطة الدخل، والتي يتكلف عليها شراء الكتب والدفاتر والمحفظة المدرسية التي وصلت أسعار بعضها لأكثر من راتب شهري لعامل.
شيماء عباسي، مساعدة اجتماعية وزوجها عامل يومي، قالت عند شراء مستلزمات المدرسة لولديها إن "أكثر من نصف دخل الأسرة يذهب لهذه المستلزمات"، رغم لجوئها إلى الأسواق الشعبية لأن ثمنها في المكتبات والمساحات التجارية الكبرى يفوق قدرتها ويصعب عليها شراء الأنواع الجيدة من الأقلام والدفاتر. وحتى الكتب التي تطبع في مؤسسة حكومية ارتفعت أسعارها أيضاً.
سعر الكتب يرهق ميزانية العائلة
مع ارتفاع بقية أسعار المستلزمات زادت أسعار الكتاب المدرسي بنسبة تقدر بنحو 10 في المئة مقارنة بالسنة الدراسية الماضية. وقال المدير العام للمركز الوطني البيداغوجي المكلف الإشراف على طباعة الكتاب المدرسي، سهيل عنان، إن هذه الزيادة فرضها ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع رغم أن سعر الكتاب المدرسي بقي ثابتاً منذ 2008.
في المقابل، ندد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، بارتفاع أسعار الكتاب المدرسي، موضحاً أن تكلفة العودة المدرسية أصبحت غالية جداً على المواطن التونسي.
فرحة العائلات بالعودة
وما زالت العائلات في تونس تعيش فرحة العودة لمقاعد الدراسة في منتصف شهر سبتمبر (أيلول)، وتعتبرها بحسب الكثيرين، بوابة الأمل لأطفالهم واستمرار الحلم بتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لهم، وما يسميه التونسيون المصعد الاجتماعي الذي قاد الكثير من أبناء العائلات الفقيرة عبر تفوقهم في الدراسة ليكونوا في صدارة المجتمع وفي أعلى المراكز. وبحسب علي حميدة، مدير متقاعد، فإن المدرسة التي تأسست بعد الاستقلال، وكانت مجانية وإلزامية، وانتشرت في كل القرى، ساهمت في صناعة منظومة المصعد الاجتماعي، التي تحولت لحلم كثير من عائلات فقيرة في مناطق مختلفة من تونس بأن يكون نجاح أولادهم طوق النجاة من الفقر والاحتياج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخاطر صحية
كميات كبيرة جداً من مستلزمات المدرسة تكدّست في الأسواق الشعبية بأسعار رخيصة، وأغلبها مجهولة المصدر، وتصل عبر مسالك التهريب، ورغم تحذيرات وزارة الصحة التونسية من خطر هذه المواد على صحة الاطفال، فإن الإقبال عليها كان كبيراً جداً مقارنة مع نفس المواد المعروضة في المكتبات، والتي يختار كثيرون الشراء منها، رغم فارق السعر. وبحسب مها الغوالي، فإن خوفها على صحة أولادها يدفعها للشراء من المكتبات لأن المواد التي يستعملها الأطفال في أغلبها مصنوعة من البلاستيك، و"لا نعرف هل هذه المواد خطرة أو مسرطنة لأنها لم تمر عبر الرقابة الصحية التي تمارسها مؤسسات الدولة على المواد المصنعة أو المستوردة بطرق قانونية".
من جهته، أوضح عبدالعزيز بن زينة، صاحب واحدة من أقدم المكتبات في تونس العاصمة، أن فارق الأسعار والنوعية بين الموجود في المكتبات والأسواق الشعبية واضح للجميع، خاصة أن الرقابة على البضائع مشددة، ولا مجال للتهاون في صحة الأطفال في علاقتهم بالأدوات المدرسية.
غياب الحلول
تقول وفاء الهمامي في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن "الأولياء لا حل أمامهم سوى الرضوخ لطلبات العودة إلى المدارس وما يريده المعلمون من مواد، إضافة للكتب"، معتبرة أن الأطفال اليوم يعانون حمل محفظة كبيرة وثقيلة ممتلئة بالكتب والدفاتر، والتي لم تعرفها الأجيال السابقة". وأضافت، "كلنا درسنا في نفس المدارس، وتعلمنا فيها، ولم نشترِ أبداً كل هذه المواد والكتب، والمدرسة كانت مساحة تعلم وفرح، واليوم تجد الأطفال تحت ضغط غير منطقي يجعل علاقاتهم بالمدرسة متوترة في المجمل".
في انتظار الحلم
عبدالستار بن جماعة، موظف بسيط، في إحدى البلديات، كان يتجول بفرح وسط الأسواق الشعبية، ومعه ابنته سارة التي ستدخل المدرسة في سنتها الأولى، الفرح كان ظاهراً في عينيه وهو يشتري بسخاء ما سجل في ورقة مطبوعة من كتب وأدوات، وقال بنبرة فيها الكثير من الفخر، "أحب ابنتي أكثر مني"، مضيفاً، "حرمت عائلتي الصغيرة هذا الصيف من الكثير من الأشياء حتى أضمن لسارة أن تدخل المدرسة مثل صديقاتها لا ينقصها أي شيء. أريد أن أرى حلمي في نجاحها بعد أن حرمتني ظروف الحياة ووفاة والدي من استكمال تعليمي".