أقل من أسبوع، ويشهد العراق إجراء الدورة الانتخابية الخامسة بعد 2003 التي سينتج عنها تشكيل حكومة جديدة وتسمية الرئاسات الثلاث، وأكملت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي الاستعدادات الكاملة للانتخابات التي من المقرر إقامتها في 10 أكتوبر (تشرين الاول) الحالي، ويعد ملف الانتخابات البند الأبرز في برنامج حكومة الكاظمي التي تشكلت بعد أحداث ساخنة شهدها العراق نهاية 2019 وبداية 2020.
وخاضت الحكومة العراقية ظروفاً صعبة منذ تشكيلها، وواجهت ملفات عدة، لا سيما التعامل مع مطالب المتظاهرين، وتفشي وباء كورونا، والأزمة المالية، والظروف الاقتصادية التي تسبب بها الوباء مع انخفاض أسعار النفط، والتمهيد لانتخابات مبكرة، إضافة إلى الخروقات الأمنية التي شهدها العراق جراء نشاط تنظيم "داعش" الإرهابي.
وكانت حكومة الكاظمي قد نالت ثقة مجلس النواب العراقي بداية مايو (أيار) من العام الماضي، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على استقالة حكومة عادل عبد المهدي على إثر التظاهرات الشعبية الكبيرة التي شهدها البلاد في أكتوبر من عام 2019، وراح ضحيتها مئات المتظاهرين وآلاف الجرحى معظمهم من الشباب.
وأقر مجلس النواب العراقي مطلع مايو، من العام الماضي، بأغلبية، البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي.
البرنامج الحكومي
مثل البرنامج الحكومي الإطار العام لعمل الحكومة خلال الفترة الماضية وحدد الأولويات ومن أبرزها، إجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة، وتسخير إمكانات الدولة للتصدي لجائحة كورونا، ووضع أسس نظام صحي حديث، وحصر السلاح بيد المؤسسات الحكومية والعسكرية، وأيضاً إعداد مشروع قانون موازنة استثنائية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، وإطلاق حوار وطني مع الشعب، والإصغاء إلى مطالب حركة الاحتجاج، وتطبيق العدالة بحق المتورطين بسفك الدم العراقي، والاهتمام بعوائل الشهداء.
كذلك اهتم البرنامج بـ "حماية سيادة العراق وأمنه ومواصلة مكافحة الإرهاب"، وإنتاج رؤية وطنية بشأن مستقبل القوات الأجنبية في البلاد، ومكافحة الفساد وحماية ثروات العراق، وترسيخ قيم المواطنة مع احترام التنوع العرقي والديني والقومي وتمثيله في مفاصل الدولة، وتوفير المتطلبات اللازمة لمساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم، وإغلاق ملف النزوح الداخلي بالكامل، وتطوير المؤسسات الأمنية والعسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشمل البرنامج أيضاً إصلاح وتطوير المنظومة الأمنية والعسكرية، ومعالجة التحديات الاقتصادية والمالية، وعلاقات العراق الخارجية، وأشار البرنامج إلى أن الحكومة ستعتمد على ثلاث ركائز في سياساتها الخارجية وهي، "السيادة"، و"التوازن"، و"التعاون"، كما شمل البرنامج الإصلاح الإداري، واستقلالية القضاء، وتحقيق العدالة، ودور الشباب، وحماية حق التظاهر.
إبعاد شبح الحرب
وفي يونيو (حزيران) الماضي، دافع الكاظمي عن الحكومة خلال الفترة الماضية، وأكد أنها نجحت في إبعاد شبح الحرب، وإنقاذ البلد مالياً واقتصادياً، وقال خلال جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية، "الحكومة تمكنت، على الرغم من التركة الثقيلة والتحديات الكبيرة، من إنجاز خطوات مهمة على طريق الإصلاح، وإنقاذ البلد مالياً واقتصادياً، وتحاول جاهدة وبخطط واستراتيجيات تم إعدادها، وضع البلد على الطريق الصحيح"، ورأى الكاظمي أنه "بعد أن طوينا العام الأول من عمر الحكومة التي منحها مجلس النواب الثقة، نؤكد أن العراق قادر على أن يلعب دوره الحضاري في هذا العالم، فهو عراق الحضارة والكتابة والقانون والعلم"، وأكد أن "الحكومة مضت بسياسات داخلية متزنة، وعلاقات فاعلة ومتوازنة مع جميع الجيران والقوى الإقليمية والدولية المختلفة".
نسبة الإنجاز
وكانت لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي النيابية، انتقدت في مايو الكاظمي لافتة إلى أنه "فشل" في تنفيذ المنهاج الحكومي بعد مرور عام على رئاسته للحكومة العراقية، وقال عضو اللجنة محمد البلداوي في تصريح صحافي، "رئيس الوزراء أقر بفشلة، خلال تصريحاته السابقة، وعدم تمكنه في إدارة ملفات الدولة وتوفير الاحتياجات الضرورية والأساسية للمواطن العراقي بعد مرور عام على رئاسته للحكومة"، وذكر البلداوي أن "لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي النيابية قدمت في وقت سابق تقريرها الأولي، والحكومة لم تلتزم المنهاج الوزاري ونسبة الإنجاز لعملها لم تتجاوز 17.50 في المئة، إضافة إلى عجزها عن تقديم الخدمات للمواطن"، ورأى البلداوي أن "الوزراء في حكومة الكاظمي غير قادرين على إدارة ملفاتهم ولم يحققوا أي نسبة إنجاز في عملهم والمهام الموكلة إليهم".
الحكومة أنتجتها مرحلة انهيار معادلة حكم 2018
لكن رئيس ائتلاف "النصر"، ورئيس حكومة العراق الأسبق حيدر العبادي، أكد أن "هذه الحكومة أنتجتها مرحلة انهيار معادلة حكم 2018، التي قادت البلاد إلى أزمات كارثية، لا سيما مع انتفاضة شباب "تشرين" التي أدت لانهيار حكومة عبد المهدي ومجيء حكومة الكاظمي"، وأضاف العبادي في تصريح صحافي، "أتت كحكومة مهام انتقالية وفي طليعتها إجراء انتخابات مبكرة"، مشيراً إلى أن "تقييمي العام لحكومة الكاظمي متوسط، فهناك نجاحات في ميادين الإجراءات المتصلة بالانتخابات والانفتاح الإقليمي، وهناك إخفاقات في ميادين أخرى متصلة بالتعاطي مع الإنفاق المالي، والمحاصصة الحزبية، والتخادم السياسي على حساب المصالح الكلية للدولة".
انتشال البلاد من الانهيار
لكن الباحث السياسي علي البيدر أكد أن "الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي لم تحقق ما هو خارق، لكنها تمكنت من انتشال البلاد من الانهيار عبر القيام بعديد من الخطوات الإصلاحية في مجالات مختلفة، خصوصاً في الأمن والاقتصاد"، وأكد البيدر أن "المنهاج الحكومي للكاظمي كان قرابة 40 فقرة، لكنه لم يستطع تنفيذ إلا عدد من فقراته التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك، تمكن من معالجة كثير من الأزمات وإعداد برامج استراتيجية، لا سيما تلك المتعلقة باستعادة مكانة العراق الدولية والإقليمية، وأصبح العراق منصة لتقارب الدول بعد أن كان محطة لتفريقها".
وتابع البيدر أن "الأداء الحكومي لم يصل إلى مستوى القبول لدى المواطنين بسبب التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات السابقة، والوضع الصعب الذي يعيشه العراق والعالم بعد أزمة كورونا، لكن في المجمل، تعد حكومة الكاظمي أكثر اهتماماً وقرباً من المواطنين، وهذا ما يحسب لها"، وبحسب البيدر، "هذا الأمر وحده غير كاف ما لم تكن هناك خطط وبرامج تنفذ على الأرض يستفيد منها الجميع".
الحكومات تقول ولا تفعل
بدوره، قال الكاتب الصحافي مجاشع محمد علي إن "حكومة الكاظمي وعدت في برنامجها الحكومي بالكثير، لكن على أرض الواقع لم يتحقق شيء، وهو متوقع بالنظر إلى طبيعة هذه الحكومة وظروف تشكيلها"، وأضاف، "على الرغم من أن الكاظمي وعد بتلبية عديد من مطالب متظاهري "تشرين"، إلا أنه لم يحقق كثيراً من النتائج، وهو أمر طبيعي، فمن غير الواقعي توقع تلبية أي حكومة هذه المطالب، في غضون عام أو عامين فقط، مع عدم وجود غطاء سياسي لتلك الحكومة".
وأوضح أن "تراخي الحكومة الحالية شجع الكتل السياسية والأحزاب والجهات المسلحة إلى التمادي في ضرب أسس الدولة، ما تسبب بحالة فوضى وانهيار شبه تام لمؤسساتها، الأمر الذي جعل غالبية التحالفات الانتخابية تغازل الشارع العراقي بشعارات إعادة هيبة الدولة، وهنا أكرر ما قلته، من غير المنطقي مطالبة حكومة الكاظمي بالكثير، لأنها ولدت في ظروف وأجواء لا يمكن أن تقدم أكثر مما قدمت، والشعب العراقي أصبح متيقناً أن الحكومات تقول ولا تفعل".
وعلى المستوى الاقتصادي، أشار علي إلى أن "حكومة الكاظمي لم تحقق شيئاً، ومعدلات البطالة والفقر ارتفعت بسبب عدم وجود خطط واقعية، وارتفاع أسعار صرف الدولار".