انضمت حكومة نفتالي بينيت إلى الحكومات الإسرائيلية السابقة، التي سعت ووضعت مخططات لتوسيع الاستيطان في غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية لإسرائيل، التي تشكل هدفاً أولياً ومركزياً للضم.
وفي خطته، التي أعدها للمصادقة عليها بعد إقرار الميزانية في الكنيست، الشهر المقبل، اتفق رئيس الحكومة مع وزارة البناء على بلورة مشروع قرار يقضي بمضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين على طول غور الأردن.
وفي حديث مع "اندبندنت عربية"، قال زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إن "ما تعده وزارة البناء يندرج ضمن المخطط الشامل لإسرائيل لضم غور الأردن، إذ سبق أن أعلن رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عن ضم هذه المنطقة إلى السيادة الإسرائيلية، لكنه عاد وقام بتجميد القرار في أعقاب الضغوط عشية اتفاقات إبراهام".
عملياً، يضيف الحموري، "أي مخطط استيطاني لمنطقة الأغوار هو مرحلة جديدة من مراحل ضمها إلى السيادة الإسرائيلية، علما بأنه على أرض الواقع تتصرف تل أبيب وكأنها تحت سيادتها تماماً".
مناطق عسكرية وخيام مهددة بالهدم
تنفذ خطة حكومة بينيت لمضاعفة الاستيطان في الأغوار بالتعاون مع وزيري المالية والداخلية، أفيغدور ليبرمان، وآييلت شكيد، فيما يعد وزير البناء زئيف ألكين المبادر والمنفذ لها.
يسكن في غور الأردن نحو 1500 عائلة، والهدف هو مضاعفة أعدادها في غضون أربع سنوات. وفي حين تخوض إسرائيل صراعاً ونقاشاً حول الميزانية التي يفترض أن يتم التصويت عليها في غضون أسبوعين، وافقت حكومة بينيت على مطلب وزارة البناء بالمصادقة على مبلغ 90 مليون شيكل (28 مليون دولار) توزع على مدار أربع سنوات، وهي المدة الزمنية لتنفيذ الخطة. هذه الميزانية مخصصة لتعزيز البنى التحتية المادية والاجتماعية في المستوطنات.
وإلى جانب هذه الميزانية، سيُقتطع مبلغ آخر من "صندوق الدولة" لتنمية الأرض، لمن يشترون قطعاً للبناء في المستوطنات في غور الأردن.
وتسعى هذه الخطة إلى توسيع المستوطنات القائمة، لكنها تسبب مصاعب سياسية، خارجية أو داخلية، لوجود إجماع وطني واسع بين مختلف الأطياف الإسرائيلية على أهمية الأغوار.
وعلى الرغم من أن الخطة ستنفذ من خلال مشروع قرار، فإنها لا تحتاج إلى مصادقة مستويات عليا، لأن المصادقة الفعلية تمت في الحكومة السابقة برئاسة نتنياهو.
الغالبية الساحقة من الأراضي في الأغوار خالية من أي مشروع. والفلسطينيون أصحاب الأرض الذين يعيشون فيها قلائل جداً، ومعظمهم يعيش داخل خيام متنقلة. وحتى هذه لم تسلم من آلة الهدم الإسرائيلية، التي تقوم بين الفينة والأخرى بهدم البيوت وتشريد السكان.
الأخطر في الموضوع، والذي يجعل هذه المنطقة تحت سيطرة وسيادة إسرائيلية، هو الإعلان عن مساحات شاسعة "منطقة عسكرية مغلقة"، أي يمنع الفلسطينيين من الدخول إليها، ومن يصر منهم على الدخول إلى أرضه يعتقل أو يتعرض للملاحقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والكثير من الأراضي تم تدميرها، نظراً لاستخدام الآليات العسكرية الضخمة لإجراء تدريبات للجيش الإسرائيلي.
الكشف عن نية بينيت تنفيذ خطة مضاعفة الاستيطان في الأغوار، جاء بموازاة طلب المستوطنين من رئيس الحكومة عدم الرضوخ للضغوط الأميركية لتجميد المشاريع الاستيطانية، بما في ذلك في غور الأردن.
وفي رأي الحموري، فإن ما أعلنه بينيت عن ضغوط أميركية كبيرة، هو مجرد محاولة لإظهار نفسه كمن يقود مشروع الاستيطان، لأنه من ناحية واشنطن هو كذر الرماد في العيون. ويوضح، "لا يمكن للولايات المتحدة أن تصر على تنفيذ مثل هذا المطلب حتى النهاية، وهي بنفسها استخدمت حق الفيتو، في فترات سابقة، من أجل ضمان مشاريع استيطانية".
ويضيف، "تشكل مناطق C، التي في مركزها الأغوار، 60 في المئة من الأراضي الفلسطينية، وهذا من ناحية فعلية تنفيذ لمشروع الضم".
استراتيجية حيوية لأمن إسرائيل
حكومة بينيت هي استمرار لحكومات إسرائيل السابقة، التي اعتبرت الأغوار ذات أهمية استراتيجية أمنية وسياسية، باعتبار أن نهر الأردن هو الحد الشرقي المحتمل لإسرائيل. والخطة امتداد وتنفيذ لـ"خطة آلون" منذ عام 1967، عندما وضع الوزير يغئال آلون في حكومة ليفي أشكول خطة سياسية للاستيطان اليهودي تتضمن، بالأساس، الأغوار.
وجاء في الخطة أنه "من أجل الحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل، وبشكل استراتيجي، يتم ضم قطاع بعرض 10 إلى 15 كيلومتراً على طول غور الأردن، من سهل بيسان شمالاً، وحتى شمال البحر الميت، مع السعي إلى تخفيض عدد السكان العرب في هذا القطاع (تم تهجير ما لا يقل عن 12 ألف نسمة من الفلسطينيين في هذه المنطقة)، إضافة إلى إقامة مستوطنات في المناطق التي ستضمها إسرائيل. كما تبنى قواعد عسكرية للاحتياجات الأمنية".
ليس صدفة أن غور الأردن واحد من أهداف الاستيطان المركزية، فهو إقليم له أهمية استراتيجية وحيوية لأمن إسرائيل ومستقبلها. فـ"هو جزء لا يتجزأ من حلم المشروع الصهيوني"، كما قال الوزير ألكين، الذي طمأن المستوطنين بأنه "بعد خطة مضاعفة الاستيطان في الجولان، يأتي الآن دور الغور. سنساعد الاستيطان هناك مثلما لم يفعلوا على مدى سنين طويلة، وسنعمل على مضاعفة السكان إلى جانب تعزيز البنى التحتية الضرورية".
يشار إلى أن منطقة الأغوار الجنوبية تحتوي على 91 بئراً من المياه، والأغوار الوسطى على 68 بئراً. أما الأغوار الشمالية، فتحتوي على 10 آبار، 60 في المئة منها آبار حفرت قبل 1967، ولم يجرِ تجديدها نظراً للعراقيل الإسرائيلية، حيث تعمل 111 بئراً منها فقط.
وبحسب آخر دراسة أجريت حول المنطقة، تسيطر إسرائيل على 85 في من مياه الأغوار الشمالية، فيما يتحكم الفلسطينيون بـ15 في المئة المتبقية. ولا تسمح تل أبيب بمنح تراخيص لحفر آبار من قبل الفلسطينيين مهما كان عمقها، بينما تقوم شركة المياه الإسرائيلية "مكوروت" بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق 100 متر، بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام. وأدت هذه السياسة إلى تجفيف عشرات الآبار والينابيع المنتشرة في المنطقة وتدمير جزء من الحياة البرية.