حذرت مصادر طبية سودانية من تفاقم الأوضاع الصحية في مناطق عدة بولاية شمال دارفور، بخاصة مناطق أبوزريقة ومعسكر زمزم للنازحين وكركر شرق الفاشر، بما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تتسع بصورة مخيفة باتجاه كل أنحاء الولاية، ما لم تتدخل السلطات الرسمية والمنظمات باتخاذ تدابير وقائية جادة لاحتواء تفشي فيروس التهاب الكبد الوبائي وفيروسات أخرى مسببة للحمّى، بصورة كارثية في قرى عدة بمحلية دار السلام بالولاية، أدت إلى وفاة 20 امرأة حامل خلال شهر واحد.
تحذيرات ومخاوف
وتشهد منطقة أبوزريقة والأرياف التي تجاورها على وجه الخصوص، تفشياً حاداً لفيروس التهاب الكبد الوبائي وحمّيات بدأت بالظهور منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحسب إعلان وزارة الصحة في الولاية، لكنها سرعان ما تفاقمت وازداد انتشارها بشكل وبائي يهدد كل سكان المنطقة. وسبق أن كشفت الوزارة عن وجود أنواع خطيرة من حمّيات التهاب الكبد الوبائي والملاريا وحمى الضنك والتيفوئيد إلى جانب الانتشار الكبير لفيروس كورونا.
وحذر مدير عام وزارة الصحة بالولاية، الدكتور مجتبى التيجاني يوسف، من خطورة الوضع، بخاصة بعد الزيادة الكبيرة في عدد وفيات النساء الحوامل، مناشداً الحكومتين الولائية والاتحادية والمنظمات الأممية والدولية والوطنية، التدخل للمساعدة في التصدي لهذه الكارثة الإنسانية لتفادي تفاقمها وتقديم الدعم اللوجستي العاجل المطلوب.
واستجابةً لظهور تلك الحمّيات، أرسلت وزارة الصحة في الولاية، قافلةً صحية بالتنسيق مع المنظمات الأممية، إلى وحدة أبوزريقة الإدارية بمحلية دار السلام والقرى المجاورة، شملت عيادات متحركة مجانية وتوعية صحية ومساعدات طبية. ووقفت القافلة ميدانياً على الوضع الصحي في معظم قرى المنطقة المتأثرة بالوباء. وأعلن التيجاني يوسف أن شمال دارفور تُعدّ أكثر الولايات تأثراً بجائحة كورونا هذه الأيام، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ الوضع الصحي وكبح التزايد المستمر في معدلات الإصابة، في ظل التردي الصحي وشح الأدوية والمعينات ونقص الكوادر في مستشفيات الولاية.
المأساة المحزنة
من جانبه، أعرب المدير التنفيذي لمحلية دار السلام المنكوبة صلاح الدين البنجاوي، عن حزنه لما آلت إليه الأوضاع الصحية في المنطقة، واصفاً وفاة 20 امرأة حامل وأجنّتهن، بـ"المأساة التي تعني موت أربعين نفساً بشرية على الأقل"، مشدداً على "ضرورة إيجاد حل جذري لمشكلة مصادر مياه الشرب التي تُعدّ من أكبر التحديات ولا بد من دعم برامج الصحة كأولوية قصوى".
وكشف أن "مرض التهاب الكبد الوبائي تسلل بطريقة لا نعلمها إلى المنطقة من معسكر نيفاشا للنازحين في منطقة شنقل طوبايا منذ مطلع الشهر الماضي، وتم تأكيد الإصابات بعد سفر وفد من وزارة الصحة واستجلاب عينات ثبتت إيجابيتها بعد فحصها معملياً في الخرطوم، وتم الإعلان العاجل عن ظهور المرض في المنطقة". وتابع، "في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، انتقل المرض إلى منطقة أبوزريقة ومجموعة القرى التي حولها، التي تبعد حوالى 20 كيلومتراً عن معسكر شنقل طوبايا، نتيجة حركة المواطنين بين الأسواق في تلك المناطق"، مشيراً إلى أن "البوادر الأولى لظهور المرض بدأت ببلاغات من بعض المراكز الصحية في القرى المجاورة حول وفيات متزايدة للأمهات الحوامل، تم التقصي عنها وإبلاغ وزارة الصحة بها فوراً، بينما ظلت الحالات في ارتفاع مستمر، حتى 30 نوفمبر الماضي".
جهود للسيطرة
وأعلن البنجاوي أن "التحدي الآني هو العمل بجهد للسيطرة على تفشي المرض الذي لا ينتظر في ظل الوضع الحالي للمراكز الصحية والمستشفيات"، مشيراً إلى "المتابعة والزيارات الميدانية التي قامت بها وزارة الصحة الولائية، واستنفارها لكل قدراتها المادية والبشرية لمجابهة الوباء ومنع توسع انتشاره في كل الولاية ومنع وصوله إلى معسكرات النازحين الكبيرة، لكن الواقع يقول إن الوضع يفوق إمكاناتها الذاتية، ما يستدعي تدخل الحكومة المركزية بالدعم والإسناد".
وكشف عن "نقص كبير في عدد المراكز الصحية العلاجية والكوادر الطبية"، مضيفاً أنه "يجري الآن تجهيز المركز الصحي في تلك المنطقة الفقيرة ومعظم سكانها من الشرائح المجتمعية الضعيفة المنكوبة لتعزيز قدراته ومعيناته، إذ يتم الآن تحويل عدد من الحالات إلى معسكر زمزم لتلقّي خدمات علاجية أفضل هناك، كما أن بعض الحلات وصلت إلى مستشفى الفاشر للعلاج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدّث عن جهود تبذلها المحلية مع منظمة "يونيسف" التي أجرت اليوم الأربعاء 1 ديسمبر (كانون الأول)، زيارة ميدانية تفقدية للأوضاع والنظر في توفير حلول جذرية عبر حفر آبار ارتوازية وإنشاء خطوط إمداد لمياه الشرب تمتد بطول 20 كيلومتراً تقريباً، مجدداً النداء للحكومة السودانية المركزية والمنظمات للمساهمة في حل معضلة شح الإمكانات اللازمة لقيام مشاريع توفير مياه الشرب الصحية النقية الآمنة للسكان، لا سيما أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الحلول هو توفير الموارد والأموال.
العدوى والتدخلات
وعزا البنجاوي، "المضاعفات الصحية في هذه المنطقة بالذات وما نتج منها من وضع صحي مقلق ومحزن، إلى تردّي مصادر المياه النقية ونقصها، ما يشكّل أحد أكبر التحديات بالنسبة إلى المنطقة، إذ يشرب سكانها من رهد (خور) تتجمع فيه مياه الأمطار، وهو مصدر مكشوف يتعاطى معه الإنسان والحيوان في آن واحد، ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية وتركُّز المرض في هذه المناطق نسبة إلى ارتباطه بصحة البيئة وتلوّث مواعين المأكل والمشرب. ونوّه إلى "عدم تأثر المناطق التي تتمتع بمياه شرب نقية وخالية من المرض حتى الآن".
وفي داخل معسكر شنقل طوبايا للنازحين الذي يضم 200000 شخص والذي يُعتبر مصدر المرض، تتركز الإصابات في المربع رقم 9 منه، ويضم 45 ألف نسمة ويبعد حوالى 40 كيلومتراً عن معسكر زمزم الواقع على الحدود بين ولايتَي شمال وجنوب دارفور، ويتلقّى فيه المصابون العلاج. وسُجلت 9 وفيات بين الحالات التي نُقلت إلى معسكر زمزم لتلقّي العلاج.
من جانبه، دعا الدكتور بابكر المقبول، المدير العام الأسبق لإدارة الوبائيات في وزارة الصحة الاتحادية، إلى "خطوة عاجلة بتدخل بيئي وقائي مقرون بحملات للتوعية والتثقيف الصحي، لالتزام شروط صحة الغذاء والمياه من التلوث ومكافحة النواقل، بخاصة حشرة الذباب بأطوارها المختلفة بوصفها الناقل الأول والرئيس لهذا المرض". وكشف المقبول أن "تردي صحة البيئة يسهم مباشرة في ازدياد سرعة انتشار التهاب الكبد الوبائي"، مبيّناً أن "المرض على الرغم من خطورته على كل الفئات العمرية، لكنه الأخطر على فئة الحوامل من النساء، إذ غالباً ما يؤدي إلى وفاة الأم والجنين معاً".
وأوضح أن "وزارة الصحة في الحكومة المركزية بدأت تحركاتها في إطار الاستجابة لمتطلبات الولاية بالتدخل"، مشيراً إلى أن "العلاج الداعم غالباً ما يؤدي إلى شفاء كثير من حالات المصابين اليافعين، لكنهم يشكلون أيضاً مصادر لنقل العدوى قبل علاجهم". ولفت إلى أنه "على الرغم من عدم انتشار المرض بسرعة فائقة، لكن توافر الظروف المؤاتية لتفشّيه، يسهم في زيادة المعدلات بظل غياب التثقيف والوعي الصحي".
مخاوف المعسكرات
وتتركز حالياً المخاوف من انتشار المرض داخل معسكرات النازحين الأخرى بعد معسكر شنقل طوبايا الذي تُنسب إليه بداية التفشي. وتضم ولاية شمال دارفور 6 معسكرات كبيرة للنازحين هي: شنقل طوبايا وزمزم وابوشوك وكساب وفتابرنو ومعسكر السلام، إلى جانب تجمعات مختلفة للنازحين في مواقع عدة أخرى بالولاية، تضم جميعها حوالى 395716 نازحاً.