على الرغم من إعلان الحكومة العراقية في مايو (أيار) الماضي عن تشكيل مراكز تنسيق مشترك مع حكومة إقليم كردستان لإدارة الملف الأمني إلا أنها لم تنجح في تحويل هذا الاتفاق إلى شيئ ملموس يمكن تحويله إلى إجراءات عسكرية وأمنية على أرض الواقع يهدف إلى التنسيق بشكل جدي بين الطرفين لمواجهة تنظيم "داعش".
ومع تصاعد هجمات "داعش" خلال الأيام الماضية على القوات العراقية وقوات البيشمركة في المناطق الفاصلة بين الطرفين على حدود التماس بين كركوك وأربيل وديالى والسليمانية وصلاح الدين ونينوى وأربيل، استأنفت بغداد وأربيل المشروع الذي كان قد طرحته لحل هذه الأزمة يتمثل بتشكيل قوات مشتركة بين الطرفين لسد الفراغ الحاصل في عديد من المناطق ذات الاهتمام المشترك منذ عام 2017.
8000 مقاتل
وبدأت الخطوات نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن بهدوء عبر قرار اتخذه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بفك ارتباط اللواء 20 في قوات البيشمركة، لكي يشكل مع اللواء 66 من الجيش العراقي القوات المشتركة التي سيصل عددها إلى نحو 8000 مقاتل تكون مهمتها تأمين المناطق الفاصلة بين الطرفين والواقعة على حدود محافظات كركوك والموصل مع أربيل وديالى مع السليمانية.
وعقب الهجمات الأخيرة لتنظيم "داعش" على البيشمركة ضمن القواطع الأمنية داخل محافظات نينوى وكركوك وديالى، تم عقد اجتماع بين قيادة العمليات المشتركة العراقية وقيادة قوات البيشمركة لوضع اللمسات الأخيرة لتشكيل القوات المشتركة.
وقال الفريق أول الركن عبد الأمير الشمري، نائب قائد العمليات المشتركة في تصريحات صحافية، إن "الاجتماع جاء بعد سلسلة من الاجتماعات الدورية، وسبقه فتح مراكز تنسيق مشتركة في ديالى وكركوك ومخمور وغرب نينوى، إضافة إلى مركزين رئيسين في بغداد وأربيل وهذه المراكز بدأت بالعمل الفعلي".
وأضاف "الاجتماع اتفق على تخويل الصلاحيات للتشكيلات من الطرفين للتعاون والتنسيق وتنفيذ عمليات كبيرة ونوعية عبر جهاز مكافحة الإرهاب وقوات خاصة من الجيش العراقي وقوات نخبة من البيشمركة"، لافتاً إلى تشكيل لواءين مشتركين لتعزيز الأمن في المناطق ذات الاهتمام المشترك".
العمليات المشتركة بدأت
من جانبه أكد الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار الياور الذي ترأس الوفد الكردي عن البيشمركة في الاجتماع أن غرفة العمليات المشتركة ستباشر العمل في أربعة محاور خلال أيام مبيناً انه سيتم تنفيذ عمليات مشتركة بين قوات الأمن الاتحادية والبيشمركة للقضاء على "داعش" في المناطق الكردستانية.
ويواصل تنظيم "داعش" هجماته على مناطق تقع في أطراف محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين التي تقع على جبال وتلال حمرين، مستهدفاً القوات الأمنية العراقية والمتعاونين معها من سكان هذه المناطق عبر كمائن بالعبوات الناسفة أو بهجمات خاطفة على القرى ليلاً.
وتمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية في شمال البلاد وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات التنظيم على مناطق واسعة من هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مساحات واسعة
ورأى المتخصص في الشأن الأمني سرمد البياتي أن من المبكر تقييم عمل القوات التي ستشكل خلال أيام، مشيراً إلى أن المساحات واسعة جداً، وتحتاج إلى تقنيات حديثة ومراقبة بالطائرات المسيرة المسلحة إضافة إلى تواجد العنصر البشري.
وأضاف البياتي "أن الطرفين شكلا في السابق 6 مراكز تنسيق مشترك إلا أنها لم تنجح"، مبيناً أن "هذه الأراضي شاسعة لا تستطيع القوات وحدها مسكها، فهي تمتد بين تلال حمرين ومكحول، وهي تصل لمسافة 600 كم عرضاً، فضلاً عن فراغات تصل إلى 40 كم بين سلطتي الحكومة الاتحادية والإقليم.
وأشار البياتي إلى أنه "من غير المعقول أن تشغل جميع هذه الأراضي قوات عسكرية والعالم وصل إلى تقنيات أفضل من خلال المراقبة المستمرة وطائرات استطلاع تستطيع القتال ومهاجمة الأهداف في نفس اللحظة، العنصر البشري مهم جداً إلا أن هذه المناطق بحاجة إلى تكنولوجيا حديثة لمراقبتها".
"داعش" فرضت الأمر الواقع
بدوره أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني علي الفيلي أن عمليات "داعش" الأخيرة فرضت أمراً واقعاً يحتم على الجميع أخذ الموضوع بجدية للحد من نفوذ التنظيم.
وأضاف "أن القرار تم اتخاذه من خلال تشكيل لواءين مشتركين من عناصر البيشمركة والقوات المسلحة العراقية لمسك هذه المناطق التي تعد مناطق فراغ أمني تستغل من قبل عناصر داعش لإلحاق الضرر بالقرى والمواطنين الآمنين في تلك القرى".
الجيش يشكل الأغلبية
وتابع الفيلي "أن هناك عمل منذ فترة طويلة لتشكيل اللواءين، بحيث تشكل قوات البيشمركة ما نسبته 30 في المئة والقوات المسلحة العراقية 70 في المئة، ومنذ أكثر من شهر تم إرسال قائمة الأسماء من قبل قوات البيشمركة في إقليم كردستان إلى قوات الدفاع العراقية، وحالياً يتم الإسراع في تشكل هذين اللواءين".
التعاون ضرورة
وشدد على أن عمليات "داعش" الأخيرة تحتم التعاون الوثيق بين القوات العراقية وقوات البيشمركة من جهة وقوات التحالف الدولي من جهة أخرى، لافتاً إلى أن القوات التي ستُشكل ستكون مجهزة بكافة الأسلحة التي تتطلبها المنطقة، ومن ثم يتم التنسيق بالإسناد الجوي إذا ما تطلب الأمر.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك إجراءات تحد من خطورة هذه العناصر، مبيناً أن قوات البيشمركة ستنتقل من الدفاع إلى الهجوم، وستتسلم زمام المبادرة، وخلال الأيام المقبلة سيكون هناك تغير في جميع الاستراتيجيات للقوات المسلحة العراقية وقوات البيشمركة، وذلك بحسب حديث رئيس إقليم كردستان.
وعلى الرغم من نجاح القوات المسلحة العراقية في خفض معدلات هجمات تنظيم "داعش" خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين من خلال سلسة من العمليات العسكرية المدعومة من طيران التحالف الدولي، إلا أن التنظيم لا يزال قادراً على شن هجمات بين الحين والآخر تستهدف مناطق جولاء وخانقين وأطراف المقدادية في ديالى ومحيط الحويجة في كركوك وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين.
وأسفرت هذه الهجمات خلال العام الحالي عن مقتل وإصابة المئات من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والحشد، وعدد من المدنيين، لكنها بدت محدودة قياساً بما شهده مطلع 2020 ونهاية 2019 من ارتفاع كبير في معدل عمليات تنظيم "داعش".