أخذت الأزمة الإثيوبية شكل الصراع مع تكوين "حزب الازدهار"، الذي تبناه رئيس الوزراء آبي أحمد كبديل لـ "تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية"، الذي ظل يحكم إثيوبيا خلال الأعوام الـ 27 الماضية.
تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء بعد تقديم هيلي ماريام دسالين استقالته في فبراير (شباط) 2018، عقب الاحتجاجات القومية المعارضة في إقليمي أورومو وأمهرة، التي أدت إلى مقتل عديد من الأشخاص.
أولى الخلافات
وبعد ترشيحه لتولي الوزارة لفترة انتقالية، بدأ رئيس الوزراء سياسات جديدة تبنى خلالها حزب "الازدهار" كحاضنة سياسية بديلة لتحالف "الجبهة الثورية الديمقراطية"، ما رفضته "جبهة تحرير تيغراي" التي ظلت الحاكمة عبره خلال الحقبة الماضية، ورفضت الانضمام للتحالف الجديد، وتبنى تنظيم "جبهة تحرير تيغراي" خانة المعارضة. كانت أولى الخلافات على تاريخ موعد الانتخابات حينما أسقطت الحكومة إجراءها في تاريخها المحدد في أغسطس (آب) 2019، بسبب تفشي جائحة كورونا، لتتخذ "جبهة تيغراي" تصعيداً سياسياً ضد آبي أحمد موجهة له الاتهام بانتهاك الدستور، وتمسكه بالسلطة من دون شرعية، لتُجري هي انتخابات أقاليمها التي فازت فيها الجبهة، ولتبدأ مسيرة جديدة للتنافس السياسي مع المركز.
إنفاذ القانون
اعتبرت الحكومة الإثيوبية انتخابات إقليم تيغراي غير شرعية، واتخذت عقوبات عليه بحجب ميزانيته الفيدرالية. شنت الحكومة الحرب على الإقليم بعد استيلاء "جبهة تحرير تيغراي" على القيادة العسكرية الشمالية القريبة من الإقليم، ما اعتبره آبي أحمد انتهاكاً خطيراً للمسلّمات الوطنية، وأمر بحملة إنفاذ القانون على الإقليم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. فشلت جهود الوساطة الإقليمية والدولية في تحقيق سلام بين الطرفين، وبعد هيمنة الحكومة على إقليم تيغراي بتدخل مباشر من الجيش الأريتري، واستيلائها على العاصمة مقلي، اتهمت الولايات المتحدة الأميركية ومنظمات الأمم المتحدة الإنسانية حكومة آبي أحمد إلى جانب الجيش الأريتري، بارتكاب جرائم حرب واغتصاب في نطاق واسع في الإقليم، ووصفت الجرائم بالإبادة الجماعية. ولا تزال منظمات إنسانية ودول غربية تعمل على التحقيق في هذا الملف.
استطاعت حركة "جبهة تحرير تيغراي" في يونيو (حزيران) 2021 استعادة الإقليم، ومدن أخرى في إقليمي عفر وأمهرة، كانتقام من الإقليمين لمشاركتهما الحكومة في الانتهاكات الإنسانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملية تنافس
نجحت الحركة أخيراً في احتلال مدن جديدة في شمال إثيوبيا على الطريق المؤدي إلى أديس أبابا، وأعلنت تقدمها لاحتلال العاصمة أديس أبابا أثناء حربها المشتعلة مع الحكومة قبل أن تعدل من تكتيكها في الفترة الأخيرة، وتنسحب من مدن باتي ولاليبيلا، ودسي، وكومبلشا، وغيرها من مناطق في إقليمي أمهرة وعفر لأسباب تقول إنها وفق خطة عسكرية جديدة. الحكومة الإثيوبية من جهتها، أعلنت سيطرتها على هذه المدن كانتصار عسكري، وأعلنت استعادتها السيطرة على بعض المدن المهمة التي استولت عليها قوات المتمردين.
ويُنظر إلى إقليم تيغراي على أنه مهد الحضارة الإثيوبية، وفي هذا الإقليم الواقع شمال البلاد، نشأت حضارة إكسوم في تيغراي، الإمبراطورية الكبرى في تاريخ البلاد التي أسهمت في تشكيل الهوية الإثيوبية، وورثتها الإمبراطوريات الحبشية المختلفة من بعد.
ويعد الخلاف السياسي الحالي في أصوله الحقيقية عملية تنافس بين أهم مكونين قوميين هما: قومية تيغراي (7 في المئة) وقومية أمهرة (24 في المئة) التي ظلت المهيمنة سياسياً على إثيوبيا خلال عصور حديثة امتدت لفترات طويلة.
أما قومية الأورومو ذات الغالبية السكانية، التي تتولى رئاسة الوزراء للمرة الأولى في تاريخها عبر رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، المنتمي للقومية، فهي تمثل الحليف الأقرب (غير المتكافئ) لقومية الأمهرة خلال التاريخ قديمه وحديثه.
جهود دولية
استمرت دعوات السلام من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة الأميركية، ودول غربية، تُقدم مجتمعة وفرادى مبادرات لأطراف الصراع لأجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة، وتولى الاتحاد الأفريقي جهود الوساطة. وخلال شهر نوفمبر الماضي، بذل مندوب الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو جهوداً متواصلة، والتقى بطرفي الصراع. وشهدت أديس أبابا عديداً من المباحثات بين المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، والقيادة الإثيوبية، إلا أنها لم ترق إلى نتائج إيجابية لتحقيق سلام. وطيلة مسيرة التطورات التي تشهدها الحرب، بذل المجتمع الدولي عبر الهيئات والمنظمات الدولية كافة وبعض الدول محاولات عدة من خلال توجيه نداءات وتحذيرات، إضافة إلى جهود كبيرة الهدف منها إحلال السلام في إثيوبيا. والحرب الآن تتقدم في عامها الثاني من دون أي بوادر لحل يتراءى على الأفق.