تمثل البيروقراطية إحدى المعضلات التي يعاني منها قطاع الاستثمار في تونس، وتقف عائقاً بخاصة أمام المستثمرين الشبان، وبعث المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتتسبب الإجراءات الإدارية المعقدة في تأخير تأسيس المشاريع لمدة تمتد إلى أشهر، بخاصة إن ارتبطت بتراخيص. وفي إطار تسهيل إجراءات الاستثمار، تستعد تونس لإطلاق آليتين جديدتين، تدخلان حيّز العمل عام 2022، وهما دليل المستثمر الرقمي، وهو بوابة متخصصة في توجيه المستثمرين، ويحتوي على معطيات ومعلومات مبسطة تقدم للمستثمر فكرة شاملة حول مناخ الأعمال والاستثمار في مختلف جوانبه، أما الآلية الثانية، فهي المنصة الرقمية للمستثمر، وهي منصة إلكترونية ستمكّن المستثمرين من تأسيس شركاتهم إلكترونياً، من خلال توفير كل الخدمات والإجراءات ذات العلاقة على الخط.
واعتبر مسؤولون وخبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن هذه الآليات من شأنها نظرياً أن تطور منظومة الاستثمار برقمنة الإجراءات، وتدفع إلى تحسين حوكمتها، وتنقية مناخ الاستثمار الكفيل بتحريك النمو وخلق الثروة، لكنهم عبّروا في المقابل عن صعوبة تكريس هذه الآليات واعتمادها كلياً في الواقع بحكم عدم تطور المنظومة الرقمية في مجمل الإدارات التونسية، بالتالي صعوبة تحقيق الهدف المتمثل في شفافية هذه الإجراءات وسرعتها لأنها تتداخل مع إدارات مختلفة لا توفر خدمات مرقمنة.
مناخ الاستثمار
وتسعى تونس إلى تحسين مناخ الاستثمار بهدف إنعاش هذا القطاع الحيوي الذي شهد تراجعاً، ويسير نحو نسبة 13 في المئة من الناتج المحلي عام 2021 مقارنة بـ 27 في المئة في أعوام سابقة، وفق البنك المركزي التونسي، في وقت تمثل البيروقراطية أهم العوائق في وجه المستثمرين وباعثي الشركات الجديدة.
وأفاد المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (حكومي) بأن 69 في المئة من المؤسسات في البلاد ترى أن بطء الإجراءات الإدارية من بين العوائق التي تحول دون تقدّمها، في حين أن 88 في المئة من أصحاب المؤسسات اتجهوا نحو المعاملات الإلكترونية، كما اعتبرت مؤسسات تونسية أن الفساد في المؤسسات العمومية يمثّل بدوره عائقاً أمام تطورها، وأن ذلك مثّل 29 في المئة عام 2021، وتراجع إلى 20 في المئة عام 2019 بعد الاعتماد على الرقمنة والتبليغ عن الفساد. و كشف المعهد أن النوايا المعلنة الخاصة بالاستثمار الصناعي قد تراجعت في الأشهر التسعة الأولى من 2021 بنسبة 15.6 في المئة وفي الخدمات بنسبة 0.6 في المئة.
حافز مشروط
وتندرج الاستراتيجية العامة التي تنتهجها الحكومة التونسية لدفع الاستثمار وتطوير منظومته، في تطوير آليات العمل بالاعتماد على الرقمنة وتبسيط الإجراءات، والحد من المعاملات البيروقراطية، بما يعزز القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية ويحفّز على إنشاء الشركات.
وذكر المدير العام للسجل الوطني للمؤسسات عادل الشواري أن المنصة الرقمية لتكوين الشركات التي ستدخل حيز التنفيذ عام 2022 تختصر عدداً من المراحل التي يمر بها باعث المؤسسة، لأنها تجمعها في منصة إلكترونية واحدة، وتوفر له خدمة تقديم الوثائق في هذه المنصة على الخط من دون الاضطرار إلى الاتصال بعدد كبير من الإدارات.
ويكمن الإشكال لدى مؤسسي الشركات في تونس في طول الإجراءات وبطئها وتشتتها بين أطراف متعددة، لذلك تم إنشاء هذه المنصة، ويمثل السجل الوطني للمؤسسات الذي يقدم خدمات رقمية بنسبة مئة في المئة، عنصراً فاعلاً فيها بحكم توفيره الخدمات القانونية، أي التوجيهات والإرشادات الخاصة بالنصوص القانونية لإنشاء الشركات، ويجتمع في المنصة عدد من الإدارات التي يتحتم على باعث المشروع الاتصال بها على غرار السجل الوطني ووكالة النهوض بالاستثمار والقباضة (الإدارة الخاصة بالخدمات الجبائية) والبلدية (السلطة المحلية) والجمارك، لذلك، فهي تغنيه عن الاتصال بكل هذه الإدارات بصفة مباشرة، بالتالي الاستغناء عن التعامل الورقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتحتم أن تتحول الإدارات المتداخلة إلى اعتماد الرقمنة الكاملة، ومن ضمن الخدمات الملحة توفير التوقيع الإلكتروني المعتمد حالياً من قبل السجل الوطني للمؤسسات، لكنه يغيب عن عدد كبير من الإدارات، والذي أضحى ضرورة ملحة. وأفاد الشواري بأن عدد المعتمدين على التوقيع الإلكتروني في تونس لا يتجاوز 40 ألفاً، وهو عدد ضئيل في ظل السعي إلى رقمنة الإدارة.
في المقابل، اعتبر طارق الشريف، رئيس "كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية" أن تبسيط الإجراءات الإدارية عن طريق رقمنتها خطوة إيجابية في طريق القضاء على البيروقراطية، بل يُعدّ حافزاً للاستثمار، لكنه مشروط بتوفير الوسائل اللوجستية اللازمة والموارد البشرية للتأسيس لمثل هذه المنصات، ويتحتم اعتماد الأطراف المؤهلة للتأسيس للرقمنة، حتى لا تتكرر بعض الإشكالات في هذا الصدد، وآخرها الاضطراب الحاصل في منصة التطعيم ضد كورونا، وجوازات التلقيح في تونس في المدة الأخيرة، لذلك وجب الحرص على اختيار الأفضل، إضافة الى توفير الموارد البشرية والفنية المطلوبة لتوفير الخدمة الرقمية الجيدة. ورأى الشريف أن من أهم أسس الاستثمار في الاقتصاد العصري الرقمنة، فهي ضمان الشفافية، وتندرج ضمن شروط مناخ الاستثمار الجيد، إضافة الى القضاء المستقل والسريع في البت في القضايا والثقة.
إدارة مهترئة
واعتبر المحلل الاقتصادي حافظ شقشوق أن الخدمات الإلكترونية تحدّ من التعامل الورقي المباشر مع الإدارات، بالتالي توفر قدراً كبيراً من الشفافية وتعمل على مقاومة الفساد والرشوة، لكن صعوبات جمة تعترض تطوير الإجراءات على الطريقة المذكورة، ويعود ذلك إلى عدم توافر الخدمات الرقمية اللازمة المرافقة، فعملية التبسيط الموضوعة نظرياً تتقاطع مع مؤسسات عمومية تعمل بطريقة تقليدية وتغرق في البيروقراطية، وتفتقر معظم الإدارات التونسية إلى التوقيع الإلكتروني، وهو من أساسيات مراجعة وتدقيق الملفات المرسلة إلكترونياً، بالتالي يصعب التحري في الوثائق، كما يتحتم توافر الخدمات الرقمية لدى الإدارات المتداخلة في ملفات إنشاء الشركات، الأمر غير المتاح حالياً، ويتطلب المسار الحضور والاستظهار بالوثائق الورقية والمصادقة على التوقيع في معظم الإدارات المعنية بهذه الإجراءات لأنها لا تعتمد الخدمة الرقمية.
وأضاف أن على الإدارات المعنية توفير خدماتها على هذه المنصة وأهمها القباضة (الإدارة الخاصة بالخدمات الجبائية) والبلدية (السلطة المحلية) والجمارك، لذلك، من المرجح اختصار مرحلة وحيدة من إجراءات بعث المؤسسات، وهي عملية توجيه الوثائق بإرسالها إلكترونياً والاستغناء عن الحضور المادي، بالتالي رقمنة 50 في المئة من الخدمات، لأن من غير المتاح توفير خدمات رقمية في ظل مواجهة إدارة تونسية مهترئة وغير مندمجة على هذا الصعيد.