في ظل أسوأ أعمال عنف شهدتها كازاخستان منذ استقلالها في أوائل التسعينيات، لقي العشرات حتفهم، واعتُقل الآلاف، خلال الأسبوع الماضي.
وقد وصل مظليون روس إلى الدولة الواقعة في آسيا الوسطى للمساعدة في قمع الانتفاضة. وتتردد الأخبار عن استعادة قوات الأمن السيطرة على شوارع المدينة الرئيسة في البلاد.
ما أسباب الغضب؟
بدأت الانتفاضة في المناطق الغربية الغنية بالنفط على شكل احتجاجات على قيام الدولة في يوم رأس السنة الجديدة برفع أسعار البوتان والبروبان الذي يعرف "بوقود الفقراء"، نظراً لرخص سعره.
وسرعان ما أدى هذا الإصلاح، الذي كان يهدف إلى علاج نقص الإمدادات النفطية، إلى نتائج عكسية، إذ ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد على مثليها. وانتشرت الاحتجاجات، مستغلة إحساساً أوسع بالاستياء من فساد الدولة المستشري، وعدم المساواة في الدخل، والمصاعب الاقتصادية التي تفاقمت جميعها بسبب جائحة فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن كازاخستان تتصدر جمهوريات آسيا الوسطى في ما يتعلق بأعلى دخل للفرد، فإن نصف سكانها، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، يعيشون في مجتمعات ريفية، وغالباً ما تكون معزولة، وتعاني ضعف فرص الحصول على الخدمات العامة.
وفي حين أن الموارد الطبيعية الهائلة للبلاد جعلت نخبة صغيرة فاحشة الثراء، يشعر كثيرون من عامة الناس في كازاخستان بأنهم مُهمَلون. وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 19 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر.
ويقترب معدل التضخم السنوي من تسعة في المئة، وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمس سنوات، ما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 9.75 في المئة.
من يمسك بالسلطة؟
انتُخب الدبلوماسي قاسم جومارت توكاييف (68 عاماً) رئيساً للبلاد في عام 2019 بناءً على وعود بمواصلة سياسات سلفه نور سلطان نزارباييف. وتؤيد تلك السياسات الشركات على نطاق واسع، لكن نزارباييف، عضو المكتب السياسي السوفياتي السابق الذي قاد كازاخستان لقرابة ثلاثة عقود، كان يُنظر إليه على أنه صاحب القوة الحقيقية الممسكة بمقاليد السلطة من خلف الستار.
استخدم توكاييف الاحتجاجات، التي استهدفت أحياناً رموز حقبة نزارباييف، لإقالة الرئيس السابق، البالغ من العمر 81 عاماً من منصب رئيس مجلس الأمن القوي.
ولم يُصدر نزارباييف أي تصريح، ولم يظهر علناً منذ اندلاع الاحتجاجات، ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستُضعف هذه الانتفاضة من استمرار النفوذ القوي لنزارباييف وعائلته في شؤون السياسة والأعمال.
وأقال توكاييف ابن اخت نزارباييف، صمد أبيش، من منصب الرجل الثاني في قيادة الشرطة. وثارت في السابق أحاديث عن ابنة نزارباييف الكبرى، داريجا، وهي رئيسة سابقة لمجلس الشيوخ، ولا تزال نائبة، بوصفها رئيسة محتملة في المستقبل.
الحريات وحقوق الإنسان
تنتقد الدول الغربية والجماعات المعنية بحقوق الإنسان منذ فترة طويلة كازاخستان بسبب نظامها السياسي السلطوي وقمع المعارضين وتقييد حريات وسائل الإعلام والافتقار إلى انتخابات حرة ونزيهة، على الرغم من أنها تعتبر أقل قمعاً واضطراباً من جاراتها التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي السابق.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن الاحتجاجات التي شهدتها كازاخستان خلال الأيام الماضية كانت نتيجة "قمع السلطات واسع النطاق لحقوق الإنسان الأساسية"، ودعت إلى الإفراج عن جميع ضحايا عمليات الاحتجاز العشوائي وفتح تحقيقات في الانتهاكات السابقة من جانب مؤسسات الدولة.
وقالت ماري ستروثرز، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في المنظمة، "على مدى سنوات اضطهدت الحكومة المعارضة السلمية، ما دفع شعب كازاخستان إلى حالة من التذمر واليأس".
نصيب الفرد والشركات الضخمة
تظهر بيانات البنك الدولي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان في عام 2020 كان 9122 دولاراً، وهو ما يزيد بقليل عما في تركيا والمكسيك، لكنه يقل عن أقصى ذروة سنوية بلغها بنحو 14 ألف دولار عام 2013.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قدمت حكومة توكاييف حزمة تحفيز بلغت نسبتها 6 في المئة من الناتج الوطني لمساعدة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة على التعافي من آثار جائحة "كوفيد-19".
وتوقع البنك الدولي نمواً اقتصادياً بنسبة 3.5 في المئة عام 2021، ترتفع إلى 3.7 في المئة هذا العام، ثم 4.8 في المئة عام 2023. وحث البنك كازاخستان على دعم المنافسة وتحجيم دور الشركات الضخمة المملوكة للدولة في الاقتصاد وعلاج حالة التفاوت الاجتماعي والعمل من أجل مناخ اقتصادي أكثر تكافؤاً.
الموقع والثروات
وتُعد كازاخستان، الواقعة بين روسيا والصين، وتشترك في الحدود مع ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة أخرى، الاقتصاد الأكبر في آسيا الوسطى، حيث يوجد فيها مخزون غني من الهيدروكربونات والمعادن. ومنذ أن صارت مستقلة في عام 1991، جذبت استثمارات أجنبية بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
من الناحية الاستراتيجية، تربط كازاخستان الأسواق الكبيرة سريعة النمو في الصين وجنوب آسيا بأسواق روسيا وأوروبا من طريق البر والسكك الحديدية وميناء على بحر قزوين. ويصف هذا البلد نفسه بأنه ملتقى مشروع التجارة الصيني الضخم المعروف "بالحزام والطريق".
وتُعد كازاخستان المنتج العالمي الأكبر لليورانيوم. وأدّت الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي إلى قفزة ثمانية في المئة في أسعار المعدن الذي يغذي محطات الطاقة النووية، وهي تاسع أكبر مصدّر للنفط في العالم، إذ أنتجت نحو 85.7 مليون طن في عام 2021، وعاشر أكبر منتج للفحم، وهي ثاني أكبر منجم في العالم لعملة "بيتكوين" المشفرة بعد الولايات المتحدة.