بعد أربعة أيام من انطلاقها الرسمي، بلغ عدد المشاركين في الاستشارة الإلكترونية الشعبية، 45000 مشارك خمسهم من الإناث، حسب البيانات المنشورة على الصفحة الرئيسة للمنصة على الإنترنت. رقم يؤشر إلى إقبال ضعيف على الاستشارة التي لم ترافقها حملة اتصالية، تفسّر مضامينها، عدا بعض البرامج التي سلطت الضوء على فحوى الاستشارة في عدد من وسائل الإعلام العمومية والخاصة.
انقسام سياسي حول الاستشارة
وتتزامن الاستشارة مع حال من الانقسام السياسي، إذ دعا عدد من الأحزاب والفعاليات المدنية إلى مقاطعتها على غرار "حركة النهضة"، و"حزب العمال"، ومبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، ومنظمة "أنا يقظ"، بينما تساندها أحزاب أخرى كـ"التيار الشعبي" و"حركة الشعب" و"ائتلاف صمود".
ويرى متابعون للشأن العام في تونس أن مثل هذه المبادرات تحتاج إلى إجماع وطني من أجل ضمان المشاركة فيها، وحتى تعكس مخرجاتها التوجهات الفعلية للتونسيين وما يتطلعون إليه حول مستقبل بلادهم.
التونسيون بين مرحّب ورافض
وقد تباينت مواقف التونسيين من هذه الاستشارة بين مرحّب، يعتبرها آلية جديدة للتعبير عن الرأي، ومنتقد، يتخوّف من توظيفها لخدمة أهداف سياسية لجهة بعينها، ويخشى من التلاعب بالمعطيات الشخصية للتونسيين.
مراد العبيدي، شاب (28 سنة)، من الجنوب التونسي، يقيم في العاصمة منذ نحو عشر سنوات، يبدو متحمساً للمسار التصحيحي الذي وضعه رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلا أنه قال إنه غير معني بالاستشارة التي يرى أنها "ذات أهداف سياسية مكشوفة"، معتبراً أن "المنصة تطلب بشكل علني المعطيات الشخصية للتونسيين، وهو ما يثير التساؤل حول كيفية التعاطي مع هذه المعطيات". وأضاف، "تونس تتسع للجميع، وكان بالإمكان الاكتفاء باستفتاء شعبي حول بعض الإصلاحات الدستورية من أجل تغيير النظام السياسي يكون نتاجاً لحوار وطني يتم فيه تحميل المسؤولية السياسية الكاملة للأحزاب التي قادت تونس إلى هذا الخراب".
من جهتها، أكدت ألفة حسناوي (35 سنة)، ممرّضة، أنها ستشارك في الاستشارة الوطنية باعتبارها "آلية جديدة للتعبير عن الرأي من أجل تغيير الواقع"، ودعت التونسيين إلى "المشاركة في الاستشارة والتعبير عن آرائهم بكل حرية، من أجل وضع حد للفساد الذي استشرى في البلاد بسبب الأحزاب السياسية".
ولم يبدِ الحاج العربي الصامتي، (75 سنة)، صاحب مكتبة، أي تفاعل عندما سألناه عن الاستشارة، وهو منهمك في قراءة صحيفة يومية، قائلاً إنه "غير معني باستشارة بُنِيت على باطل"، معتبراً أن ما جاء به 25 يوليو (تموز) كله فوضى، ولا بدّ من العودة إلى المسار الدستوري الحقيقي ومحاسبة كل من أخطأ في حق البلاد، ودعا الحاج الصامتي إلى "حوار وطني حقيقي، تشارك فيه كل الفعاليات، وتوضع أسس جديدة للممارسة السياسية"، معتبراً أن الاستشارة لن تفضي إلى أي شيء لأنها لا تعكس قناعات جميع التونسيين.
من جهتها، أكدت فتحية الباجي، متقاعدة من قطاع التعليم، أنها لا تحسن التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، معتبِرة الاستشارة "ترفاً سياسياً"، ولافتة إلى "ضنك عيش التونسيين اللاهثين وراء معيشتهم اليومية بينما يسبح السياسيون في فضاءاتهم المثالية، ويضعون برامج لا تمتّ إلى الواقع بأية صلة"، متسائلة عن مدى توفر الإنترنت لكل التونسيين وعن رداءة الخدمات واهتراء البنية التحتية الاتصالية.
الأمية وعدم توفر الإنترنت للجميع
وفسّر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، بالعيد أولاد عبد الله، أن "العزوف عن الاستشارة الإلكترونية يعود إلى عامل موضوعي وهو أن 45 في المئة فقط من العائلات التونسية تمتلك الإنترنت، مع ضعف التغطية بالنسبة إلى كامل الجمهورية وضعف تدفق الإنترنت المتوفر". وأضاف أولاد عبد الله، "مضمون وأهداف الاستشارة غير واضحة، ما أدخل نوعاً من الشك حول نتائجها"، متسائلاً عمّا إذا تم "إشراك خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس السلوكي، من أجل دراسة ومعرفة ميول وتوجّهات التونسيين، قبل الصياغة النهائية للأسئلة التي توحي ضمنياً بالإجابة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى وجود "مليوني تونسي وتونسية أمّيين، ستتم مرافقة البعض منهم للولوج إلى المنصة والمشاركة في الاستشارة في مؤسسات دور الشباب، وهو ما ينتهك سرّية الإجابة عن الأسئلة، ويطرح السؤال حول مصداقية العملية، ومدى حماية المعطيات الشخصية للمشاركين فيها".
المنصة تستجيب لمعايير السلامة
وإجابة عن تساؤلات عدد من التونسيين حول كيفية التصرف في المعطيات الشخصية، أكد شوقي الشيحي، المدير العام لتكنولوجيا الاتصال بوزارة تكنولوجيات الاتصال، أن "المنصة الإلكترونية تستجيب لمعايير السلامة بضمان مشاركة وحيدة لكل مواطن وحماية المعطيات الشخصية عبر الهوية المخفية"، مضيفاً أن "الوزارة أبرمت للغرض اتفاقية مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ومع مشغلي شبكة الاتصال".
واعتبرت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية أن الاستشارة الوطنية لا تعالج معطيات تمكن من التعرف على هوية من قام بالمشاركة فيها، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن منصة الاستشارة الإلكترونية تعالج معطيات شخصية. وأضافت في بيان، أنه وفي إطار صلاحياتها القانونية، قامت الهيئة، بتاريخ 14 يناير (كانون الثاني) 2022، بمهمة رقابة وتدقيق للتحقق من الناحية التقنية من صحة معلومة محورية وهي "أن المنصة تقوم بمعالجة معطيات شخصية مخفية الهوية"، موضحة أنها استأنست، للقيام بهذه المهمة، بخبراء مختصين في ميدان المعلوماتية ومعالجة المعطيات وتبادلها عبر برمجيات.
خريطة طريق
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد أعلن يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) 2021، عن "خريطة طريق لإنهاء الإجراءات الاستثنائية"، تبدأ بتنظيم استشارة شعبية إلكترونية بخصوص الإصلاحات التي سيتم إقرارها على مستويات عدة، تفضي نتائجها إلى إجراء استفتاء وطني لإدخال إصلاحات على الدستور يوم 25 يوليو 2022، وتنتهي بإجراء انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر 2022.
استشارة يعول عليها أنصار المسار التصحيحي للرئيس سعيد، لرسم ملامح تونس المستقبل، مع فساد سياسي استشرى في البلاد طيلة عقد ما بعد 2011، بينما يراقبها معارضو الرئيس بحذر، فهل تنجح في ما فشلت فيه الأحزاب والمنظمات الوطنية؟