انخرط المجلس العسكري الانتقالي في السودان في اتصالات متسارعة للبحث عن حاضنة سياسية وشركاء جدد، بعدما تعثرت علاقته مع "قوى الحرية والتغيير" التي قادت الحراك الشعبي في البلاد، وسط مخاوف من تسلل أنصار الرئيس المعزول عمر البشير عبر تيارات وقوى تقترب من التحالف مع "العسكر" للالتفاف على الثورة، وإعادة إنتاج نظام البشير تحت "قبعات" جديدة.
حملة أمنية
أغلقت قوات مشتركة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شارع النيل في شمال الخرطوم القريب من محيط الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السبت (1 يونيو/ حزيران الحالي)، وبدأت القوة في حملة أمنية. ورصد مراسل "اندبندنت عربية" احتشاد مئات العسكريين من جيش قوات الدعم السريع في أسفل جسر النيل الأزرق المؤدي إلى ساحة الاعتصام. وطلبت القوة من الصحافيين الابتعاد عن المنطقة، لوجود حملة أمنية على متفلتين ينشطون في تجارة المخدرات ونهب المارة وتهشيم سياراتهم في شارع النيل. وسمع دوي رصاص في المنطقة، بينما تمسك المعتصمون في ساحة الاعتصام المتاخمة لشارع النيل بمواقعهم في المتاريس التي وضعوها بالمنطقة. وحذرت "قوى الحرية والتغيير" في السودان، من عملية "التراخي المنظم" للأجهزة الأمنية في "عدم احتواء المجموعات الخارجة عن سلطة القانون". وقال القيادي في "الحرية والتغيير" محمد يوسف أحمد المصطفى، في مؤتمر صحافي، إن "فلول النظام السابق افتعلت إثارة المشاكل في شارع النيل أسفل الجسر الحديدي لتشويه صورة الثورة". وجدد تأكيده أن "الثورة في البلاد سلمية، والتصرفات والممارسات الخاطئة أسفل جسر النيل الأزرق ليست من مسؤوليتها". وأوضح المصطفى أن "هناك جهات لديها مصلحة في اندلاع العنف من أجل إثارة الفتنة".
مشاورات سياسية
أجرت قيادات في المجلس العسكري خلال الأيام الماضية مشاورات، وعقدت لقاءات بعضها غير معلن مع رموز اجتماعية وقيادات قبلية ورجال دين، من زعماء "طرق صوفية"، وتيارات سياسية من أجل الحصول على دعمها، في رحلة البحث عن حواضن سياسية واجتماعية جديدة، مما يشير إلى عزم المجلس العسكري الدخول في ترتيبات سياسية مع قوى جديدة بعيداً من المعارضة، بعدما تباعدت مواقفهما وتوقف المفاوضات بينهما نحو عشرة أيام. وعلمت "اندبندنت عربية" أن مشاورات المجلس العسكري شملت فصائل في "قوى الحرية والتغيير" وقيادات شبابية معارضة، ترفض التصعيد وترغب في التفاهم مع المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية، لضمان أمن واستقرار البلاد وعدم تعريضها للخطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صور البرهان وحميدتي
شهد قلب الخرطوم مساء الجمعة الماضي (31 مايو 2019) حشوداً ضخمة تحت مسمى مليونية التوافق السياسي، بمشاركة تيارات سياسية وإسلامية ومجتمعية وقيادات قبلية ورجال دين من الطرق الصوفية من مختلف ولايات البلاد، لتفويض المجلس العسكري بتشكيل حكومة "تكنوقراط". ورفع أنصار تلك التيارات صور رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي". وطالبت الحشود أن يشكل المجلس العسكري حكومة عسكرية إسلامية مرددين "إسلامية مية المية" و"لا مدنية ولا شيوعية عسكرية مية المية"، فيما رفع البعض شعارات تطالب البرهان بعدم تسليم السلطة لـ"قوى الحرية والتغيير"، وأن يكون على رأس السلطة ويحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية، رافعين لافتات منها "فوضى يا برهان تحكم أنت بس"، ورفع البعض لافتات عليها "حميدتي يمثلني". وأعلن أحمد حسين علي دينار زعيم قبيلة الفور في دارفور، انحيازه للمجلس العسكري وتفويضه تفويضاً كاملاً لتولي مهام الفترة الانتقالية في حكم البلاد، مطالباً الابتعاد عن سياسة الإقصاء التي انتهجتها بعض القوى السياسية المعارضة. ودعا ممثل الطرق الصوفية موسى عبدالله حسين خلال مخاطبته الحشد الجماهيري، إلى الالتفاف حول المجلس العسكري ومنحه الثقة لقيادة السودان خلال الفترة الانتقالية وترتيب البيت الداخلي وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، حتى يأتي إلى سدة الحكم من يختاره الشعب السوداني. وطالب المجلس العسكري بالإسراع في تكوين حكومة مدنية من الكفاءات لتطلع بمهامها وتسير دولاب الحكم في البلاد.
خيانة وغدر
في المقابل، طلب محمد علي الجزولي الأمين العام لتيار نصرة الشريعة ودولة القانون، الذي شارك في التظاهرة، من مناصريه الانسحاب، مذكراً أنهم اشترطوا من أصحاب المبادرة ألا يكون هناك تفويض للعسكري لتشكيل الحكومة، وأن يطلق على الحشد مليونية التوافق السياسي، باعتبار أن الشريك الأصيل في الثورة هو الشعب السوداني وليس المجلس العسكري. وأشار إلى أن منظمي الحشد رفعوا لافتات تمجد المجلس العسكري وتدعو إلى تفويضه، ما عدّه "خيانة وغدراً فاحشاً للانتفاضة". وقال إنهم سيرفعون شعار "تسقط بس" لكل من يحاول انتهاج سياسات النظام البائد، في إشارة منه إلى نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً. ورأى الجزولي أن تظاهرة التوافق السياسي قامت من أجل عدم التصعيد والإسفاف، والتأمين على مكاسب الثورة في الحرية والعدالة، والتركيز على السلام الشامل والوحدة الوطنية ووحدة الصف والتماسك الاجتماعي، فضلاً عن التأكيد على دور المجلس العسكري باعتباره الضامن لثوابت الأمة، والدعوة لتحقيق توافق سياسي، وتأكيد مشاركة كل أطياف وفئات الشعب السوداني في صناعة الثورة، إضافة إلى دعوة المجلس العسكري لإدارة الحوار مع كل المكونات السياسية والاجتماعية السودانية، والدعوة للانتقال السلس للسلطة بما يفضي إلى انتخابات يشارك فيها الجميع.
خيارات وأوراق
عقب انفضاض آخر جلسة بين المجلس العسكري والمعارضة وفشلهما في التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل المجلس السيادي واختيار رئيس له، لجأ الطرفان إلى استخدام أوراق الضغط. إذ انتقد نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، "قوى الحرية والتغيير"، وأعلن عدم السماح لهم بالانفراد بالسلطة وأن مشاركتهم ستكون نسبية، باعتبارهم لا يمثلون كل الشعب السوداني و"لن نسلمهم السلطة للانفراد بها"، مهدداً بانتخابات مبكرة، أو اللجوء إلى تشكيل حكومة مستقلة من الكفاءات، بعيداً من المعارضة. حمل حديث حميدتي إشارات ضمنية بالتراجع عن الاتفاق السابق الذي منح المعارضة الانفراد بمجلس العسكري وثلثي البرلمان. حميدتي، لم يكن وحده من جنرالات المجلس العسكري الانتقالي الذي هاجم "قوى الحرية والتغيير"، حيث قال رئيس اللجنة الأمنية في المجلس الفريق جمال عمر، إنهم لن يسلموا حكم البلاد إلى جماعة يسارية متطرفة، في إشارة إلى قوى اليسار التي يتهمها العسكر بخطف مواقف المعارضة.
المعارضة تتمسك بموقفها
قوبلت مواقف جنرالات المجلس العسكري بخطوات عملية من "قوى الحرية والتغيير"، التي شرعت عقب تعليق التفاوض في الدخول في إضراب سياسي استمر لمدة يومين، وهدد باللجوء إلى عصيان شامل ومفتوح لإسقاط المجلس العسكري. وقال محمد يوسف أحمد المصطفى، الناطق باسم تجمع المهنيين لـ"اندبندنت عربية"، إن الإضراب الذي نفذ كان ناجحاً بكل المقاييس، وإنهم يدرسون خيار العصيان المدني لإجبار المجلس العسكري على تسليم السلطة للمدنيين. ووصف المجلس بالمتعنت، مؤكداً استمرار الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم لتحقيق حل مدني، وكشف عن استعدادهم لتنظيم أكبر صلاة عيد في ساحة الاعتصام.