في الأسبوع الماضي، حينما سجلت دلهي أبرد يوم منذ حوالى عقد من الزمان، نام رجل مشرد في شوارع العاصمة الهندية طوال الليل محتضناً جثة هامدة إلى أن وصل متطوعون من منظمة غير ربحية للمساعدة.
إنه راجكومار، عامل بأجر يومي، عاش في دلهي خلال السنوات الخمس الماضية، لكنه لم يحصل على موئل بعد.
والجدير بالذكر أنه واحد من المشردين الذين بلغ عددهم، وفق الإحصاءات الرسمية التي أجريت في المدينة، 46,724 شخصاً بلا مأوى. وبحسب النشطاء [عاملو إغاثة ومهتمون بالقضايا الاجتماعية]، هذا الرقم بالكاد يمثل ثلث العدد الحقيقي للأشخاص المشردين الذين ينامون في العراء في العاصمة.
في الواقع، ينام راجكومار بالقرب من "بوابة كشميري" في دلهي، وهي منطقة مزدحمة تصل إليها الحافلات المتنقلة بين الولايات كل ساعة. وقد فقد الشخص الذي كان بجانبه حياته في الليل عندما تدنت درجات الحرارة إلى 6 درجات مئوية. وتجدر الإشارة إلى أن درجات الحرارة القصوى اليومية انخفضت آنذاك حتى وصلت إلى 12 درجة دون المتوسط في يوم شتائي في دلهي، ما جعله أبرد يناير (كانون الثاني) منذ تسع سنوات.
واستطراداً، وجده متطوعون من المنظمة غير الربحية التي ساعدت راجكومار، كما وجدوا رجلاً آخر يحتاج إلى رعاية طبية بعد أن نجا من ليلة ممطرة أمضاها نائماً على ممر للمشاة. غير أن الرجل الثالث، الذي كان راجكومار يتشبث به ليشعر بالدفء، لم يكن محظوظاً جداً.
ووفقاً لتقرير لم يُنشر بعد من "مركز التنمية الشاملة" (CHD)، وهي المنظمة غير الربحية التي تتألف من "متطوعين صامتين" بمن فيهم المحامون والباحثون السياسيون الذين ساعدوا راجكومار، مات في يناير ما لا يقل عن 176 شخصاً مشرداً في دلهي بسبب التعرض للبرد الشديد.
في الحقيقة، إن الافتقار إلى سجلات رسمية محفوظة عن الوفيات في صفوف المشردين يجعل من الصعب العثور على بيانات للمقارنة مع العام الماضي، ولكن وفقاً "لبوابة الهند البيئية" (IEP)، تم تسجيل 152 حالة وفاة في جميع أنحاء الهند ككل بسبب موجات البرد في عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك السياق، حلل باحثو "مركز التنمية الشاملة" (CHD) البيانات من ملاجئ المشردين في الهند والسجلات المحلية للوفيات على ممرات المشاة، إلى جانب الدراسات الاستقصائية الخاصة بالمركز، من أجل تحديد عدد الوفيات المسجلة في يناير. وتشير المنظمة إلى أن حالات الوفاة الـ 176 لا تمثل سوى العدد المسجل حتى 30 يناير فحسب. ووفق سونيل كومار أليديا، الناشط المتمرس في المنظمة، قد يستمر عدد وفيات شهر يناير في الارتفاع في الأيام المقبلة.
وفي ذلك الإطار، يقول السيد أليديا، الذي غامر بالخروج في ليالي دلهي الباردة لمساعدة المشردين، "أحياناً ترقد جثث الموتى على ممرات المشاة ونكتشف الوفيات بعد أيام عدة".
ويتابع، "دائماً ما تؤدي حالات الطقس الثلاث، الشتاء والصيف والرياح الموسمية، إلى وفاة المشردين [في المدينة]. والتشرد هو حالة كارثية. وفي سياق متصل، يتم التحدث عن سوء التغذية أو الجوع، ولكن لا يمكن معالجة هاتين القضيتين ما لم تعالَج مشكلة التشرد".
وفقاً لـ "CHD"، ارتفعت الوفيات في المناطق المزدحمة مثل شمال وشرق دلهي، التي تتمركز فيها شركات صغيرة متعددة، والتي تشهد توافد الأشخاص القادمين من ولايات أخرى بحثاً عن عمل.
وفي حين تُعد رحلة واحدة عبر المدينة كافية لرؤية العدد المتزايد من المشردين الذين لجأ عدد منهم للاحتماء تحت الجسور وفي المتنزهات وعلى ممرات المشاة، فإن خطوة الحكومة الرامية إلى الحؤول دون الوفيات بين المشردين اقتصرت على إقامة ملاجئ ليلية.
واستطراداً، تم الترويج بشكل كبير لمخطط الملاجئ الليلية الذي وضعته حكومة دلهي، ولكن وفقاً للنشطاء والأشخاص الذين يعيشون على الطرقات، أصبح إيجاد مكان يؤويهم أمراً صعب المنال. وبالنسبة إلى أولئك القادرين على الحصول على سرير، ليس الوضع بالضرورة أفضل مما يعانون منه على الطرق.
في الواقع، تتضمن دلهي 296 منزل إيواء مع أكثر من 9000 سرير. وعلى الرغم من ذلك، تعتمد المنازل على قاعدة أسبقية الحضور، "من يَحضر أولاً يحصل على الخدمة أولاً". كذلك، تفتقر تلك المراكز، التي غالباً ما تكون مؤقتة، إلى المرافق الأساسية مثل المراحيض أو الرعاية الطبية، على الرغم من الوعود الكثيرة التي قطعتها السلطات لتوفير ذلك.
ووفق ما يقوله النشطاء، فعدد الأسرة في الملاجئ لا يصل حتى إلى نصف الأرقام التي أبلغت عنها الحكومة في السنوات السابقة، علماً أن المشكلة الأكبر هنا تكمن في نقص البيانات.
وبينما كان عدد الأسرة يمثل مشكلة فعلية، أتت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة. إذ إن منازل الإيواء تُجبر على تبني معايير التباعد الاجتماعي، ما يسمح باستيعاب عدد أقل أثناء الليل. وعلى مستوى مواز، عاث فيروس كورونا أيضاً خراباً، وخلف آثاراً مدمرة في القطاع غير المنظم (لعمال المياومون الذين يتقاضون أجراً نقدياً [يومياً]) ما أجبر عدداً من الشركات الصغيرة على تسريح العمال غير الأساسيين.
ووفق النشطاء، تتألف غالبية السكان المشردين في المدينة من الأشخاص الذين يعملون في قطاعات غير منظمة بصفتهم عمالاً ومساعدين، أو ممن دفعتهم الظروف إلى التسول أو بيع السلع في الشوارع.
وفي ذلك السياق، يقول سانجاي كومار، ناشط في الجمعية الخيرية "آشري آدهيكار آبهيان" Aashray Adhikar Abhiyan التي تدير مأوىً للمشردين في المدينة، "يعمل معظم أولئك الأشخاص في القطاع غير المنظم، حيث يتقاضون أجورهم يومياً. ولا يملك هؤلاء العمال مكاناً آخر يذهبون إليه، ولا يملكون خياراً سوى قضاء الليل في العراء، والبحث عن عمل مرة أخرى خلال النهار".
كذلك، يقدّر سانجاي عدد الأشخاص المشردين في المدينة بحوالى 100 ألف. ويضيف، "من واقع خبرتي، واحد في المئة من سكان المدينة بلا مأوى".
تعرّف الهند المشردين بأنهم أولئك الذين لا يعيشون في أماكن مسجلة في التعداد الرسمي [إحصاء تجريه البلاد كل 10 سنوات للكشف عن أماكن السكن وأوضاعها وما إلى ذلك]، فيما يعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة تعريفاً أوسع للتشرد، بما في ذلك ضمان الحيازة [مأوى وعمل]، والقدرة على تحمل التكاليف، والوصول إلى الخدمات، ومراعاة المعايير الثقافية.
وقد أعرب النشطاء مراراً وتكراراً عن مخاوفهم من نقص البيانات، عندما يتعلق الأمر بإحصاء الأشخاص المشردين، وهو أمر في حالة تغير مستمر لأن عمالاً عدة ينتقلون إلى المدن خلال موسم معين لا غير.
وعلى الرغم من ذلك، لم تجرِ الحكومة بعد استطلاعاً موسمياً [فصلياً] مفصلاً. وفي ذلك السياق، يوضح السيد أليديا، "يجب اعتماد آلية مناسبة لإجراء مسح خلال الشتاء والصيف وفترة الرياح الموسمية. يمكن أن توفر هذه البيانات بيسر فوري [من دون إرجاء استخلاص النتائج]، لكن الحكومة ليست على استعداد للقيام بذلك".
والجدير بالذكر أن أولئك الذين ينامون على الطرقات لا يواجهون الطقس البارد فحسب، بل يعانون أيضاً من تلوث مرتفع في الهواء. في الواقع، ظلت مستويات جودة الهواء في الهند متردية في شهر يناير، إذ تخطت معدل 200، في المقابل تتحمل دلهي حالياً العبء الأكبر من أزمة الهواء الملوث في البلاد منذ فصول شتاء عدة.
ومن المرجح أيضاً أن تشتد الظروف الجوية القاسية في الهند في السنوات المقبلة. ووفقاً لخبراء المناخ، فالبرد غير المعتاد الذي تشهده البلاد هذا العام يتجاوز ما يمكن توقعه مع تغير المواسم والفصول.
ووفق آرتي خوسلا، مديرة مبادرة "الاتجاهات المناخية"، وهي عبارة عن مبادرة للاتصالات في شأن القضايا المناخية، ترجع ظروف الشتاء القاسية هذا العام جزئياً إلى ظاهرة "لا نينا"، علماً أنها ظاهرة محيطية وجوية تُعد النظير الأكثر برودة لظاهرة "النينو"، وتؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة.
وتتناول السيدة خوسلا المسألة بالتفسير، "على أي حال كان من المفترض أن يكون عام "لا نينا". ولكن بالنظر إلى كيفية تعرضنا لارتفاع كبير في الحرارة على مدار العام الماضي أولاً، ثم الأعاصير والرياح الموسمية المركزة المتعاقبة، فقد تخطى مستوى البرد المعدل الطبيعي أيضاً".
وتتابع، "من المؤكد أن هناك تأثيراً مناخياً على كل هذا"، مضيفةً أن حدثاً واحداً قد لا يُنسب بالكامل إلى تغير المناخ، ولكن هذه الحالات القصوى ترتبط من دون شك بالتغير المناخي.
© The Independent