دفعت الخلافات السياسية التي تعصف بالعراق منذ ما بعد الانتخابات المبكرة، التي أجريت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى تعطيل جلسات البرلمان، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة ضمن مهل معينة نصّ عليها الدستور، ما أدخل البلاد في حالة فراغ دستوري.
وكان الرئيس العراقي، برهم صالح، خاطب المحكمة الاتحادية العليا بشأن وضع "الفراغ الدستوري" في البلاد، إذ تنص المادة 70 من الدستور على أنه "أولاً: ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بغالبية ثلثي عدد أعضائه. ثانياً: إذا لم يحصل أي من المرشحين على الغالبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحَين الحاصلَين على أعلى عدد من الأصوات ويُعلَن رئيساً مَن يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني".
وتنص المادة (72، ثانياً)، التي يطلب صالح من المحكمة الاتحادية العليا تفسيرها، على أنه "يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد له".
إقرار الموازنة
وعلّق الباحث السياسي، صالح لفتة، بأن "أبرز ما يُتخوَّف منه جراء الفراغ الدستوري وتعطيل تشكيل الحكومة، هو تأخر إقرار الموازنة التي تمثل عصب الحياة في العراق، وظهور أزمات اقتصادية ومالية تهدد مصالح الدول والمواطن، فالعراق يعتمد اعتماداً كلياً على الإنفاق الحكومي بشكل كبير وتأخر إقرار الموازنة يمثل ضربةً للأسواق ومدى نموها وقدرتها على توليد الوظائف وفرص العمل". وأضاف لفتة، أن "الفراغ الدستوري يعمّق الانفلات الأمني الذي قد يتدهور بغياب تشكيل الحكومة وعدم وجود وزراء أصيلين بدل وزراء تسيير الأعمال"، مشيراً إلى أن "الملف الأمني يشكل هاجساً للجميع والذي ربما يُستغَل من أطراف داخلية وخارجية. كما هناك خشية من تأخر إقرار القوانين والتشريعات التي ينتظرها الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر لفتة أن "الفراغ الدستوري في كل مرة لا يعني شيئاً للقوى السياسية المتخاصمة التي لن تعبأ بتعطيلها للدستور، إذ لا توجد عقوبات صارمة لكل مَن يتعمد تعطيل الدستور أو تجاوز أحكامه، وهي غير مدركة لهذا العرف الخاطئ الذي تكرسه في كل دورة انتخابية، بسبب أزمة الثقة وانعدام التفاهم وعدم تقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية، مما يفاقم الأزمات ويزيد الأوضاع تعقيداً".
إنذار بنهاية النظام
من جهة أخرى، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي نبيل جبار العلي، أن "أضرار الفراغ الدستوري على الشعب العراقي في ظل هذا الجو السياسي المتشنج، الذي بدأت فيه الأطراف السياسية باللجوء إلى المحكمة الاتحادية معترضةً وطاعنةً بكل مخالفة، صغيرة وكبيرة، وتختلق من المواقف والأحداث العابرة حججاً للطعن، كما في محاولات إلغاء الانتخابات ونتائجها، أو حالة الطعن في شرعية انتخاب رئيس البرلمان، كل ذلك قد ينذرنا بنهاية النظام السياسي بأكمله إذا ما وصلنا الى مرحلة الفراغ الدستوري، الفراغ الدستوري سيتيح للقوى السياسية المتخاصِمة التوقف عن احترام التشريعات الدستورية والقانونية والامتثال لها، بذريعة تجاوزها من قبل الآخرين، وتبني خيارات المقاطَعة السياسية التي قد تكون أولى الخيارات السياسية قبل الفوضى السياسية أو النزاعات التي تنتقل إلى الشارع".
أزمات كبرى تمس المواطن
أما الباحث السياسي علي البيدر فاعتبر أن "تبعات الفراغ الدستوري يتمثل بتعطيل كل الإجراءات الدستورية التي تأتي في مضمار اختيار رئيس الجمهورية، الحلقة الأبرز لإكمال نتائج الانتخابات، والشروع بتسمية رئيس الحكومة".
وعبّر البيدر عن اعتقاده بأنه "وفق هذا، سيبقى الباب مفتوحاً أمام أزمات كبرى تمس المواطن العراقي ومنها عدم إقرار الموازنة، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة المواطنين وهذا ما يجعل الكثير من المشاريع معطَّلة، بالإضافة إلى وقف الدرجات الوظيفية مع ندرة فرص العمل في القطاع الخاص نتيجة لغياب السيولة المالية" .