تراجعت الحكومة الجزائرية عن تطبيق ضرائب ورسومات كان البرلمان صادق عليها ضمن قانون المالية لعام 2022، بعدما تسببت في ارتفاع جنوني لأسعار مختلف المواد الاستهلاكية والمنتجات الإلكترونية، ووضعت الشارع على صفيح ساخن عشية ذكرى الحراك الشعبي.
قرارات بخفض الأعباء الاجتماعية
وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلغاء ضرائب ورسوم وتجميد أخرى حتى إشعار آخر، لا سيما التي تضمنها قانون المالية لعام 2022، وأشار إلى تعليق ضرائب بنسبة 5 في المئة مفروضة على مواد استهلاكية أساسية، إضافة إلى "إلغاء كل الضرائب والرسوم على التجارة الإلكترونية والهواتف الجوالة الفردية وأجهزة الإعلام الآلي الموجهة للاستعمال الفردي والمؤسسات الناشئة والاكتفاء بالتعريفات المقنّنة حالياً"، مبرزاً أن "الخبازين لن يدفعوا الضريبة على رقم الأعمال بداية من مارس (آذار) المقبل". كما أمر بإعفاء الأجور الأدنى من 30 ألف دينار جزائري (حوالى 200 دولار) من الضريبة على الدخل الإجمالي، موضحاً أن ارتفاع الأجور سمح بالتصدي لآثار التضخم الذي يُقدَّر بحوالى 7 في المئة.
وتحدث بيان الرئاسة الجزائرية عن إمكانية اتخاذ قرارات أخرى تساعد في خفض الأعباء الاجتماعية المفروضة على المواطنين، وأكد أنه جرى تكليف رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن باتخاذ كل التدابير والإجراءات لتفادي آثار الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق الدولية في المواطنين خلال السنة الحالية إلى حين استقرارها. كما تم التشديد على ضرورة عقد اجتماع تنسيقي بين وزير التجارة والأجهزة الأمنية لوضع استراتيجية محكمة للحدّ الفوري من تهريب المواد الغذائية واسعة الاستهلاك عبر كامل الحدود، الأمر الذي يكبّد السوق والاقتصاد الوطنيين خسائر كبيرة.
وذكر تبون أن الدولة تتكفل بتغطية الفارق في الأسعار الخاصة بالمواد الموجّهة إلى المواطنين من قبل الديوان الجزائري المهني للحبوب، وذلك نظراً إلى ارتفاع الأسعار دولياً، وأن السلطات ستشدد المراقبة أكثر على الدعم في قطاع الفلاحة وتربية المواشي بما يخدم استقرار الأسعار لفائدة المواطنين.
وأثارت الخطوة آراء متضاربة بين من يعتبر أن القرارات ضرورية لمواجهة "تضرر" المواطنين من التهاب أسعار المواد الاستهلاكية، وجهات ترى أن الإجراءات تندرج في إطار تخفيف حدة الضغط مع اقتراب ذكرى الحراك في 22 فبراير (شباط)، بينما أثار طرف ثالث معضلة تقنية تتعلق بالصلاحيات الدستورية بعد إقدام مجلس الوزراء على نقض بنود قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان.
نصوص بقواعد عامة
في السياق، رأى أستاذ القانون العام أبو الفضل محمد بهلولي أن "الرسوم التي فُرضت على الشعب لم تكُن محل دراسة دقيقة، وهنا كان من واجب السلطة التشريعية أن تتدخل أمام اقتراح السلطة التنفيذية، إذ كانت إجراءات غير مناسبة"، مضيفاً أن "غياب وزارة التخطيط عن الطاقم الحكومي له أثر كبير في رسم السياسات الاقتصادية للدولة في كل المجالات". وتابع، "من الشكل القانوني لإلغاء الرسوم، فإن قانون المالية جاء برسوم جديدة لكن نصّ عليها بقواعد عامة، ما يعطي وزير المالية صلاحية أن يراسل الهيئات التي تحت وصايته لإعادة النظر في الوضع"، مشيراً إلى أنه "من الناحية الاجتماعية، هناك غلاء يؤثر في القدرة الشرائية للمواطن، بخاصة مع جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصادات العالمية". وختم "الإجراءات من شأنها خفض تكلفة الإنتاج وتؤدي إلى أسعار مقبولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، اعتبر أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي أن "القرارات مهمة خصوصاً بالنسبة إلى المواطن، لأنها ترتبط مباشرة بحياته اليومية، فتوجيه الرئيس تبون بتجميد الضرائب والرسوم على السلع ذات الاستهلاك الواسع، هي متنفس بعد الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، بخاصة أنها تأتي بعد قانون المالية لعام 2022". وقال "طالبنا بضرورة تخفيض الضرائب، فهي معرقلة للنشاط الاقتصادي، وكثرتها تقتل منافعها". وختم أنه يمكن تعويض المبالغ التي كان يُفترض أن تدخل الخزانة من مصادر أخرى، أهمها ارتفاع أسعار البترول الذي ما زالت عوائده تُعتبر مصدراً رئيساً للخزانة العمومية الجزائرية".
شراء السلم الاجتماعي؟
من ناحية ثانية، قال الناشط السياسي مراد بياتور إن "السلطة لم تتصدَّ يوماً لمهمتها الأساسية المتمثلة في إيجاد حلول للمشكلات التي يواجهها المواطن، بل أخذت خياراً آخر يتمثل في التحكم بالمجتمع عن طريق شراء السلم الاجتماعي". واعتبر أن "الخيار هو عبارة عن ربح للوقت فقط، لأنه ليس بإمكاننا معالجة الجرح بمجرد وضع الضماد عليه، بل علينا تعقيمه وعلاجه، ولعل أحسن دليل كان الصفعة التي وجّهها الشعب إلى السلطة في فبراير 2019، إذ في وقتها كانت السلطة الحاكمة تظن أنها متحكمة في المجتمع ولكن الحقيقة أظهرت أن السلطة الحقيقية في يد الشعب". وأضاف بياتور أن "هذه الحلول الترقيعية التي تتسم بتناقضات تسيء إلى سمعة الدولة، ليس بإمكانها أن تضمن كرامة المواطن وتصونها"، مبرزاً أنه "عندما تغيب الكفاءة، فمن الطبيعي أن نجد أنفسنا أمام عشوائية وارتجالية في تسيير الشأن العام. ونتائج هذا التسيير الكارثي ظهرت في الواقع وأثرت في يوميات المواطن".
ومن أجل مواجهة تهاوي القدرة الشرائية ومشكلة البطالة، قال الرئيس تبون خلال لقائه الدوري مع وسائل الإعلام المحلية إن "البطالين الشباب وهم ثلاثة أصناف، الأول خليط بين الشباب والكهول تتكفل بهم وزارة التضامن الوطني، أما الصنف الثاني، فهم الشباب الذين ينتظرون الإدماج، والثالث هم البطالون"، سيستفيدون من منحة البطالة التي ستكون شبه راتب بقيمة 13 ألف دينار، ما يعادل 85 دولاراً بداية من مارس المقبل "لصون كرامتهم"، كما سيستفيدون من "التغطية الصحية كبقية الموظفين"، وذلك في سبيل الرقي والتقدم لمصلحة المواطن.