مواجهات عنيفة بين المتظاهرين قوات الأمن السودانية قرب القصر الرئاسي
تظاهرة مفاجئة اتجهت نحو القصر الرئاسي في الخرطوم شارك فيها آلاف المحتجين المطالبين بحكم مدني ديمقراطي
تسبب إطلاق الغاز بكثافة في وقوع حالات اختناق وسط المحتجين المطالبين بحكم مدني ديمقراطي
اعترضت قوات الأمن السودانية المتمركزة عند مداخل وسط الخرطوم حشود المتظاهرين الذين خرجوا الاثنين 21 فبراير (شباط) في شوارع العاصمة، بقنابل الغاز المسيل للدموع والمياه الملونة لتفريقهم ومنعهم من الوصول إلى القصر الرئاسي وجهتهم الرئيسة، باعتباره رمزاً للسيادة الوطنية. ووقعت اشتباكات عنيفة وعمليات كر وفر بين المتظاهرين والشرطة، بينما تسبب إطلاق الغاز بكثافة في وقوع حالات اختناق وسط المتظاهرين، فيما لقي طفل حتفه دهساً بواسطة سيارة في أحد الحواجز (المتاريس) في ضاحية بري في الخرطوم.
كما شهدت مدينتا الخرطوم بحري وأم درمان تظاهرات مماثلة شاركت فيها مجموعات من الشابات والشبان، إلا أنها قوبلت بعنف مضاد من قبل الأجهزة الأمنية باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع.
وتعد هذه المسيرة، التي دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة تحت شعار "مليونية 21 فبراير"، من أجل المطالبة بحكم مدني كامل من دون مشاركة المكون العسكري، ثالث مسيرات هذا الشهر الذي يتضمن أربعة مواكب حددت لها أيام 7 و14 و21 و28 من فبراير، التي اعتبرتها هذه التنسيقيات خطوة نحو الهدف المنشود (مدنية الدولة).
وتحرك موكب هذه المسيرة عند الساعة الواحدة ظهراً من محطة باشدار التي تجمعت فيها المواكب القادمة من أحياء الخرطوم المختلفة، قبل توجهها صوب القصر الرئاسي، ورفع المتظاهرون خلال سيرهم في المواكب الأعلام الوطنية ورددوا هتافات تطالب بمدنية الدولة خلال الفترة الانتقالية، وذلك رداً على القرارات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بإعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المكون المدني، ما اعتبرته قوى سياسية ومجتمعية انقلاباً عسكرياً. وتتزامن هذه المسيرة مع مسيرات أخرى انطلقت في كل من بورتسودان والقضارف وكسلا ومدني وعطبرة وسنار وكوستي ودنقلا.
وتأتي تظاهرات الإثنين بالتزامن مع وصول خبير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان أداما ديانغ، إلى الخرطوم، الأحد، في أول زيارة رسمية له إلى البلاد تستغرق أربعة أيام، بعد تأجيلها شهراً بناءً على طلب السلطات السودانية.
وقد شنت السلطات الأمنية السودانية حملات اعتقال واسعة طالت ناشطين وسياسيين وأعضاء في لجان المقاومة بلغ عددهم قرابة 200 معتقل معظمهم من دون أي إجراءات قانونية، حسب محامين وحقوقيين سودانيين.
تكميم أفواه
وقالت المحامية إيمان حسن عبد الرحيم، عضو هيئة الدفاع عن المتأثرين بالاحتجاز غير المشروع وشهداء القتل الجزافي، إن "الهيئة رفعت عدداً من المذكرات إلى النائب العام تطالب بإطلاق سراح جميع المحتجزين احتجازاً غير شرعياً خلال الحملة التي شنتها الأجهزة الأمنية وسط الناشطين، بخاصة المحسوبين على لجان المقاومة والنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين تم إيداعهم في عدد من السجون ومقار الشرطة ومواقع غير معروفة، لكن لم تجد الهيئة غير المماطلة والتسويف من قبل الجهات ذات العلاقة، على الرغم من وعود مسؤولين كبار بإطلاق سراح كل من ليس له بلاغ جنائي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينت عبد الرحيم أن أسر هؤلاء المعتقلين لم يتمكنوا حتى اللحظة من زيارتهم والاطلاع على أحوالهم، وأن هذه الحملة هدفها معروف هو تكميم الأفواه وتخويف الشباب والشابات بعدم الخروج إلى الشارع مؤكدة أن الهيئة ستتواصل مع أي جهة معنية بهذا الأمر للمطالبة بالإفراج الفوري عن كل المحتجزين الذين احتجزوا من دون أن تكون في مواجهتهم أي إجراءات قانونية واتخاذ التدابير اللازمة لمنع القبض إلا بواسطة الشرطة وبموجب أحكام القانون، فضلاً عن منع ممارسة القبض الجزافي الذي تقوم به مجموعات ملثمة تنتهك الحقوق وحرمة المنازل والخصوصيات. وأشارت عضو هيئة الدفاع عن المتأثرين بالاحتجاز غير المشروع وشهداء القتل الجزافي، إلى أن الهيئة على أتم الاستعداد للتعاون مع الجهات العدلية من أجل تحقيق سيادة أحكام القانون، وتعتقد أن استقلالية النيابة العامة بتمثل الضامن الوحيد لمنع البلاد من الانزلاق نحو الفوضى وأخذ القانون باليد من خلال إنفاذ أحكام القانون.
تظاهرات مفاجئة
وسبقت مليونية الإثنين، تظاهرة مفاجئة، الأحد، اتجهت نحو القصر الرئاسي في الخرطوم شارك فيها آلاف المحتجين المطالبين بحكم مدني ديمقراطي والإفراج عن المعتقلين والقصاص من قتلة المتظاهرين، لكن قوات الأمن تصدت لها باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والمياه الملونة لصد المحتجين الذين أفلحت مجموعة منهم في دخول شارع قرب القصر الرئاسي قبل أن يتراجعوا تحت ضغط دخان القنابل المسيلة للدموع ووسط انتشار أمني كثيف، بينما شهدت الشوارع المحيطة حالات كر وفر بين المتظاهرين والشرطة.
وشهدت مدن الخرطوم الثلاث، خلال الأيام الماضية، مواكب في أحياء مختلفة وإغلاق شوارع بالأحجار (المتاريس) احتجاجاً على حملة الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.
جمود سياسي
ويسيطر الجمود على المشهد السياسي في البلاد بعد مغادرة المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، الخرطوم، بشكل مفاجئ الخميس 17 فبراير، من دون أن يتمكن من استكمال مهمته التي كانت تتضمن لقاءات مع القوى السياسية والعسكرية في إطار المساعي المبذولة لحل الأزمة المستفحلة في السودان، في وقت تسعى فيه القوى السياسية السودانية لتكثيف جهودها للاتفاق على أسس مشتركة للخروج من الأزمة المستفحلة منذ أكثر من ثلاثة أشهر من دون أن تلوح حتى اللحظة أي بوادر حل لهذه الأزمة.
في المقابل، تؤكد لجان المقاومة استمرار برنامجها التصعيدي ضد ما سمته انقلاب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي أنهى الشراكة التي كانت قائمة بين المدنيين والعسكريين منذ إسقاط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وكان البرهان قدم في وقت سابق رؤية الحكومة لحل الأزمة الراهنة وفق أربعة محاور تشمل إطلاق عملية حوار شامل يضم القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد من دون استثناء، عدا حزب المؤتمر الوطني، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية وإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتواكب متغيرات مشهد البلاد السياسي، والتأكيد على قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
82 قتيلاً
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر حالاً من التوتر جراء تصاعد موجة التظاهرات المتواصلة في الشارع، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل القوات الأمنية أدى إلى سقوط 82 قتيلاً حسب لجنة أطباء السودان المركزية، الأمر الذي وضع الشارع السوداني وقواه السياسية والعسكرية، أمام اختبار صعب في كيفية الخروج من هذه الأزمة التي باتت تتعقد يوماً بعد يوم في ظل تزايد دائرة العنف لحسم وقمع هذه التظاهرات باستخدام الرصاص الحي والمطاطي، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية من ناحية، واتساع الخلاف بين المكونين المدني والعسكري في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية أخرى.
ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس (آب) 2019، فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات في يوليو (تموز) 2023، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاقاً لإحلال السلام في جوبا عاصمة جنوب السودان، في الثالث من أكتوبر 2020.