كشف بحث جديد النقاب عن قارة "مفقودة" ربما شكلت قديماً ممراً يربط قارتي آسيا وأوروبا، وقد انتهى الأمر بانقراض جماعي حدث قبل 34 مليون سنة.
ووفق دراسة منشورة في المجلة العلمية "إيرث ساينس ريفيوز" (Earth-Science Reviews)، أدت مساحة منخفضة من اليابسة امتدت بين آسيا وأفريقيا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، وسميت "بلقانتوليا" Balkanatolia، دور جسر استخدمته حيوانات من فصيلة الثدييات للعبور من آسيا إلى جنوب أوروبا.
يعتقد أن ذلك أفضى إلى قضاء مفاجئ على أنواع حية محلية كانت تسكن تلك القارة، في حدث يسمى "غراندي كوبيور" Grande Coupure (أو "الانقلاب الكبير").
ووفق العالم في الإحاثة [علم يدرس الأجناس الحية القديمة] كي. كريستوفر بيرد، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة وبروفيسور في "جامعة كانساس" University of Kansas، فقد "عرف الناس منذ عقود أن ثدييات آسيوية غزت أوروبا بطريقة ما. أما لم يكن معروفاً فهو كيف فعلت [الحيوانات الثديية] ذلك؟ وأي طريق سلكت؟" حتى بلغت أوروبا.
هكذا، قدم الاكتشاف إجابة محتملة عن تكهنات استمرت سنوات عدة حول السبل التي قادت حيوانات آسيوية أصيلة من الثدييات، اشتملت على أقارب لوحيد القرن، وقوارض، وخيول، إلى استيطان قارة أخرى.
واستطراداً، لقد تتبع فريق البحاثة مسارات سلكتها الحيوانات في هجرتها عبر طريق "بلقانتوليا" مستخدمين حفريات عثر عليها في تركيا ومواقع أخرى في شبه جزيرة البلقان، التي تشكل بقايا القارة الغابرة في القدم المكتشفة حديثاً.
وقبل ما يتراوح بين 34 و55 مليون سنة، خلال فترة عرفت باسم "عصر الإيوسين" Eocene Epoch، توزعت الحيوانات عبر أوراسيا على نحو مختلف تماماً عن المشهد بعد حدوث انتشار واسع للمجموعات الآسيوية الوحيدة الأصل، قبل وقوع "غراندي كوبيور" وخلاله.
ووفق البروفيسور بيرد، فإن "أعداداً كثيرة من الحيوانات التي استوطنت أوروبا طوال ملايين السنين وتدبرت أمرها جيداً، واجهت الانقراض".
وتابع البروفيسور بيرد، "ثمة حيوانات ثديية يبدو واضحاً أنها لا تتحدر من أسلاف لها في أوروبا قد حلت مكان" الأنواع المنقرضة. كذلك توفرت إشارات على أن أمراً غريباً فعلاً كان يحدث".
وفي مثل على ذلك، أشار البروفيسور بيرد إلى أن "بعض الحيوانات التي كانت تستوطن "بلقاناتوليا" لا تجدها ببساطة في أي مكان آخر. من ثم، فإن مجموعات الحيوانات التي تعيش هناك لم يحدث أن سكنت معاً أي منطقة أخرى".
في سياق متصل، وجد البحث أنه منذ نحو 50 مليون سنة مضت، كانت القارة غير المكتشفة سابقاً ذات الطبيعة الجزرية البيوجغرافية، "بلقانتوليا"، تحتضن مجموعة حيوانات فريدة من نوعها، مختلفة عن جيرانها الآسيوية والأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن تحولاً كبيراً طرأ على مناخ كوكب الأرض منذ حوالى 40 مليون سنة، حاملاً معه تحولات تكتونية [الصفائح الجيولوجية الضخمة المتراكمة بعضها فوق بعض] هائلة، واتساع في الصفائح الجليدية، وتقلبات في مستويات سطح البحر، ما أدى إلى ارتباط "بلقانتوليا" بآسيا، ثم جنوب أوروبا. وفي النهاية، تشكل ممراً ضخماً بين المنطقتين.
وبحسب أليكسيس ليخت، العالم في "المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية" الذي تولى الإشراف على الدراسة، "آنذاك، انخفض مستوى سطح البحر بمقدار 70 متراً (ما يساوي حوالى 230 قدماً)، ما يعتبر مستوى هائلاً. وقد تسبب ذلك الحدث بمفرده في نشوء جسور برية عدة، علماً أنها الفرضية الرئيسة التي تفسر الارتباط الجغرافي بين البلقان وأوروبا".
في سياق متصل، تبين أيضاً أن حفريات اكتشفت في تركيا يعود تاريخها إلى ما بين 35 و38 مليون سنة مضت، تتضمن بقايا فك محفوظة ترجع إلى حيوان الـ"برونتوثير" (Brontotheres) الذي ينتمي إلى فصيلة الثدييات ويشبه وحيد القرن الكبير. وتشير تلك المعطيات إلى أن الحيوات الثديية الآسيوية ربما هاجرت إلى أوروبا قبل وقوع حدث الـ"غراندي كوبيور" بخمسة إلى 10 ملايين سنة، أي في وقت أبكر بأشواط مقارنة مع تقديرات سابقة.
وبحسب ليخت، فإن "الموقع الكائن في تركيا ساعد في تأكيد فرضيتنا والتحقق منها، لأن هذا الإطار الزمني يتطابق مع كل المكتشفات الأخرى التي وجدناها في البلقان".
وعلى الرغم من الاكتشافات الاستثنائية حول هجرات الحيوانات الثديية في أوراسيا، ما زالت بعض التساؤلات تدور حول التاريخ المبكر لقارة "بلقانتوليا".
وكذلك يأمل بحاثة في أن مواصلة البحث عن حفريات أكثر قدماً في المنطقة، قد يقدم إجابات على تلك التساؤلات.
وختم البروفيسور بيرد بالإشارة إلى أن "بلقانتوليا تضم حيوانات تعيش جنباً إلى جنب في حين أنها لم تتعايش معاً أبداً في أي منطقة أخرى على وجه الأرض. فكيف حدث ذلك، وكيف تكونت هذه الجزيرة الفريدة والغريبة من نوعها؟".
© The Independent