هل التدليل الزائد للنساء في عالم الفن يفقدهن الأرضية التي كسبنها بجهود مضنية على مدى عقود من النضال للحصول على فرص متساوية مع الرجال؟ فبدلاً من أن تقف المخرجات والممثلات على المستوى نفسه مع زملائهم من المخرجين والممثلين، أصبحت هناك بعض الشروط التي تميزهن ووضعتها أكاديميات كبرى مانحة للجوائز، وكأنهن بحاجة إلى دعم إضافي وإلى من يأخذ بأيديهن، وبالتالي فبعض المتابعين يعتبرون هذا تراجعاً وليس انتصاراً، بل ويشككون في التقدير المبنى على تلك المعايير من الأساس.
هذا الجدل لم يتوقف منذ أن عدلت الجوائز الفنية الشهيرة خلال السنوات الأخيرة من لوائحها لتتماشى مع متطلبات حركات مثل "أنا أيضاً" (مي تو) عقب اتهامات بالتحيز ضد النساء، وتوجت بالشروط التي اعتمدتها قبل عامين الأكاديمية الأميركية لعلوم وفنون الصور المتحركة (أوسكار)، حين جعلت الترشيح لأفضل فيلم مرهوناً بتحقيق عدد من النقاط، من بينها تمثيل النساء خلف أو أمام الكاميرا.
سوابق تاريخية وتشكيك في الأحقية
بالتزامن مع يوم المرأة العالمي وموسم الجوائز لا يزال الجدل دائراً، خصوصاً بعد أن أصبحت هناك سوابق تاريخية متعددة في ما يتعلق بوجود أسماء النساء في ترشيحات وسباقات الجوائز، واتهامات بأن إدارات تلك المؤسسات تغازل بعض الحركات والمؤسسات الأهلية من أجل كسب الرضا والدعاية الإيجابية.
وبالطبع هناك جوائز وترشيحات مستحقة، لكن فكرة محاولة زيادة تمثيل المرأة في قوائم الجوائز أصبحت تثير الارتباك وتهضم حق كثيرات منهن وتطرح شبهة "المجاملة"، إذ أصبح هناك تقليد عام بمنح النساء والأقليات العرقية فرصاً أكبر، وهو أمر يزيد من الحيرة، بخاصة أن العمل الفني يجب أن يكون جيداً ومميزاً أولاً، بغض النظر عن "بيانات جواز سفر" المشاركين فيه، ليلقى الدعم والإشادة والتكريم، وأن مثل تلك الاعتبارات على الأغلب تضر أكثر ما تفيد.
هذا الشد والجذب على ما يبدو لن ينتهي قريباً، لكن بنظرة سريعة على قائمة "أوسكار" النهائية 2022 نجد أن هناك سوابق تاريخية إيجابية احتفى بها النقاد، بينها أن أصبحت جين كامبيون، أول امرأة تترشح لجائزة أفضل مخرج مرتين، المرة الأولى عام 1994 عن فيلمها "The Piano"، وأخيراً عن فيلم "The Power of the Dog"، وهو العمل المرشح لجائزة أفضل فيلم أيضاً، إذ سيقام الحفل في الـ 28 من مارس (آذار) الحالي.
كما شهدت جوائز "غولدن غلوب" التي أقيمت في يناير (كانون الثاني) الماضي سابقة أخرى، وهي فوز الممثلة العابرة جنسياً إم جي رودريغيز عن دورها في مسلسل "Pose" بجائزة أفضل ممثلة لتكون سابقة غير معهودة أيضاً.
و"غولدن غلوب" كانت تعهدت بإجراء إصلاحات جذرية في هيكلها بعد اتهامات لهيئتها بالعنصرية والتحيز ضد الأقليات بشكل عام.
انتقادات لمعايير الـ "أوسكار"
ومع ذلك لا يزال هناك من يرى أن إلزام لجان اختيار الجوائز بالنظر إلى شروط معينة ليست فنية من قريب أو بعيد، مثل التمثيل العادل للعرقيات المختلفة والنساء ومراعاة التنوع، وهو أمر غير مفهوم، وبينهم الممثلة كريستي آلي التي وصفت مثل هذه القرارات بأنها بمثابة وصمة عار، مؤكدة أنها تعارض أي إلزام بنسبة مئوية محددة في ما يتعلق بتوظيف فئات بعينها، واعتبارها شرطاً أساساً للقبول بأي عمل.
ومثلها كان رأي المنتج جيمس وودز الذي اعتبر شروط الـ "أوسكار" المؤهلة للترشح لجائزة أفضل فيلم والمقرر العمل بها رسمياً بعد عامين قواعد مجنونة، لافتاً إلى أن عدداً من أهم الأفلام السينمائية التي حصلت على تلك الجائزة من الأكاديمية خلال سنوات سابقة لو أعيد تقديمها، فلن تحقق أي تقدير وفقاً للمعايير الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رد الاعتبار
لكن المتابع لقوائم الفائزين بالجوائز الفنية خلال العامين الأخيرين سوف يكتشف بسهولة أن هناك أكثر من مفارقة، أثارت الاهتمام في ما يتعلق بتقدير النساء خصوصاً خلف الكاميرا، فالعام الماضي صنعت المخرجة الصينية كلوى تشاو التاريخ كأول مخرجة آسيوية تحصل على جائزة "أوسكار" أفضل إخراج، وثاني مخرجة على الإطلاق تحصل على الجائزة بعد كاثرين بيغلو عام 2010 عن فيلمها "The Hurt Locker".
كما حصل فيلم كلوي "Nomadland" على جائزة الأفضل، وأيضاً حازت بطلته فرانسيس مكدورماند جائزة أفضل ممثلة دور رئيس، إذ وجد النقاد أنه رد اعتبار للمخرجات والأقليات معاً بعد سنوات من التهميش، خصوصاً في فئة أفضل إخراج.
وفي العام نفسه نال الفيلم الجوائز الكبرى في "بافتا" و"غودلن غلوب"، كما كانت يوه جونغ يون أول كورية جنوبية تفوز بجائزة "أوسكار" في نسختها الـ 93 كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "Minari" وثاني آسيوية على الإطلاق في تاريخ الجائزة تنال هذا التقدير.