تُلاحق تهم التمويل الأجنبي عدداً من الأحزاب في تونس، ومن بينها "حركة النهضة"، و"قلب تونس". وقرّر قاضي التحقيق فيما يعرف بقضية "اللوبيينغ"، إحالة "حركة النهضة"، في شخص ممثلها القانوني، وكل من ثبت ضلوعه في إبرام عقد الاستشهار من قيادات الحزب، إلى المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس، من أجل "الحصول على تمويل أجنبي، لحملة انتخابية، وقبول تمويل مباشر مجهول المصدر".
وجاء في بلاغ صادر عن مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية في تونس، أن "القضية التحقيقية المنشورة بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، والمتعلقة بتمويل الحملة الانتخابية التشريعية لعام 2019، والمعروفة بقضية "اللوبيينغ" قد خُتم البحث فيها بتاريخ يوم الجمعة 11 مارس (آذار) 2022".
وكان أحد قضاة التحقيق قد تحول يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إلى المقر المركزي لـ"حركة النهضة" بالعاصمة، واحتجز "الخادم الإلكتروني" (Servor)، التابع للحركة، من أجل نقل محتواه وإجراء الاختبارات الفنية اللازمة، في إطار "التحقيق بهذه القضية التي رفعها ضدها الوزير السابق محمد عبو، والتي اتهم فيها (النهضة) بالتعاقد مع شركة دعاية أميركية قبيل انتخابات 2019".
"عقود لوبيينغ" بنحو 500 ألف دولار
وكشفت وسائل إعلام عدة في تونس، عن عقود لوبيينغ (مجموعات ضغط)، أبرمتها الحركة مع شركات أجنبية، للقيام بحملات لصالحها، بغرض تحسين صورتها والتلاعب بالرأي العام، وذلك اعتماداً على ما كشف عنه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019.
وتعاقد حزب "حركة النهضة" الإسلامي عام 2014 مع شركة الدعاية والضغط BCW الأميركية لمدة أربع سنوات بمبلغ مالي قدره 285 ألف دولار.
وتم تجديد هذا العقد، ليمتد من 16 يوليو (تموز) 2019، إلى 17 ديسمبر (كانون الأول)، من السنة نفسها، بمبلغ قدره 187 ألف دولار، وهو ما اعتبرته المحكمة شبهة تمويل أجنبي على معنى الفصل 163 من القانون الانتخابي.
العقوبات قد تصل إلى حل الحزب
ويمنع مرسوم الأحزاب في تونس في فصله التاسع عشر تلقي أموال بشكل مباشر وغير مباشر، نقدية أو عينية صادرة عن جهة أجنبية.
كما يمكن وفقاً للفصل 28 من المرسوم ذاته، تعليق نشاط الحزب السياسي، في مرحلة أولى لمدة لا تزيد على 30 يوماً، وفي مرحلة لاحقة يتم حل الحزب المعني بالتمويل الأجنبي بطلب من رئيس الحكومة.
وأكد أستاذ القانون العام، والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن التهم الموجهة إلى "حركة النهضة"، في حال ثبوتها، "ستترتب عنها تداعيات تمس مباشرة الحزب، حيث يمكن للقاضي المتخصص حل الحزب، ومصادرة أمواله وممتلكاته، لأن مصدر الأموال فاسد، كما يمكن أن تمس العقوبات قيادات الحزب، والتي قد تصل فيها الأحكام إلى السجن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الخرايفي، أن "مجرد التحقيق في مصادر أموال (حركة النهضة) خطوة جريئة من القضاء التونسي"، الذي اعتبر أنه "تحرر من الضغوط السياسية، حيث إن الحركة طالما كانت في منأى عن المساءلة القانونية طيلة سنوات".
ويشير أستاذ القانون إلى "وجود تعقيدات تقنية في مثل هذه القضايا"، لافتاً إلى أن "القانون التونسي المتمثل في مرسوم الأحزاب لا يستوعب التطورات التكنولوجية لأن الزمن الرقمي ليس هو نفسه الزمن التشريعي"، داعياً إلى "سن قانون ثوري ينظم عمل الأحزاب ويضمن شفافية العملية الانتخابية، بالتالي يصون الديمقراطية، من شوائب المال الفاسد، وجهات الضغط التي تؤثر في إرادة الناخب".
"حركة النهضة" استفادت من "عقود اللوبيينغ"
في المقابل، شدد الباحث في القانون الدستوري، على أن "حركة النهضة" التي تتبرأ من "عقود اللوبيينغ" في الخارج، كان عليها أن "تصدر بياناً في الحين، تعلن فيه أن لا علاقة لها بـ(عقود اللوبيينغ) في الخارج، أما وإنها مستفيدة من هذه العملية، والفائدة قد حصلت، فهي مسؤولة عما اقترفته وعما حصلته من نتائج هذه العقود".
ويرجح رابح الخرايفي أن يتضمن مرسوم تنظيم الأحزاب الجديد الذي قد يصدر قبل الانتخابات التشريعية المقبلة فصولاً "تمنع كل من فتح في شأنه بحث قضائي حول التمويل الأجنبي من الترشح إلى الانتخابات".
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، أكد أن "محكمة المحاسبات هي محكمة، وليست جهازاً إدارياً، والتقرير الذي أصدرته يحتوي على العديد من التجاوزات"، مشيراً إلى أن التقرير "أكد وجود تمويل أجنبي لحملات انتخابية لعدد من الأحزاب".
"النهضة" تنفي علاقتها بـ"اللوبيينغ"
في المقابل، تنفي "حركة النهضة" أي صلة لها بالجهات التي أبرمت "عقود اللوبيينغ" خارج التراب التونسي، معتبرة ما قامت به تلك الجهات "مبادرات فردية لا علاقة لها بالحركة في تونس".
وأكد عضو المكتب التنفيذي لـ"حركة النهضة" والمكلف الإعلام والاتصال، عبد الفتاح التاغوتي، في تصريح خاص، أنه "لم يتم بعد رسمياً إعلام الحركة من قبل النيابة العمومية بقرار الإحالة إلى التحقيق"، لافتاً إلى أن "الحركة وقياداتها ملتزمون بالقانون، وهي على ذمة القضاء في هذا الملف".
وشدد التاغوتي على أن "(حركة النهضة) لا علاقة لها بالتمويل الأجنبي، وبـ(عقود اللوبيينغ)"، مشيراً إلى أن "بعض مناصري الحركة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، أبرموا العقد في إطار ما يسمح به قانون تلك الدول".
وأكد أن "العقد تم توقيعه من أجل التصدي لحملات التشويه، ومحاولات تصنيف الحركة كحركة إرهابية من قبل بعض اللوبيات في تلك الدول، وأن العقد لم يؤثر في الانتخابات في تونس".
واتهم المكلف الإعلام والاتصال في "حركة النهضة"، "بعض الأطراف بتوظيف ذلك الملف للنيل من (حركة النهضة)"، مشيراً إلى أن "الحركة لها ما يكفي من الأدلة لتقديمها للقضاء لدحض هذه التهم، داعياً القضاة إلى عدم الرضوخ للضغط".