فيلم "باتمان" (أو الرجل الوطواط) الجديد اليوم جيد بما يكفي كي يضمن مقاماً رفيعاً بين سلسلة أفلام هذا البطل الخارق. وكانت ثلاثية "دارك نايت" (الفارس الأسود) Dark Knight التي صنعها كريستوفر نولان، قد جاءت عظيمة وناجحة، بيد أن هذا الفيلم الجديد هو "الباتمان" The Batman (مع التأكيد على أل التعريف). أي إنه الفيلم المتمحور حول (البطل الخارق) شخصياً. البطل الذي يألفه المعجبون به. وهو ذاك الذي يستخدم مهاراته كمحقق للتعامل مع القضايا الشائكة وحلها، وذلك قبل أن يقوم بمعالجة وجه المجرم بقبضته. أجل، قد توحي هذه الأشياء بأعمال صبيانية، وبألغاز "شرير" [حرفياً "ذا ريدلير" The Riddler، أي الشرير الذي يظهر في كتب الكرتون الأميركية] غير معقدة كثيراً في الحقيقة. كما أن خاتمة هذه القصص قد تأتي مخيبة بعض الشيء، وليست على مستوى التوقعات، لكن في الإجمال هذا العمل الجديد يمثل فيلم "باتمان" الذي طالما انتظرناه – مغامرات في أجواء سوداوية تنعقد أمامنا، وتقدم لنا شخصية بليونير مهووس يرتدي ثياب الوطواط. إذن الآن، وبعد أن أنجزت هذه القصة، يمكننا أخيراً منح هذه السلسلة وقتاً كي تلتقط أنفاسها، أليس كذلك؟ لكن الجواب: لا. أنتم مخطئون.
وفيما لا يلجأ فيلم "ذا باتمان" The Batman الجديد إلى منهاج استديوهات "مارفيل" المتمثل بالإيحاء بتكملة قادمة عبر تقديمها مسبقاً لائحة بالمشاركين في السلسلة، إلا أنه يلمح إلى ما ينتظرنا. هذه تفاصيل عليكم بالتأكيد أن تصرفوا النظر عنها الآن إن لم تشاهدوا الفيلم بعد. وإن شاهدتموه فإني أتحدث هنا عن الظهور الموجز لـ باري كوغان بدور الـ"جوكر" The Joker، الذي سيعود بالتأكيد في مرحلة ما كي يشاكس "باتمان" روبرت باتينسون. وفي الواقع كان كل من باتينسون والمخرج مات ريفس قد عبرا سلفاً عن رغبتهما في صنع ثلاثية من الأفلام في مدينة غوثام الجديدة والقاحلة، التي تبقينا بأجواء أفلام الوطواط على مدى عقد السنوات المقبل، لكن مع بن أفليك الذي يبقى عليه الظهور لآخر مرة كـ"فارس أسود" بفيلم "ذا فلاش" The Flash هذا العام، ومع أداء مايكل كيتون لصيغته من هذه الشخصية في الفيلم ذاته، ومع العودة المرتقبة لفيلم "المرأة الوطواط" Batgirl، فإننا في الحقيقة، وفعلاً نشارف على بلوغ الحد الأقصى من قصص الوطواط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ طوال العقود القليلة الماضية كاد "الوطواط" يعجز عن التقاط أنفاسه. فقد رأيناه على الشاشة الكبيرة لـ12 مرة مشهودة منذ 1989 (وهذا يتضمن أفلام "ليغو" Lego)، من دون الحديث عن إصدارات الفيديو المنزلي لعدد كبير من أعمال الأنيميشن [التحريك] الطويلة. وذاك يعادل تقريباً فيلم "باتمان" كل سنتين ونصف. إنها وتيرة أسرع من وتيرة بطولات كأس العالم (لكرة القدم). وماذا يحدث عندما نكدس الكثير من الأعمال المتتابعة والمكملة لبعضها بعضاً ضمن هذا الوقت القصير؟ نصاب بخيبة أمل متوقعة. خيبة تتمثل بـ فال كيلمير وجورج كلوني يرتديان بذلات الوطواط بارزة الصدر.
وكان كريستوفر نولان كرم ثلاثية "باتمان" – "باتمان بيغينز" Batman Begins (2005)، "ذا دارك نايت" The Dark Knight (2008)، و"ذا دارك نايت رايزيز" The Dark Knight Rises (2012) – بأفلام ينطبق عليها هذا المنطق. وبدا الأمر لبعض الوقت كأن أفلامه روت عطشنا لمغامرات الوطواط مرة وإلى الأبد، إذ جاءت طريقته الفلسفية والواقعية في التعامل مع مادته الأولية بمثابة المقاربة الأمثل التي يمكن تحقيقها، لكن بعد مرور سنوات قليلة، وإثر الصدمة النسبية التي سببها فيلما زاك شنايدر "باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة" Batman v Superman: Dawn of Justice و"عصبة العدالة" Justice League، عادت هذه الشخصية ووجدت نفسها مرة أخرى بحاجة إلى ترميم [الانبعاث في حلة جديدة].
والآن إذ يأتي "ذا باتمان" كي يوفر هذا الأمر، فإن ما يحتاج إليه فعلاً هذا البطل يتمثل باستراحة هانئة ومديدة. إذ على الضد من المتطلبات المنهكة أبداً لثقافة جمهور كتب الرسوم المصورة، فإنه ما من حاجة دائمة لأن يكون هناك "رجل وطواط" يتحضر للظهور. ويمكن قول الكلام ذاته بالنسبة لـ"سوبرمان" الذي من المنتظر أن يحظى بإنتاج جديد من قبل "جي جي أبرامس" JJ Abrams قبل أن يقوم هنري كافيل، من حقبة شنايدر، بالإعلان رسمياً عن ترك الدور. أليس جميلاً إن سُمح لنا بالانتظار وقتاً أطول قبل أن ترمى في وجهنا صيغة جديدة من هذه الشخصية؟، بيد أن "ذا باتمان" قد يمثل انتصاراً – وهو حقق أيضاً نتائج جيدة في شبابيك التذاكر، مسجلاً 128.5 مليون دولار أميركي (97 مليون جنيه استرليني) في الأسبوع الأول من انطلاقه، ليحل في المرتبة الثانية من حيث الارباح خلال فترة الجائحة بعد فيلم "سبايدر مان: نو واي هوم" Spider-Man: No Way Home – إلا أنه ليس من الأفلام التي تحتاج إلى جزء جديد في الحال. هو بالتأكيد لا يحتاج بعد "خمس دقائق" إلى عملية إعادة إحياء عبر ممثل جديد. فاصل الثماني سنوات الذي جاء بين "باتمان أند روبن" Batman and Robin (1997) وبين "باتمان بيغينز" Batman Begins (2005)، هو ما يحتاج إليه "الفارس الأسود" في الحقيقة. والآن إذ بات أمامنا الأداء الحاسم لهذا البطل الخارق الذي كنا ننتظره، حان الوقت للإنسحاب إلى كهف الوطواط مرة أخرى.
© The Independent