كشف رئيس الجمهورية قيس سعيد عن أن نسبة 82 في المئة من التونسيين يريدون نظاماً رئاسياً، انطلاقاً مما أفرزته النتائج الأولية للاستشارة الإلكترونية الوطنية التي شارك فيها 500 ألف تونسي وتونسية.
وفي الواقع تلتقي هذه النتائج مع مشروع سعيد الذي يسعى إلى وضع نظام سياسي جديد في تونس يقوم على نظام رئاسي، واقتراع على الأفراد في دورتين إلى جانب تنقيحات دستورية أخرى.
ودفع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور خلال العشرية الماضية في ظل نظام برلماني معدل التونسيين إلى الحنين للنظام الرئاسي، وكأنه المخلص من حال تونس المتردية، فلماذا يحن التونسيون دوماً إلى النظام الرئاسي؟ وهل يمكن لهذا النظام أن يحقق الرفاه للتونسيين؟
عقود من النظام الرئاسي
لم تشهد تونس في تاريخها السياسي المعاصر منذ الاستقلال وإلى العام 2011، أي طوال نصف قرن، غير النظام الرئاسي مع أول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة (1956-1987)، ثم مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011)، واعتاد التونسيون على هذا النظام وسكن الوجدان الشعبي، كما تعودت مؤسسات الدولة وأجهزتها على هذا النظام، ولم تنسجم بالشكل المطلوب مع النظام البرلماني المعدل الذي توزعت بمقتضاه السلطات بين ثلاث مؤسسات للحكم، وهي البرلمان والحكومة والرئاسة.
كما سئم التونسيون طوال عقد ما بعد 2011 النزاعات حول الحكم والصراعات الحزبية في البرلمان التي وصلت حد تبادل العنف إلى جانب عدم الاستقرار الحكومي، وعرفت البلاد أكثر من 10 حكومات في أقل من 10 سنوات، ولذلك يرون أن الحل هو في النظام الرئاسي الذي قد يحول دون احتداد الصراع المحموم على الصلاحيات.
السلطة مشخصنة في الزعيم والقائد
ويُرجع أستاذ علم الاجتماع جلال التليلي حنين التونسيين للنظام الرئاسي إلى "ثقافة كامنة في المخيال السياسي العام الموروث عن الأنظمة السياسية التي تداولت على تونس، وكانت فيها السلطة مشخصنة في شخص الزعيم أو القائد أو الرئيس"، ويضيف أستاذ علم الاجتماع أن "اللاوعي السياسي ارتبط بمكانة الزعيم والقائد، على غرار الدور الذي اضطلع به الزعيم الحبيب بورقيبة، على الرغم مما مارسه من تسلط في إطار زعاماتي، كما حافظ الرئيس السابق زين العابدين بن علي على المسار نفسه وعزز سلطاته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبرز التليلي أن "الاستعمار الفرنسي أسهم بدوره في تكريس النزوع نحو النظام الرئاسي، إذ كان الحبيب بورقيبة يشبه نفسه بالرئيس الفرنسي شارل ديغول"، لافتاً إلى أن الفشل الذريع للمنظومة التي حكمت بعد 2011 في ظل نظام برلماني معدل هي التي استدعت فكرة العودة للنظام الرئاسي في الوجدان الشعبي التونسي.
وحول ما إذا كان النظام الرئاسي سيحقق الرفاه للتونسيين يستبعد جلال التليلي أن يكون "الحل السحري لتونس هو في طبيعة النظام السياسي، طالما أن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تتغير"، داعياً إلى "ضمان الاستقرار السياسي والعمل على تغيير المنوال التنموي والسياسات العمومية والمنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تكون مبنية على التوازن والعدالة الاجتماعية ومجابهة الفقر".
الحل في النظام المزدوج
من جهته، يرى أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي أن "ما يروج اليوم في تونس حول النظام الرئاسي غير واضح، لأن هذا النظام يفترض وجود برلمان قوي، إضافة إلى التناسق الجدي بين الحزب الأغلبي ورئيس الجمهورية، بينما في تونس وصل رئيس الجمهورية إلى الحكم من دون أن يكون له حزب سياسي، وهي سابقة"، وذكر أن "النظام الذي اعتمدته تونس بعد الاستقلال هو نظام رئاسي مختلط، اعتمد آليات عدة من النظام البرلماني، ثم اتجه النظام مع زين العابدين بن علي إلى نظام رئاسوي يتسم بتغول السلطة التنفيذية على حساب سلطة البرلمان".
وأشار إلى أن "الأنظمة الأكثر انتشاراً في العالم هي الأنظمة البرلمانية، وأن النظام الرئاسي لم ينجح إلا في الولايات المتحدة"، مستبعداً أن ينجح هذا النظام في تونس، ومرجحاً احتمال تحوله إلى نظام رئاسوي، معتبراً أن ما يقوم به قيس سعيد هو "مشروع استبداد".
ودعا الحوكي إلى "اعتماد نظام مختلط يأخذ تقنيات وآليات النظام الرئاسي ويستلهم من أدوات النظام البرلماني"، لافتاً إلى أن "نص الدستور التونسي هو من أفضل النصوص، وما على الدولة إلا تنزيل تلك النصوص على أرض الواقع".
يذكر أن عدداً من الأحزاب والمنظمات دعت في وقت سابق إلى مراجعة نظام الحكم في تونس وتوزيع متكافئ للسلطات من أجل وضع حد للصراع على الحكم، واستناداً إلى ما أفرزته نتائج الاستشارة الوطنية يعتزم رئيس الجمهورية سعيد إدخال تعديلات على الدستور من أجل تغيير نظام الحكم، إلا أن التخوف السائد اليوم في تونس هو عودة الديكتاتورية والاستبداد، لذلك يعول التونسيون على دور المجتمع المدني والمنظمات والإعلام في أن يكونوا سداً منيعاً أمام أي محاولة للعودة بتونس إلى مربع الديكتاتورية والاستبداد.