اتهم مسؤولون وأجهزة أمن في إقليم كردستان العراق مَن وصفوها بأنها "ميليشيات خارجة عن القانون"، بالوقوف وراء الهجمات المتكررة التي تستهدف منشآت نفطية قرب مدينة أربيل، داعين الحكومة الاتحادية في بغداد إلى معالجة الفراغ الأمني وإجراء تغييرات على مستوى القيادات العسكرية في محافظة نينوى، فيما اعتبرت واشنطن تلك الهجمات "اعتداءً على سيادة البلاد".
وتعرض قضاء خبات، غرب محافظة أربيل، مساء الأحد، الأول من مايو (أيار) الحالي، لهجوم صاروخي دون تسجيل خسائر بشرية، هو الثاني من نوعه تتعرض له البلدة منذ 6 أبريل (نيسان) الماضي، عندما سقطت 3 صواريخ على أرض زراعية قرب مجمع "كوروسك" ونهر الزاب الكبير ومصفى "كوروكوسك".
ويبعد قضاء خبات الواقع ضمن حدود الإقليم عن مركز محافظة أربيل نحو 40 كيلو متراً غرباً، ويقع على الطريق الواصل بين أربيل ونينوى، وتتبعه ثلاث نواحٍ وعشرات القرى.
وأكد مسؤولون أكراد أن الهجوم كان موجهاً لاستهداف مصفاة نفط مملوكة لشركة "كار"، ويرأسها رجل الأعمال، الشيخ باز البرزنجي، الذي تعرض منزله في مدينة أربيل الواقع على بُعد بضعة كيلو مترات عن مبنى القنصلية الأميركية قيد الإنشاء، لهجوم بتسعة صواريخ باليستية منتصف مارس (آذار) الماضي. وتبنى "الحرس الثوري" الإيراني حينها، القصف، وقال إن المنزل "عبارة عن مقر لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)". إلا أن لجنة تحقيقية من البرلمان الاتحادي كانت أعلنت في تقرير لها أنها "لم تجد أي أدلة أو أدوات مشبوهة في الموقع الذي تعرض للقصف، ولم نلحظ ما يثبت أن المنزل الذي تعرض للقصف استُخدم في أي نشاط سياسي". واعتبرت أن ذلك الهجوم يشكل "انتهاكاً للأعراف والقوانين الدولية".
فراغ أمني
وقال مجلس الأمن في إقليم كردستان، إن "هذه الهجمات أصبحت تتكرر من قبل مجموعات خارجة عن القانون، تحديداً في منطقة بقضاء الحمدانية، تقع بين مقر فوج المغاوير التابع لقيادة عمليات نينوى وبين مقر مسلحي العصائب (عصائب أهل الحق) في برطلة واللواء 30 في الحشد الشعبي، وتقع هذه المناطق تحت سيطرة القوات الاتحادية، وهي قريبة من المقار الثابتة للقوات المسلحة الاتحادية". وحضّ البيان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على "تطهير هذه المنطقة من الإرهابيين والعصابات، حيث باتت منطلقاً وبؤرة للهجوم على إقليم كردستان".
وقال محافظ أربيل للصحافيين خلال معاينته للأضرار، مساء الأحد، إن "بعض وسائل الإعلام ذكرت أن القصف تم بواسطة قذائف كاتيوشا، وهو غير صحيح، بل كانت ستة صواريخ استناداً إلى بُعد المسافة عن مكان إطلاقها"، مؤكداً أن "الحكومة العراقية هي المسؤول الأول عن تكرار مثل هذه الهجمات، وعليها اتخاذ إجراءات فعلية في تنفيذ الاتفاقية الخاصة لملء الفراغ والتراخي الأمني القائم، وإذا كانت لها النية لمعرفة الجهة الفاعلة فمن السهل تحقيق ذلك، لأن أحد الصواريخ انفجر في موقع الإطلاق"، لافتاً إلى "وجود صنفين من الإرهابيين، أحدهما يعود لبقايا تنظيم (داعش)، والثاني يعود للميليشيات، والبصمات تشير إلى أن هذا النوع من الهجمات تنفذه الميليشيات".
في المقابل، تعهدت "خلية الإعلام الأمني" في بيان، ملاحقة مَن وصفتهم "بعصابات الإرهاب والجريمة". وقالت إن "هدفها هو التأثير على إمدادت الطاقة الكهربائية في هذا التوقيت تحديداً"، وكشفت عن أن "قوة أمنية أثناء بحثها عن المنفذين ومنصات الإطلاق، عثرت على منصة محشوة بأربعة صواريخ قرب منطقة الفاضلية في ناحية بعشيقة في سهل نينوى".
وسبق لطهران وفصائل عراقية "شيعية" مُوالية لها أن شنّت هجمات صاروخية عدة استهدفت مصالح أميركية في العراق أبرزها قواعد عسكرية قرب مطار أربيل الدولي وفي محافظة الأنبار، عقب مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني ونائب رئيس "الحشد الشعبي" في العراق أبو مهدي المهندس في يناير (كانون الثاني) 2020.
ردود فعل غاضبة
ولقي الهجوم ردود فعل ومواقف إدانة محلية ودولية، حيث تعهد رئيس الحكومة العراقية لزعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني في اتصال هاتفي، ملاحقة "عصابات الإرهاب والجريمة التي نفذت الاعتداء الجبان"، مشدداً على أن "الشعب العراقي في كل مكان ستزيده هذه الجرائم وحدةً وقوة وعزيمة على هزيمة الإرهاب والتمسك بالقانون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، اعتبر أن "الاكتفاء بالتعبير عن إدانة هذه الهجمات لا يكفي، لأن تكرارها يشكل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار"، مشدداً على أن "الحكومة الاتحادية مسؤولة عن الإسراع في وقف الاعتداءات عبر التنسيق مع الإقليم".
ودعا رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، الكاظمي، إلى "إبداء موقف جدي وعملي، واتخاذ ما يلزم لمعاقبة المجاميع المخربة الخارجة عن القانون، وتشكيل لجنة مشتركة للسيطرة على تلك المناطق التي باتت تشكل تهديداً لاستقرار الإقليم وأمنه والعراق". وغرّد مسرور بارزاني، القيادي البارز في "الحزب الديمقراطي" عبر "تويتر"، متسائلاً، "إلى متى يستمر هذا الاستهتار وتحدي سلطة الدولة وأمن البلاد من قبل مجموعات طائفية مسلحة؟". وقال إن "عيدية الفصائل المسلحة والخارجة عن القانون لشعب كردستان كانت رشقة صواريخ".
من جهته، قال نائب رئيس البرلمان الاتحادي عن حزب بارزاني، شاخوان عبد الله، إن "الصواريخ أُطلقت من ناحية برطلة التابعة لقضاء الحمدانية (شرق الموصل)، وسقطت قرب نهر بادينان، وكانت تستهدف مصفى شركة كار (النفطية)، ما يشكل خرقاً أمنياً كبيراً لا يمكن السكوت عنه، وضرباً متعمداً للبنى التحتية لقطاع الطاقة في البلاد"، داعياً الكاظمي إلى "محاسبة المقصرين وإجراء تغيير للقيادات الأمنية والعسكرية في نينوى التي فشلت في ضبط الأمن ومنع الخروقات، مع وجود مجاميع مسلحة منفلتة خارجة عن القانون تتحرك للأسف بكل حرية داخل المحافظة". وأوضح عبد الله أن البرلمان "سيتخذ كافة الإجراءات القانونية والدستورية لاستجواب القادة، وعليه يجب مراجعة الملف الأمني، والتنسيق أمنياً وعسكرياً بين القوات الاتحادية وإقليم كردستان، لسد الفراغات والإمساك بالأرض".
ويربط مراقبون بين الهجمات والأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ ستة أشهر جراء الخلاف حول تشكيل حكومة جديدة، ويعتبرون أنها رسائل تحذير موجهة من قبل فصائل شيعية مسلحة موالية لإيران ضد حزب بارزاني، على خلفية اتهامه بالتسبب بتشتيت "البيت الشيعي" في أعقاب تحالفه مع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتحالف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
في المقابل، يرى آخرون أن أربيل "تمادت" في ضرب مصالح طهران الإقليمية، من خلال تكثيف مساعيها أخيراً لتصدير الغاز إلى تركيا، ومن ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي ضمن مساعٍ لإيجاد بدائل عن الغاز الإيراني والروسي، في خضم الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
اعتداء على السيادة
في السياق، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، أن الهجوم "يُعد تطوراً مقلقاً آخر". ودعت "قادة العراق إلى العمل متحدين لمواجهة مثل هذه الأعمال العدوانية التي تسعى إلى زعزعة أمن البلاد واستقرارها".
كما أعلنت السفارة الأميركية في بغداد، أن "الهجمات في العراق، بما في ذلك على قطاع الطاقة، تُعد اعتداءً على سيادة العراق، وتضر بالمواطنين العراقيين"، معربةً عن وقوف واشنطن "مع الشعب العراقي، ومواصلة العمل لضمان أمن واستقرار وسيادة الدولة العراقية".
كذلك، دان السفير البريطاني في بغداد، مارك برايسون ريتشاردسون، الهجوم عبر تغريدة في "تويتر". وقال إن هذه الهجمات "غير مقبولة، ولا تخدم مصلحة أحد"، داعياً الجميع إلى "العمل من أجل أمن العراق واستقراره".