أعادت عملية "إلعاد"، التي نفذها فلسطينيان، وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة آخرين، الأبحاث الأمنية الإسرائيلية حول التعامل مع الوضع تجاه الضفة وحركة حماس إلى مربعها الأول. وجاءت العملية بعد ساعات قليلة من انتهاء الاحتفالات الإسرائيلية بما يسمى "عيد الاستقلال" ومرور 74 عاماً على إقامة إسرائيل.
وبعد تقييم أمني للوضع بمشاركة رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير الأمن بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، وقادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، تقرر إعادة البحث في سياسة التعامل مع "حماس" وقيادة الحركة، وأصدروا قراراً بتمديد الإغلاق في الضفة، ليشكل عقاباً جماعياً للفلسطينيين بمنعهم من التنقل أو مغادرة بلداتهم حتى الأحد، إلى حين انتهاء جلسات تقييم أخرى للوضع.
ونشرت إسرائيل صور شابين فلسطينيين بادعاء أنهما نفذا العملية، وهما أسعد الرفاعي (19 سنة) وصبحي أبو شقير (20 سنة)، من قرية رمانة بمدينة جنين، وطالبت بمساعدتها في القبض عليهما. وبحسب ما توصلت إليه الجهات الأمنية الإسرائيلية، هرب الاثنان بعد تنفيذ العملية عبر الأحراش، مع توقعات بعودتهما إلى الضفة، حيث تقع بلدة "إلعاد"، بمحاذاة الخط الأخضر.
ارتباك وتناقضات
"إلعاد" مدينة إسرائيلية أقيمت في أقرب نقطة من الخط الأخضر، ويسكنها حوالى خمسين ألف متشدد ديني، لذلك اعتبر سياسيون إسرائيليون اختيارها لتنفيذ تلك العملية بمثابة رسالة واضحة بعد أحداث الأقصى، والاعتداء على المصلين من قبل المستوطنين وجماعات من المتشددين دينياً.
كبقية العمليات التي وقعت منذ شهر ونصف الشهر في إسرائيل، وقُتل فيها 18 إسرائيلياً، أظهرت تلك العملية حالة ارتباك بين الأجهزة الأمنية والشرطة والاستخبارات على وجه الخصوص، وحتى ساعة متأخرة من مساء الخميس، كانت هناك روايات متناقضة حول تنفيذ العملية، حتى توصل المسؤولون في الأجهزة الأمنية إلى أنها نُفذت بسلاح بارد.
المؤكد هو استخدام الفأس في العملية، وهي أداة لم يسبق وأن استخدمت في تنفيذ عمليات فلسطينية ضد إسرائيليين، وبحسب روايات شهود عيان في منطقة العملية، هاجم أحد منفذيها المارة وهو يصرخ "الله أكبر"، وكان يوجه ضرباته إلى رأس مستوطن. أما الثاني، تقول الروايات إنه استخدم سكيناً طعن به إسرائيليين.
وكانت الشرطة تلقت بلاغاً فور إصابة أول إسرائيلي، ولم يُعلم إذا ما وصلت في الوقت المناسب، وكان ذلك محور نقاش وانتقادات للشرطة، حيث تبين أن منفذي العملية تنقلا من مكان إلى آخر لفترة غير قصيرة قبل أن يهربا. ورجحت التحقيقات الأولية أن المنفذين يعرفان منطقة إلعاد. وفور وصولهما هاجما شخصاً في سيارة، ثم هاجما سائقين وأشخاصاً آخرين في شوارع البلدة. وواصلا طريقهما باتجاه متنزه ألعاب وملعب كرة سلة، حيث تواجد سكان من البلدة، وهناك هاجما حارساً أصيب بجروح خطيرة، بعد ذلك فرا من المكان، وخلال ذلك هاجما سائقاً في موقف سيارات، أصيب بجروح طفيفة، ثم اختفت آثارهما.
الروايات الإسرائيلية متناقضة، إذ تقول إحداها إنهما استقلا السيارة التي وصلا بها وهربا، وأخرى تتحدث عن دخولهما منطقة الأحراش ومن هناك عادا إلى الضفة.
وكانت قوات إسرائيلية معززة من الشرطة والجيش وحرس الحدود والقوات الخاصة، وصلت البلدة، وانتشرت في مداخل البلدة، علماً بأنه لا يوجد لـ"إلعاد" سوى مدخل واحد رئيس وآخر لا يستخدم، وكان أول فشل للشرطة، كما ذكر مسؤول أمني، أنها لم تغلق المدخلين؛ ما سهّل هروب منفذي العملية عبر أحدهما، في حال كانت الرواية الصحيحة الهرب بالسيارة وليس من الأحراش، كما يعتقد البعض.
الفشل الإسرائيلي الآخر في هذه العملية هو استخباراتي، فعلى الرغم من التقارير التي أصدرها جهاز الشاباك ومسؤولون في الاستخبارات حول السيطرة على الوضع بعد العمليات التي نُفذت خلال الفترة الأخيرة، وزيادة القيود والإغلاق والتفتيشات المشددة، وإحكام جدار الفصل العنصري، إلا أن تلك التشديدات لم تمنع وقوع العملية.
"حماس" والسنوار الهدف المقبل
مع تصعيد التوتر في الأقصى، خلال أيام عيد الفطر والسماح لمجموعات المستوطنين بالوصول إليه تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، ومن ثم وقوع اعتداءات على المسجد والمصلين الفلسطينيين وإصابة العشرات بالاختناق والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، زادت احتمالات التصعيد الأمني، ومع إطلاق تصريحات لزعيم حركة "حماس"، يحيى السنوار، التي هدد فيها إسرائيل واعتبر الأقصى خطاً أحمر، داعياً الفلسطينيين إلى قتال الاحتلال الإسرائيلي بـ "البندقية والساطور والبلطة"، رفعت الأجهزة الأمنية حالة الاستعداد والتأهب في مختلف المناطق الإسرائيلية، ومع استخدام الفأس في "إلعاد"، حمّل الإسرائيليون السنوار مسؤولية العملية.
ومنذ صباح الجمعة، أعاد الإسرائيليون تسليط الضوء على كلمة السنوار، ونُشر المقطع الذي دعا فيه إلى "مقاتلة الاحتلال بالبندقية والساطور والبلطة". ودعا نواب في الكنيست إلى اغتياله بشكل فوري، فيما دعا آخرون إلى تنفيذ عملية واسعة في غزة، لتصفية قادة "حماس". وطالب النائب المتطرف، إيتمار بن غفير، سلاح الجو، بقصف بيت السنوار بالصواريخ وقتله مع أفراد عائلته.
من جهته، قال رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، بعد جلسة تقييم الوضع الأمني، إن "أعداءنا خرجوا إلى حملة قتل اليهود حيث يتواجدون وهدفهم كسر معنوياتنا، لكنهم سيفشلون وسنضبط جميع المخربين والداعمين لهم من حولهم وسيدفعون الثمن".
أما غانتس، فهدد بدفع ثمن باهظ للعمليات والتحريض عليها، بالتلميح إلى تصريحات السنوار. وقال وزير الخارجية، يائير لبيد: "لن نخضع للإرهاب. لن ندع الإرهابيين يخيفوننا. ستصل قوات الأمن إلى القتلة ومرسليهم ليصفوا معهم الحساب"، أما وزير المالية، أفيغدور ليبرمان فدعا إلى "عدم الاستسلام أو التعامل بتهادن مع الإرهاب في شوارع إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عباس يدين
من جهة أخرى، أدان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عملية "إلعاد" كما جدد إدانته للاعتداءات المتواصلة "بحق شعبنا ومقدساته الإسلامية والمسيحية، والتي خلقت أجواء التوتر وعدم الاستقرار". وقال عباس إن "قتل المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يؤدي إلا إلى المزيد من تدهور الأوضاع، في الوقت الذي نسعى فيه جميعاً إلى تحقيق الاستقرار ومنع التصعيد". وحذّر عباس من "استغلال العملية للقيام باعتداءات وردود فعل على شعبنا الفلسطيني من قبل المستوطنين وغيرهم".
واعتبرت الفصائل الفلسطينية العملية رداً واضحاً على الاعتداءات في الأقصى، وعقّب الناطق باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، قائلاً إنها جزء من "غضب شعبنا على اعتداءات الاحتلال بحق المقدسات، واقتحام المسجد الأقصى لا يمكن أن يمر من دون عقاب".
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقالت في بيان لها إن "العملية هي تعبير مكثّف عن رد شعبنا ومقاوميه على الاعتداءات واقتحامات الأقصى ومحاولات تهويد القدس".