عادت قضية "الهجرة غير النظامية" إلى صدارة النقاش والجدل في المغرب، إذ يتحدث المغاربة عن ظاهرة "الحريك" لرياضيين إلى بلدان أوروبية، بعد واقعة فرار تلاميذ مشاركين في منافسة دولية للجري الريفي في سلوفاكيا قبل أيام، حيث إن 8 منهم لم يعودوا رفقة البعثة الرياضية إلى البلاد، وفضلوا المكوث في البلد الأوروبي كمهاجرين غير نظاميين.
وعلى الرغم من نيل هؤلاء التلاميذ الرياضيين ميداليات عدة في بطولة العالم المدرسية للعدو الريفي، التي شهدتها سلوفاكيا بين 23 و27 أبريل (نيسان)، بعدما حصدوا مراتب متقدمة أمام 15 بلداً مشاركاً، إلا أن مسؤولي البعثة الرياضية المغربية لم يتمكنوا من العثور على 8 منهم "اختفوا" فجأة عن الأنظار.
قصص "رياضيين حراكة"
ويُضاف هؤلاء التلاميذ العدائون إلى سلسلة رياضيين مغاربة اختاروا "الهجرة غير الشرعية" إلى أوروبا، عن طريق المشاركة في منافسات دولية، ثم "الاختفاء" عن الأنظار ليصبحوا مهاجرين سريين بحثاً عن مستقبل يكون أفضل من الواقع الذي يعيشونه في بلدهم الأم.
وراجت قبل أيام، أخبار عن ملاكم مغربي شارك في بطولة دولية في جمهورية التشيك في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، واختار الهجرة السرية، بعد فراره من مقر البعثة الرياضية المغربية، ليشاهَد بعد ذلك في أماكن عدة في ذلك البلد.
وعمد ملاكمون مغاربة في السابق أيضاً، إلى "الحريك" إلى بولندا خلال مشاركتهم في بطولة العالم للشباب في أبريل 2021، عندما اختار ملاكمان الفرار من البعثة الرياضية وعدم العودة إلى بلدهما، ليبحثا لهما عن مسار معيشي ومهني آخر في ديار الغربة.
هذه القصص أعادت إلى أذهان العديد من المغاربة الصورة الشهيرة التي راجت لبطل رياضة التايكوندو، أنور بوخرصة، عندما تعمد تصوير نفسه على متن قارب صغير يمخر عباب البحر من المغرب صوب إسبانيا، في شكل آخر من أشكال الهجرة السرية للرياضيين المغاربة نحو "الفردوس الأوروبي المنشود".
وفي ذات السنة، سلك لاعب كرة القدم اسمه علي حبابا، نفس مسار بطل التايكوندو، حيث اختار قارباً بمعية شباب آخرين، ليصلوا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن من دون تصوير نفسه في "زورق الموت"، عازياً خطوته إلى تخلي فريقه الكروي عنه خصوصاً أنه ضحى بدراسته لأجل اللعب، فضلاً عن وضعيته الاجتماعية الصعبة.
سمعة الرياضة المغربية
وانتقل موضوع "الحريك الرياضي" في المغرب إلى البرلمان عندما وجهت النائبة نادية تهامي سؤالاً كتابياً إلى وزراء في الحكومة، مفاده أن ظاهرة "الحريك" أو الهجرة غير الشرعية، التي تتسم بالمشقات والمخاطر حين تتم بالطرق المعهودة أي التخفي والتسلل والمغامرة عبر المعابر والحدود الدولية البرية والبحرية"، إلا أنها تتسم باليُسِر والأريحية حينما يتعلق الأمر بـ"الحْريكْ الرياضي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق سؤال البرلمانية، فإن "استغلال المشاركات الرياضية الدولية بنية تحقيق حلم الهجرة، أضحى خياراً آمناً ومضموناً". وأردفت، أن "تسرب هذا السلوك إلى قطاع رياضي مؤَطَّر أخلاقياً ومؤسساتياً، يمس بسمعة الرياضة المغربية، بما قد يُصعِّبُ التعاون الرياضي الدولي مع بلدنا على مستوى منح التأشيرات لمشاركة الفرق والرياضيين".
وقال الباحث المهتم بالهجرة، محمد بن عيسى، إن "ظاهرة هجرة الرياضيين خصوصاً القاصرين منهم مستغلين مناسبات ومنافسات رياضية في الخارج تُعزا إلى عوامل متعددة تتفاعل في ما بينها لتنتج في النهاية جيلاً من فاقدي الأمل في بلدهم".
واستطرد بنعيسى قائلاً، إن "سبب هذه الظاهرة يعود إلى وجود مجتمع ودولة عاجزَين عن دمج هذا الجيل، وإعطائه جرعة مستقبل مشرق"، مضيفاً أنه "بالقدر الذي أصبحت مؤسسات الأسرة والمدرسة عاجزة عن القيام بدورها، أضحى خطاب الإحباط منتشراً في العالم الافتراضي، ما يسهم في ارتفاع ظاهرة هجرة الرياضيين، خصوصاً القاصرين منهم".
البحث عن العيش الكريم
من جهته، رأى الباحث في السياسات الرياضية، الدكتور منصف اليازغي، أن "ظاهرة هجرة الرياضيين ليست جديدة كما أنها ليست مرتبطة بالمغرب فقط"، مسجلاً أن ما يجعل من هذه الظاهرة حديث الألسن هو مواقع التواصل الاجتماعي التي بلغت حد تصوير رياضيين أنفسهم وهم على قوارب الهجرة غير الشرعية". أما بخصوص دوافع هجرة الرياضيين غير النظامية إلى بلدان أوروبا وأميركا، فأفاد اليازغي، بأن الممارسة الرياضية لا تضمن العيش الكريم في المغرب، وبالتالي هي ممارسة مؤقتة في انتظار الحصول على عمل". وتابع أن "رياضات مثل التايكوندو والكاراتيه أو فنون الحرب عموماً لا يمكن أن يحقق مزاولها مستقبلاً مهنياً مشرقاً، إذ إن أقصى ما يصل إليه بطل دولي هو أن يفتح قاعة رياضية يكون فيها مدرباً ومؤطراً".
ويسترسل الخبير، بأن "غالبية الرياضيين لا يمتد مشوارهم الرياضي طويلاً، فيفضلون الهجرة إلى بلدان أخرى، لكن هذه الهجرة لا تكون من أجل الاستمرار في ذات الممارسة الرياضية، حيث غالباً ما يتوجهون إلى العمل في تلك الدول في مهن أخرى أسوة بباقي المهاجرين المغاربة، ما يعني أن هذا الرياضي يتحول من صاحب قدرات مميزة إلى مجرد مهاجر سري في دول أوروبا".
القفز على المراحل
ويكمل اليازغي تحليله بالقول، إن "بعض الرياضيين في ألعاب القوى يحاولون القفز على المراحل، بمعنى أنهم يصطدمون بآفاق مسدودة في البلاد على الرغم من إمكانياتهم الكبيرة، ويجدون أن دخول المنافسات الدولية باسم المغرب صعب جداً بالنظر إلى وجود أبطال مغاربة كبار في مضمار ألعاب القوى، فلا يتأهلون لتمثيل المغرب في هذه المنافسات".
وتبعاً لذات المتحدث، فإن "مثل هذا الرياضي إما أنه يلجأ إلى استعمال المنشطات لتحسين أدائه، وهو ما يدمر مستقبله المهني، أو أنه يبحث عن حمل جنسية بلد آخر للتألق في صفوفه، أو الهجرة غير النظامية بشكل نهائي إلى دولة أخرى لامتهان أي عمل أو وظيفة أخرى غير الرياضة".
وشدد اليازغي على أن "تلك الظاهرة تتعلق بسياسة الدولة في المجال الرياضي، فعلى الرغم من رفع شعارات الدراسة والرياضة، لكنها لم تنجح إلى حد الآن في ضمان سياسة تجمع الدراسة والرياضة، إذ غالباً ما يختار الشاب أحد المسارَين، لأنه لا يمكن الجمع بينهما، وبالتالي يصعب عليه الحصول على مؤهل أو شهادة دراسية ذات قيمة في حالة فشله الرياضي". وقال، إنه "في فرنسا مثلاً توجد آفاق واسعة في إطار التسويق الرياضي أو الإدارة على مستوى التكوين والجانب التقني، لكن في المغرب تظل هذه الآفاق غير واضحة بما يكفي، ما يصعّب على الرياضة أن تحتوي مؤهلات الرياضيين المغاربة الشباب على مختلف مستوياتهم".