أبلغت قوى الحرية والتغيير في السودان اليوم السبت الوسيط الإثيوبي محمود درير، قرار رفضها التفاوض المباشر مع المجلس العسكري الانتقالي الذي اتخذته بالإجماع، في اجتماع موسع انتهى في ساعة متأخرة فجر اليوم، على أن يكون التفاوض فقط عبر الوسيط الأفريقي ممثلاً في الاتحاد الأفريقي أو الوسيط الإثيوبي أو الاثنين معاً، فيما سيقوم الوسيط الإثيوبي اليوم بتسليم رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ما توصل إليه من محادثات ومقترحات لحل الأزمة السياسية السودانية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
رفض التفاوض مع المجلس العسكري
وأرجع وزير الخارجية السابق والقيادي في قوى الحرية والتغيير السفير إبراهيم طه أيوب في حديث لـ "اندبندنت عربية"، قرار رفض التفاوض مع المجلس العسكري إلى مسؤوليته المباشرة في ارتكاب مذبحة اعتصام القيادة العامة التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، مما يجعل الجلوس مع من غدر بنفر من شعبه أمراً غير مقبول، مؤكداً أن الاجتماع قرر أن يكون أي اتفاق موقع مع المجلس العسكري بوجود الوسيط الأفريقي والإثيوبي وليس منفرداً لضمان تنفيذه كاملاً، وأن لا يلتقي قوى الحرية والتغيير منفرداً مع المجلس العسكري إلا في حالة واحدة، هي عند تسليم السلطة للحكومة المدنية. وأشار السفير أيوب إلى أن الوسيط الإثيوبي أبلغهم بتراجع المجلس العسكري عن اتفاقه السابق مع قوى الحرية والتغيير، إذ طلب أن يصادق على الحكومة المدنية قبل إعلانها أي أن يكون له الحق في الموافقة والرفض على الوزراء المرشحين للوزارة الجديدة، فضلاً عن مطالبته بأن يكون مجلس السيادة من 15 عضواً يكون مناصفة بين الطرفين بينما يكون العضو الـ 15 من الشخصيات القومية، وأن تكون ولاية رئاسة المجلس السيادي مناصفة على أن يتولى المجلس العسكري رئاسة الفترة الأولى ومدتها 18 شهراً. لافتاً إلى أن قوى الحرية والتغيير تتجه لتشكيل مجلس قيادي (سيادي) يتكون من 25 شخصاً يضم كل المكونات المنضوية تحت لوائه على أن يتم تقسيم عضويته وفق الوزن السياسي.
الوفد الأميركي
وحول لقاء قوى الحرية والتغيير بالوفد الأميركي الذي زار الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي ممثلاً في مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية تيبور ناغي والمبعوث الخاص للسودان السفير دونالد بوث وما أسفرت عنه، أكد السفير إبراهيم أيوب أن الوفد الأميركي أكد دعمه لتشكيل حكومة مدنية تحكم الفترة الانتقالية وتعمل على تصفية كل أركان النظام السابق. كما أكد التعاون الأمني والإغاثي والإنساني مع النظام الديمقراطي الجديد، والعمل على محاربة الفساد، فضلاً عن إيقاف تجارة البشر. وأشار إلى أن الوفد وعد بحزمة مساعدات لدعم الحكومة السودانية الجديدة، أهمها إعادة النظر في وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتقديم المساعدات الاقتصادية من خلال إغلاق ملف المقاطعة الاقتصادية والمالية والمصرفية كاملاً، والانفتاح المباشر مع السودان بخاصة من ناحية تبادل السفراء مما يجعل العلاقات الثنائية بين البلدين قوية ومتينة. ونوّه أيوب إلى أن الوفد الأميركي ربط مساعدته للحكومة السودانية الجديدة بضرورة الابتعاد عما أسمته بالدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية، والعمل على المساعدة في موضوع الأمن الإقليمي لأن أي استقرار أمني سيؤثر في المنطقة بأكملها والعالم أيضاً. كما أوضح بأن الوفد حثهم على عدم قطع طريق التفاوض مع المجلس العسكري وبقية القوى السياسية خارج قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى مواصلة التواصل مع سفراء الدول العربية المهمة كمصر والسعودية والإمارات وقطر، لما لها من علاقات وجذور تاريخية مهمة يصعب الانفكاك أو الابتعاد عنها.
مؤتمر لدعم السودان
وأوضح السفير أيوب أن الوفد الأميركي أطلعهم بالتحرك لدعم السودان ومساعدته من خلال مؤتمر سينظم في 19 الشهر الحالي بالعاصمة الألمانية برلين، يحضره أصدقاء الولايات المتحدة في العالم، بينهم دول الجوار في العالم العربي والأفريقي، بخاصة السعودية والإمارات ومصر وقطر، لمناقشة كل القضايا السياسية والاقتصادية المتعلقة بالسودان، ووضع تصور ومقترحات محددة للمساعدة في حلها. ولمح وزير الخارجية السابق إلى أن زيارة الوفد الأميركي لعبت دوراً كبيراً في كبح جماح مظاهر العنف الأمني، الذي كان يمارس في شوارع الخرطوم وتهدئة الأوضاع على كل المستويات، نظراً إلى موقع واشنطن السياسي والاقتصادي وتأثيرها على مستوى العالم، باعتبارها دولة عظمى تسعى إلى تحقيق الاستقرار في العالم. وتوقع القيادي بقوى الحرية والتغيير أن تشهد العلاقات السودانية- الأميركية قفزة نوعية في المستقبل القريب، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة المدنية الجديدة، نظراً لموقع السودان الذي يتوسط القارة الأفريقية وما يمتلكه من موارد طبيعية كبيرة، مستبعداً أن ينزلق السودان نحو العنف مهما استبد المجلس العسكري، الذي حمله ما حدث من تجاوزات أمنية أدخلت البلاد في هذا النفق المظلم. في المقابل، يشهد الشارع السوداني حالة ترقب لما تسفر عنه حالة الانسداد السياسي في أعقاب توقف المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، في الوقت الذي بدأت الحياة تدب بشكل عادي، فضلاً عن استقرار الأوضاع الأمنية بعد انسحاب القوات الأمنية من بعض الطرقات الرئيسية بالعاصمة الخرطوم.