في ليلة 14 مايو (أيار) الحالي، تحولت السماء في مدينتَي، مصياف بريف حماه الغربي (وسط سوريا) وبانياس الساحلية (غرب) إلى كتل من نار جراء قصف مباغت نفذته مقاتلات إسرائيلية طاولت مواقع عسكرية وُصفت بالحساسة، ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى بين عسكريين ومدنيين، من بينهم طفلة.
القصف والرد السريع
أحال القصف الأخير الشارع إلى طرح تساؤلات عدة بعدما تكررت الاعتداءات لتصل إلى حدود لا تُطاق من استباحة الأجواء السورية، بالإضافة إلى الموقف الروسي المتفرج من قصف لطالما بررته تل أبيب بملاحقتها وضربها مواقع ومجموعات إيرانية أو أخرى تابعة لها. إلا أن الحادثتين الأخيرتين لم تكونا كغيرهما من الهجمات الإسرائيلية على أهداف تركزت جنوب ووسط البلاد، إذ كشفت تقارير إعلامية في تل أبيب مجريات ما حدث، موحية بوجود توتر روسي – إسرائيلي متزايد.
ودرجت العادة أن تتعامل وسائط الدفاع الجوي السورية مع تلك الغارات بالصواريخ المصرّح لها، لكن الهجوم على مخازن أسلحة، لم يمر كغيره، إذ أُعطيت أوامر للقاعدة الروسية على الساحل السوري بتفعيل أنظمة "أس 300" الصاروخية، في سابقة، وشاركت في التصدي للعدوان، بينما أشارت تقارير أخرى إلى إطلاق الصواريخ من غواصة روسية.
من جهتها، تشي رواية الاستخبارات الإسرائيلية بعدم إصابة الصواريخ المضادة هدفها المنشود، بينما لم يصدر أي تأكيد أو نفي لتلك الأنباء عن وزارة الدفاع الروسية أو مَن يمثلها في مركز المصالحة الروسية المسؤولة عن العمليات الحربية في قاعدة حميميم المطلة على البحر المتوسط.
ويعتقد مراقبون أن هذا التطور له أبعاد خطيرة، فعلاوةً عن كونه إشارة إلى زيادة حدة التوتر بين البلدين، ستنعكس على الأرض السورية عاجلاً أم آجلاً، فإنه يوحي بتلويح روسي بإمكانية استخدام منظومتَي الصواريخ "أس 300" و"أس 400" وإصابة الهدف لاحقاً، لا سيما ما صرح به الكرملين في أكثر من رسالة وجهها إلى تل أبيب "عن كون الجولان أرضاً سورية"، بعد اصطفاف إسرائيل إلى جانب أوكرانيا في الحرب الدائرة منذ 24 فبراير (شباط) الماضي.
برودة العلاقات متواصلة
في غضون ذلك، عزا المحلل السياسي الروسي، الدكتور رولاند بيجاموف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، التوتر الذي طرأ على العلاقات بين روسيا وإسرائيل إلى "التصريح الشهير عن النازية واليهود، لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف والرد الإسرائيلي عليه. ولا يزال الموضوع يواصل تداعياته حتى الآن".
وعبر بيجاموف عن اعتقاده بأن "العلاقات الروسية - الإسرائيلية تمر بنوع من البرودة على غير ما كانت عليه في السنوات السبع الماضية، منذ تدخل روسيا في سوريا، من تنسيق واتفاقات غير مبرمة، لكنها ملزِمة للجانبين لتجنب الحوادث العرضية أثناء العمليات القتالية. وكانت روسيا في ذلك الوقت تلعب دوراً إيجابياً من وجهة نظر إسرائيل من حيث ردع الزحف الإيراني نحو الجنوب السوري، وهو ما يصب في صالح تل أبيب".
ورأى كذلك أن "العلاقات تعثرت في الفترة الأخيرة بخاصة بعد ما أصبحت إسرائيل تميل إلى الجانب الأوكراني في الأزمة الأخيرة حتى قبل العملية العسكرية في أوكرانيا، وهذا بالطبع سيؤثر في نوعية العلاقة بين الروس والإسرائيليين في سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خبراء الموساد في أوكرانيا
وفي هذا الصدد، توقع الباحث الروسي في شؤون العلاقات الدولية والسياسية، أن "تعيد موسكو النظر في سياساتها في ما يخص تصرفاتها وعملياتها في سوريا، باتجاه منع الجانب الإيراني من الانتشار في المناطق الجنوبية وحتى القوات الموالية لإيران. ربما سيتم تعزيز الجيش النظامي السوري، لسبب رئيس يتعلق بما وصل من معلومات تشير إلى تورط متطوعين إسرائيليين من أصل أوكراني، وأيضاً خبراء من الموساد إلى جانب القوات الأوكرانية في هذا الصراع".
سلاح إسرائيلي خطير
إزاء ذلك، تتهيأ القواعد العسكرية الروسية والخبراء الروس في سوريا لإعادة ترتيب تموضعها، لا سيما ما يصل من معلومات عن حالة استنفار وتنقلات لجنرالات روس بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
ويُرجَّح أن تتبدل الخطط القتالية التي كانت معتمَدة منذ وصول الخبراء والقوات الروسية إلى سوريا منذ عام 2015. ويرى متابعون للشأن السوري أنه "في حال بقيت الأوضاع في هذا الاتجاه يمكن أن تهتم القوات الروسية أكثر بالجنوب السوري، المتاخم للحدود الإسرائيلية".
ولفت بيجاموف إلى "تخطيط إسرائيلي وتنسيق حربي مع كييف أفضى إلى هذا التوتر، إذ أفادت معلومات عن موافقة إسرائيل على تسليم إستونيا القوات الأوكرانية منظومة صواريخ أف 5 جي أس أس، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي تضم صواريخ مضادة للسفن ويمكن استخدامها لتدمير الأهداف على البر أيضاً". وقال "هذه المنظومة تطوير لمنظومة غابريل الخامس الإسرائيلية، ومدى رميها يصل إلى 300 كيلومتر، أي أكثر بضعفين من منظومة نبتون، الأوكرانية الصنع".
وبالتالي إذا تأكدت هذه الأنباء ونُقلت هذه المنظومة إلى أوكرانيا، فستشكل بالتأكيد خطراً حتى على القاعدة الروسية البحرية في شبه جزيرة القرم، وسيُعتبر ذلك إخلالاً بالتوازن العسكري هناك، والملفت كذلك أنه ربما تكون هذه المنظومة نُقلت إلى إستونيا قصداً بتخطيط إسرائيلي لاستخدامها في أوكرانيا، ما سيدفع القوات الروسية الجوية إلى السعي لتدميرها.
ويُتوقع أن تتجه العلاقات الروسية - الإسرائيلية نحو مزيد من التدهور، وفق بيجاموف، وربما قريباً، لا سيما بعد ما روِّج في الداخل الإسرائيلي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتذر في مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي عن تصريحات لافروف.
الورقة الضاغطة
في المقابل، لا تستبعد أوساط سياسية مراقِبة للمشهد العملياتي في سوريا، اشتباكاً وشيكاً قد يحدث بين منظومة الصواريخ الروسية والمقاتلات الإسرائيلية في جولات قادمة، لتبقى الأراضي السورية، لا سيما مسرح العمليات على الحدود الجنوبية، ورقة ضاغطة على تل أبيب بعد حضورها في العمليات الأوكرانية، وهذا المشهد المعقد من الممكن أن يتيح الفرصة لـ"نشاط مقاوم" في الجولان إن لزم الأمر.