في جولة مفاوضات جديدة تستضيفها العاصمة الأردنية عمان، يبحث الفرقاء اليمنيون عن فرص جديدة للتوافق حول فتح الطرقات والمعابر الموصلة من محافظة تعز وإليها (جنوب غربي)، فيما يأمل ملايين المدنيين في أن تخترق المشاورات جدار الحصار والعزلة التي تعاني منها المدينة المكتظة بالسكان، كما يُعدّها المجتمع الدولي فرصة مؤاتية لبناء خطوات سلام شامل ودائم في البلد المعذب بالحرب التي دخلت عامها الثامن.
اهتمام وقيادات
واكتمل اليوم الأربعاء، عقد الوفد الحكومي المشارك، في حين سبقه الوفد الحوثي الذي وصل أمس الأول على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة، بعد أسابيع من التأجيل المشروط، وذلك للتفاوض رسمياً برعاية أممية حول فتح أحد المعابر الرئيسة بمدينة تعز المحاصرة، بإشراف المبعوث الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ بموجب دعوة رسمية وجهتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى الطرفين.
وتشترط الميليشيا الشروع أولاً في فتح مطار صنعاء والسماح لسفن الوقود بالوصول إليها قبل الحديث عن المأساة الإنسانية للسكان، في حين تعتبر الحكومة الشرعية الجانب الإنساني أولوية وتتهم الحوثيين بمحاولة شرعنة سيطرتهم على الأرض التي يحكمون قبضتهم عليها بقوة السلاح.
وكان ملاحظاً اهتمام الجماعة المدعومة من إيران بالمفاوضات الخاصة بتعز من خلال أسماء وفدها المشارك الذي يضم قيادات راديكالية في الميليشيا، إذ ضم الوفد كلاً من يحيى الرزامي وحسين ضيف الله ومحمد المحطوري وشكري مهيوب وعبده نعمان، إضافة إلى القيادي عبدالله الحاكم الذي يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، ويكنّى بـ "أبو علي الحاكم" ووصفه التقرير الصادر عن فريق الخبراء الأممي التابع لمجلس الأمن الدولي بأحد أبرز منتهكي حقوق الإنسان في اليمن، كما وصفه بـ"الذراع الأمنية والعسكرية الطولى للميليشيا المدعومة من إيران" وهو قائد حملة الهجوم الحوثي المستميت منذ أكثر من عام على مدينة مأرب، (شرق البلاد).
وتحمل دلالات مشاركة "أبو علي الحاكم" للمرة الأولى في مفاوضات أممية رسالة تلخص الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها ملف محافظة تعز ذات التركيبة الاجتماعية المدنية التي تشكل، وفقاً لمراقبين، غالبية مناهضة للمشروع الحوثي في الشمال اليمني.
إلى ذلك، قالت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للحكومة الشرعية، إن من المقرر أن يجتمع وفد الحكومة الشرعية بغروندبرغ "من أجل التحضير لبدء مفاوضات رفع الحصار عن تعز".
إحياء الأمل
وتأتي هذه المستجدات في الوقت الذي تقترب الهدنة الأممية في اليمن من نهايتها، وسط جهود أممية وحكومية للبناء عليها وتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار والشروع في إحياء مسار الحوار السياسي الذي توقف عملياً منذ التوقيع على اتفاق السويد الخاص بالحديدة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 بعد الرفض الحوثي المتكرر لدعوات السلام، وآخرها رفضه حضور المشاورات اليمنية - اليمنية التي جرت برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بمقره في الرياض مطلع أبريل (نيسان) الفائت، وتمخضت بإصدار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي قراراً بتشكيل مجلس قيادة رئاسي توافقي يتولى إدارة شؤون البلاد في المرحلة المقبلة.
تعنت الرواتب والطرق
من جانبه، اتهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الحوثيين أمس الثلاثاء، بـ"استمرار التعنت والمماطلة في فتح معابر تعز للتكسب من عائدات سفن المشتقات النفطية"، إضافة إلى "رفضهم دفع رواتب الموظفين"، في إشارة إلى اتفاق استوكهولم الذي ينص على فتح المعابر ودفع رواتب الموظفين من الإيرادات التي تتحصل عليها الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظتي تعز والحديدة.
وأشار الرئيس العليمي، خلال لقاء مع السفير الهولندي لدى اليمن بيتر ديريك هوف، ونائبة المدير العام للتعاون الدولي في وزارة الخارجية الهولندية بيرجيتا تازي لار، وفقاً لـ"سبأ"، إلى التعاون الذي أبداه مجلس القيادة في دعم جهود الأمم المتحدة من أجل إنجاح الهدنة.
التوجس من نوايا الحوثي
وقبل أن يحزموا حقائبهم إلى عمان، كان لرئيس الوزراء معين عبد الملك لقاء بالوفد الحكومي، شدّد خلاله على "عدم السماح لميليشيا الحوثي بتشتيت النقاشات في المباحثات كعادتها والتركيز على رفع حصارها المفروض على تعز بشكل عاجل ومن دون أي شروط".
وفي استعراض لمآلات المفاوضات السابقة، قال إن مماطلة ميليشيا الحوثي وتنصلها من تنفيذ ما يخصها وفق الهدنة، يضعان المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام مسؤوليتهما في تسمية من يعرقل السلام ويعمق معاناة اليمنيين الإنسانية واتخاذ عقوبات رادعة ضد الميليشيا.
وفي اللقاء، قدم رئيس الوزراء الملاحظات والتوجيهات للوفد الحكومي، وسط "تنفيذ الحكومة كل ما عليها من التزامات بموجب مقتضيات الهدنة الأممية".
وكانت الأمم المتحدة دعت في وقت سابق إلى مفاوضات بين الجانب الحكومي وجماعة الحوثي لمناقشة فتح الطرقات والمعابر في عدد من المناطق اليمنية، وعلى رأسها تعز التي يفرض الحوثيون منذ أواخر عام 2015 حصاراً خانقاً عليها من مواقع تمركزهم في الضواحي الشمالية والشرقية والغربية، ما أدى الى إعاقة حركة التنقل للسكان المحليين ودخول الإمدادات الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى المدينة المكتظة بالسكان وهو ما تنفيه الجماعة.
وطالبت الحكومة إلزام ميليشيات الحوثي بنود الهدنة وفك الحصار عن تعز وتسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها من عائدات النفط، كما دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على الميليشيات الحوثية وداعميها لوقف إطالة أمد الحرب وما نتج بسببها من زيادة معاناة المواطن اليمني وتهديد استقرار دول الجوار والمنطقة وممرات الملاحة البحرية.
إغاثة المدينة
إلى ذلك، قال رئيس الفريق الحكومي المفاوض في هذا الملف عبد الكريم شيبان إن "النقاشات ستركز على فتح الطرق المغلقة في محافظة تعز، ورفع المعاناة التي يكابدها السكان جراء الحصار الذي يفرضه الحوثيون عليها".
ونقلت الوكالة الصينية "شينخوا" عن شيبان قوله إن "هدفنا هو إعادة فتح الطرق كما كانت قبل بدء حرب الحوثيين على المحافظة عام 2015"، مشيراً إلى ما تعانيه المدينة "من معضلات أخرى جراء الحصار الذي يفرضه الحوثيون".
في لمحة عما يعانيه السكان جراء الحصار، أوضح رئيس الوفد الحكومي أن "هناك قضايا أخرى غير الطرق تتمثل في منع الحوثيين وصول إمدادات المياه من منطقة الحيمة" شمال شرقي المحافظة، التي تضم أهم آبار المياه والتي تشكل المصدر الرئيس لتغذية خزانات المدينة التي تمد السكان بمياه الشرب في محافظة تُعرف بندرة كبيرة في المياه الصالحة للشرب.
وبحسب المسؤول اليمني، يقطع الحوثيون أيضاً منذ أعوام خطوط نقل التيار الكهربائي الواصل من المحطة البخارية (120 ميغاوات) في مديرية المخا الساحلية إلى مدينة تعز، حيث كانت هذه المحطة هي مصدر الطاقة الوحيد الذي يغذي المدينة بحاجاتها من التيار.
وأعرب شيبان عن أمله في أن تنجح المشاورات المقبلة خلال الأيام المتبقية من الهدنة بتحقيق اختراق إيجابي لفك الحصار عن مدينة تعز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرفض الحوثيون تهم الحكومة الشرعية، ويلقون باللائمة عليها في التجاوزات التي حدثت في الحاضر والماضي، بما في ذلك خرق الهدنة الحالية التي اعتادت الميليشيا نشر بيانات تشير إلى مزاعم تجاوزات تقدح في الالتزام بها، إما من جانب الحكومة في عدن أو التحالف العربي.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت مطلع أبريل الماضي هدنة إنسانية في اليمن لشهرين، تتضمن وقفاً شاملاً للعمليات العسكرية وفتح مطار صنعاء إلى وجهات محددة ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة ورفع الحصار الحوثي المفروض على محافظة تعز منذ سبعة أعوام وفتح المنافذ البرية بين المدن اليمنية.
وفي وقت سابق، واصل غروندبرغ مشاوراته مع الأطراف اليمنية والدولية كافة لليوم الثاني على التوالي من أجل بناء عملية السلام، والتشاور حول الأولويات العاجلة والقصيرة وطويلة الأمد للقضايا الاقتصادية التي يتوجّب التطرق إليها في عملية السلام في اليمن.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، التقى المبعوث الخاص، مجموعة متنوعة من ناشطات سلام يمنيات وخبيرات وفاعلات في القطاع الخاص والمجتمع المدني وقياديات، ضمن الجهود التي يبذلها في التشاور حول إطار عملية السلام متعددة المسارات، بما فيها الأولويات التي تراعي خبرات ووجهات نظر النساء والشباب اليمني، وتطرق الاجتماع أيضاً إلى تنفيذ الهدنة وتجديدها.
اغتيال قيادي حوثي
على الصعيد الميداني، لقي قيادي حوثي بارز مقرب من زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي، مصرعه في ظروف غامضة بالعاصمة اليمنية صنعاء.
وقالت مصادر أمنية إن القيادي الحوثي المدعو علي المرتضى عُثر على جثته مذبوحاً في منزله بالعاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الميليشيا.
وأضافت المصادر أن القيادي المرتضى كان يعمل في الجهاز الأمني المرتبط مباشرة بزعيم الجماعة.
وشهدت الفترة الماضية تفجر الصراع بين أجنحة الميليشيا الحوثية عبر موجة تصفيات بينية وصلت إلى دار زعيمها بمصرع أخيه إبراهيم الحوثي، الذي جرت تصفيته وآخرين برفقته في منزل وسط صنعاء، وسبقتها عمليات قتل واغتيال لعشرات القيادات.
63 خرقاً
من جانبه، أعلن الجيش اليمني أن جماعة الحوثي ارتكبت الاثنين 63 خرقاً للهدنة في جبهات الضالع وتعز (جنوب غربي) والحديدة (غرب) وحجة (شمال) ومأرب.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية عن بيان المركز الإعلامي للقوات المسلحة أن الخروقات توزّعت بين 19 خرقاً في جبهات محور تعز، و14 خرقاً في جبهات محافظة حجة، و11 خرقاً في محور حيس جنوب الحديدة، و8 خروقات في محور البرح غرب تعز، و6 خروقات جنوب مأرب وغربها وشمالها، و5 خروقات في جبهات محور الضالع.