في ظل مخاوف أزمة غذائية عالمية خانقة تطرق أبواب دول العالم قاطبة حذرت منظمة الصحة العالمية من التدهور الاقتصادي في سوريا، وبخاصة الشمال الشرقي حيث يواجه 700 ألف طفل شبح الجوع، ووفق تقرير صدر مؤخراً، أوضح ارتفاع العدد الإجمالي للأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أرجاء البلاد إلى أكثر من 4.5 مليون شخص.
تدهور الأوضاع الغذائية
التحذير الأممي قرع ناقوس الخطر بشدة عن سوء تغذية حاد وصل لتسببه في ظهور حالات (تقزم) أي انخفاض الطول بالنسبة للعمر، و(هزال) أي انخفاض الوزن بالنسبة للطول علاوة عن نقص الوزن والمغذيات الدقيقة وتفضي نتائج المسح الأخير لعام 2019 عن تجاوز معدلات حالات سوء التغذية الحاد والمزمن.
يأتي ذلك في وقت ما زالت البلاد تعيش صراعاً داخلياً لم ينقطع منذ 2011 عكست ارتداداته على الواقع الاقتصادي والمعيشي بمختلف أرجاء المدن السورية التي تتقاسم السيطرة عليها قوى متعددة مع السلطة، مع وجود أكثر من خمسة جيوش أجنبية، وتهديدات أمنية واسعة شمالاً.
في المقابل، قدر برنامج الأغذية العالمية خلال تقرير له عن وجود 12.4 مليون سوري يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 4.5 مليون عن العام الماضي، وهو أعلى رقم سجل على الإطلاق.
إنقاذ أرواح الأطفال
في هذه الأثناء طالب ناشطون وعاملون في المجال الإغاثي في الشمال السوري بشقيه الشرقي والغربي بضرورة توفير الاحتياجات المتزايدة وبأسرع وقت ممكن لأشخاص يقطنون بالخيام يتجاوز عددهم أكثر من 3 ملايين، وأشار الطبيب المتخصص في شؤون التغذية والصحة العامة والناشط في المجال الإغاثي، أحمد جدوع إلى الحاجة الماسة لإنقاذ أرواح الأطفال والاهتمام بغذائهم ما يتطلب مجهودات عالمية واسعة، بحسب حديثه لـ"اندبندنت عربية".
وأضاف: "لا بد من لفت النظر عن مخاوف سد المعابر الإنسانية، وهي بارقة الأمل الوحيدة التي يصل الغذاء عن طريقها لأناس يعيشون العوز، ولا يملكون المال الكافي، لا سيما أن نقص الغذاء قد طال الأطفال والأمهات والحوامل، وفي حال لم يحصلوا على ذلك سيتسبب في زيادة بحالات الهزال والتقزم التي ترتفع معدلاته بشدة ونلاحظها بالكشف عن حالات الأطفال في المخيمات بشمال غربي البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطحين المفقود
وأدت الأعمال القتالية والصراع المسلح بين مختلف أطراف النزاع السوري إلى حالة نزوح جماعية عارمة.
وحذر الناشط الإغاثي في مخيمات الشمال، محمد الشيخ إلى دخول الأهالي في مخيمات النزوح حالة يأس، لا سيما مع تزايد أعدادهم بعد عام 2019 مع معارك ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي "لقد أثر انهيار قيمة الليرة على معيشتهم، وتكافح الأسر للعيش وسط عدم توفر سبل كسب العيش الكريم، وتدني مستوى الخدمات المقدمة، النازحون بحاجة إلى زيادة في الدعم الغذائي".
أحد القاطنين في مخيم للنازحين في أطمة يتحدث عن عدم تمكنه ومعظم أفراد المخيمات من الطبخ، علاوة عن انعدام الفاكهة التي تعد من الكماليات، وأشار "طفلي الصغير لم ير الموز إلا بالصور فقط، نعاني من فقدان حليب الأطفال والطحين، إننا نموت ببطء!".
الغذاء والاقتصاد الهش
في هذه الأثناء يتواصل التهديد العالمي بعد دخول أكثر الدول الموردة للقمح عالمياً، أوكرانيا وروسيا، حرباً طاحنة ما زالت تستعر منذ فبراير (شباط) الماضي زادت من أعباء تأمين الموارد وزادت معه مشكلة الغذاء في سوريا، لا سيما أنها عاشت ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها جائحة كورونا.
في هذا الجانب أحصت منظمة الأمم المتحدة حوالى 60 في المئة ممن لا يصلهم الغذاء بشكل منتظم لسبب يعود للاقتصاد السوري الهش، ما أدى إلى سوء تغذية مزمن بين الأطفال، وقال منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارك لوكوك في إحاطة سابقة له، "يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة في سوريا من التقزّم".
ويعاني القطاع الصحي تحديات إلى جانب أزمة نقص الغذاء، فقد حذرت نائب مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، لين معروف في حديث لها في بداية مايو (أيار) الحالي من مغبة تعطل أنظمة الرعاية الصحية والخدمات الحيوية والتي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة.
الواقع الحالي الذي يعيشه السوريون يحتاج دعماً دولياً وهو ما لم يتحقق بالشكل المرجو منه كما تتطلع إليه الأمم المتحدة بالوصول إلى 10.5 مليارات دولار في مؤتمر بروكسل للمانحين الدوليين المنعقد في منتصف مايو الحالي حيث تعهد المانحون بتقديم 6.7 مليارات دولار بحلول عام 2023 لبلد عاش عقداً من الحروب والصراعات الأهلية والحروب بين الدول على أرضه، كما أنه لا يمتلك المقومات والمناخ الاقتصادي وعوامل نجاحه في ظل العقوبات الأوروبية والأميركية والحصار الذي يتسع ويمتد من دون انحسار.