Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل الملكية في بريطانيا يجب أن يكون أقل تكلفة وأكثر ديمقراطية

بوجود خطة قديمة لدى أمير ويلز لخفض حجم العائلة الحاكمة كيف سيكون عهد الملك تشارلز الثالث عندما يحين الوقت لتنفيذها؟

صورة تركيبية تجمع أفراد من العائلة المالكة (غيتي/اندبندنت)

كيف يبدو مستقبل الملكية البريطانية؟ الإجابة المختصرة على هذا السؤال، فيما نحن نتطلع إلى وصول عهد الملك تشارلز الثالث (يبدو وقع الاسم غريباً بعض الشيء، أليس كذلك؟) هو أن الملكية ستمتلك وجهاً أحمر متورداً وشعراً مسرحاً، وأسلوباً أنيقاً جداً، وإن تخللته مسحة من طراز محافظ بشكل لا شعوري. وسيكون زمنا، ستخضع فيه بشكل لا محالة فيه، قدرات الرجل وقوة من هم حوله والدستور الذي ورثه لامتحان، وربما قاسٍ إلى أبعد حد.

وليس هناك سبيل أفضل لتلخيص المسألة من اللجوء إلى القول المتداول عن الملكة إليزابيث الثانية بأنه "يصعب مجاراتها". الجانب الآخر لحكمها غير العادي الذي استمر سنوات طويلة هو أن الشعب قد أصبح معتاداً عليها إلى درجة تجعل من أي خليفة لها، وإن كان هذا شخصاً معروفاً مثل أمير ويلز، يبدو وكأنه إلى حد ما مُدعٍ مُحتال. فلأول مرة منذ زمن طويل سيكون هناك وجه آخر يطبع على أوراق النقد، وعلى العملات المعدنية، وعلى الطوابع البريدية، وسيطل علينا وجه وصوت مختلف يتلو علينا الخطاب الخاص بعيد الميلاد، سيطبع ختم ملكي مختلف على شاحنات شركة البريد الملكي وعلى شارات وشعارات ملابس الشرطة والقوات المسلحة. كله سيثير فينا شعوراً غريباً بعض الشيء: "C III R" ستتطلب منا رؤية الأحرف من اسم الملك الجديد هذه بعض الوقت كي نعتاد عليها. كما ستضاف كلمات جديدة على النشيد الوطني أيضاً.

البعض، وهم محقون في ذلك، سيقولون إنهم لم يمنحوا لا لهم ولا حتى البرلمان الفرصة للتصويت عمن يمكن أن يكون رئيساً للدولة، وسينال الشعب ملكاً يُدعى تشارلز الثالث، سواء أحبوا ذلك أم لا. فهكذا يعمل نظام وراثة الحكم، وستتم مساءلة الأمر أكثر من السابق، مقارنة مثلاً بفبراير (شباط) 1952 عندما كانت مسألة احترام [عملية التوريث] قاعدة سائدة. كما ستحل لحظة ما عندما ستهدد الصدمة الوطنية ــ وهي لن تكون أقل من [مظاهر الحداد] التي شهدناها وقت رحيل الملك السابق [والد الملكة إليزابيث الثانية] ــ بأن تتحول تلك الصدمة إلى تساؤلات تطرح حول شكل عمل المؤسسة الملكية، هذا سيكون زمناً متوتراً في المملكة المتحدة والأراضي التابعة لها، حيث الحركات الجمهورية قد أصبحت نشطة من جديد، وأي تغيير في القيادة هو فرصة للمراجعة وإعادة تقييم الوضع في دول مثل جامايكا وأستراليا.

إن سمعة الملكة عالمياً تسبقها كملكة تتمتع بشيء من الكمال، ويكن لها شعبها كل الحب، وقد يبدو أي شيء يقوم به الملك الجديد لا محالة وكأنه أقل قدراً حتى عندما لا يكون كذلك فعلياً. كل قرار، وأي كلمة ستصدر عن [الملك الجديد]، وكل عبارة سيختارها سيتم وبكل صدق، تمحيصها، وتحليلها من قبل وسائل الإعلام، وستتم مقارنتها بما كانت لتقوله أو تفعله والدته بنظرة مثالية بعض الشيء أحياناً، وإن لم نقل قائمة على مجرد افتراضات. وقد تعذبه وسائل الإعلام البريطانية بعض الشيء، وبكلمة أخرى، تماماً كما هي عادة الإعلام هنا، ولكن لا بد من التأكيد أنه قد خبر تلك المعاملة من الصحافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن القرار الأول الذي ستتم مناقشته هو الاسم الملكي الذي سيتخذه الملك الجديد، لأنه خيار صعب للغاية. فهناك مشهد شهير في مسلسل التاج The Crown التلفزيوني، عندما يسأل أفراد الحاشية الملكة اليافعة عن الاسم الذي تود أن يطلق عليها [بعد اعتلائها العرش]، وهي أجابت بكل فخر، "إليزابيث بالطبع". وبعكس مقاطع أخرى في المسلسل الذي أنتجته منصة البث الرقمي نتفلكس فإن الحدث أعلاه ينطوي على شيء من الدقة ولأسباب معروفة، ولكن علينا ألا ننسى ما فعله والد الملكة، فهو كان يدعى الأمير ألبرت، دوق يورك، لكنه اختار اسم جورج السادس كاسم ملكي بدلاً من اسمه، في دلالة على نيته اتباع الاستمرارية المتزنة التقليدية التي مثلها عهد والده الملك جورج الخامس، مقارنة بأخيه الأكبر الملك إدوارد الثامن، والذي تنازل عن العرش بشكل صادم للغاية. فهو [أي الأمير تشارلز] لو أراد أن يدخل تغييراً على أيامه كأمير ويلز المعروف بصراحته، ليصبح الملك التقليدي الممل وغير المثير للجدل، فقد يختار تشارلز أن يطلق على نفسه اسم الملك جورج السابع، ولكن الأمير تشارلز سيبلغ الرابعة والسبعين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وقد يعني ذلك أن الوقت ربما قد أصبح متأخراً للغاية لإعادة اختراع نفسه.

بعد ذلك عليه البت بما سيكون عليه حفل التنصيب. هناك اقتراحات بأن تجري تلك المراسم بشكل سريع، وربما يتم اختيار ذلك لقطع الطريق على قيام الأراضي التابعة للتاج في ما وراء البحار بالتخلي عنه حتى قبل اعتلائه العرش، وأيضاً لاستباق إمكانية صعود المشاعر المعادية [للأمير] تشارلز. سيبقى حفل التنصيب دينياً، ولكنه سيأخذ في الاعتبار ما هو معروف عن الأمير إعرابه عن رغبته في أن يطلق عليه لقب "حامي الأديان" Defender of Faith بدلاً من "حامي الدين" Defender of the Faith، ليكون أكثر تمثيلاً لجميع الأديان وبشكل مسكوني. وسيكون الحفل ربما مقتضباً ومخففا إلى حد كبير ليتناسب مع حجم قوة أوروبية متوسطة بدلاً من الإمبراطورية العالمية، وهو ما كانت عليه الأمور في حفل التنصيب الذي أقيم في عام 1953، وهي مناسبة حضرها الأمير تشارلز كطفل. وستشارك قوات عسكرية أقل (وهو أمر لا يمكن تجنبه إذا أخذنا في الاعتبار حجم جيشنا الصغير إلى حد ما)، كما سيشارك حشد أصغر من عائلته والمقربين منها، وعلينا أن نتوقع ملابس تتويج أقل فخامة.

 

وستجذب مسألة موقع ودور المرأة التي ستعرف قريباً باسم الملكة كاميلا اهتماماً قوياً، كأول ملكة قرينة منذ عام 1952. الأمير ويليام وزوجته كايت سيرفعان إلى مرتبة أمير وأميرة ويلز وسيأملان أن يقتنع شعب وزعماء إمارة ويلز بتسمية هاتين الشخصيتين الإنجليزيتين لتولي منصبهما الرمزي مع كل ما يرافقه ذلك من امتيازات.

من الواضح أنه سيتم سحب الامتيازات الملكية من الأمير أندرو وابنتيه وعائلتيهما مثلهم مثل أفراد آخرين من "عائلة كنت" Kents، وعائلة غلوسترز Gloucesters، إضافة إلى الفروع البعيدة من عائلة "ويندسور" Windsor، ومعهم ستقلل الميزانيات المخصصة لمصروفاتهم، وأيضاً العبء الذي يشكله ذلك على دافعي الضرائب. في وقت يضرب فيه الغلاء مستويات المعيشة البريطانية بشكل متوحش، فستكون خطوة ذكية أن يبرهن الملك الجديد عن استعداده لتحمل جزء من عصر النفقات، أو أن لا يظهر بمظهر من يهتم بنفسه فقط [أي أن يكون غير مكترثا بما يدور من حوله]. إن المحطات السيئة التي عانت منها الملكية كانت في الغالب بسبب نفور العامة ممن يعانون مادياً والسياسيين الذين يتمتعون بقوة ملاحظة ضد الفخامة والبذخ الذي يتم على حسابهم ــ كما جرى إبان ارتفاع نسب التضخم في البلاد في السبعينيات ومجدداً في بداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما وافقت الملكة على دفع ضريبة الدخل لأول مرة. فاستعراض الفخامة المكلفة في حفل تنصيب يظهر بذخاً قد يكون عاملاً ينقسم حوله أبناء الشعب بدلاً من توحيدهم إبان الاحتفال المثير بتنصيب عهد جديد.

وكيف سيكون ذلك العهد؟ سيكون بالطبع أقصر من عهد والدته (فسيتطلب الأمر تحقيق اختراقاً طبياً فظيعاً في العلاج الجيني كي يتمكن تشارلز الثالث من رؤية يوبيله البلاتيني). فإذا كان حكيماً، على تشارلز أن يكون مقتضباً في كلامه حول أي موضوع يخرج عن إطار المواضيع التي عليها إجماع في أوساط الرأي العام البريطاني. ومن بين تلك المواضيع مسألة التغيرات المناخية، وحرب أوكرانيا، ومسائل الوحدة الاجتماعية كلها مواضيع يمكنه طرقها، على أن يبتعد عن الحديث في مسألة حقوق المتحولين جنسياً أو بنوك الطعام، أو حقوق الإنسان في الصين أو الشرق الأوسط. ملوك بريطانيا لم يقوموا بقيادة جيوشهم في المعارك منذ القرن الثامن عشر، وسيكون من غير الحكمة أن يجد هذا الملك نفسه فجأة في وسط حرب ثقافية.

إذا وافقنا جدلاً بأن بوريس جونسون سيتمكن من البقاء على رأس السلطة حتى ذلك الوقت، فإن رئيس الوزراء هذا لن يكون الحليف الطبيعي له، وهو لن يكون أحد المقربين روحياً من تشارلز، ولكن على تشارلز أن يتحمل الفضائح، تماماً كما تحملت والدته حقيقة تلقيها مشورة غير قانونية [من بوريس جونسون] بتعليق البرلمان عام 2019 [لـ5 أسابيع]. لقد تم الكذب عليها، وسيتم الكذب على من سيخلفها أيضاً، لأن جونسون برأيي هو الشخص المقتنع بخداع الآخرين من أعلى مقامات البلاد إلى أدناها على نهج تطبيقه مبدأ المساواة بين الجميع.

إن الدور الذي قد يكون الأكثر إنتاجية بالنسبة إلى تشارلز بكل وضوح، هو العمل على إصلاح علاقات بريطانيا الدولية المعطلة، أقله مع دول الاتحاد الأوروبي. لقد كانت هناك فترات سابقة عندما كان الملك المحترم يخلفه ملك غير مؤهل للعب ذلك الدور. قد يكون هناك مقارنة يُجريها البعض بين تشارلز الثالث المستقبلي والملك إدوارد السابع، ابن الملكة فيكتوريا على سبيل المثال. فمثل تشارلز، كان إدوارد أميراً لويلز، وهو معروف عنه علاقاته الغرامية، وكان مدللاً، إضافة إلى تميزه ببعض السحر وهو أمضى فترة طويلة جداً من زمن عملية تأهيله للدور مكروهاً من قبل الشعب. وكان إدوارد السابع قد اعتلى العرش بعمر التاسعة والخمسين (وهو شاب بالمقارنة مع معايير تشارلز) وقطع على نفسه عهداً في إصلاح العلاقات التي كانت مسممة (مثل أيامنا هذه) بين بريطانيا وفرنسا. دبلوماسيته الشخصية ظهرت جلية من خلال مساهمتها في حماية العلاقات المميزة Entente Cordiale والحلف التاريخي الذي ربط البلدين منذ 1904. وبسبب ذلك نجح الملك إدوارد في أن يصبح محبوباً شعبياً، وأطلق اسمه على نوع من أنواع البطاطا الفاخرة وأحد أنواع السيجار، وعدد من المستشفيات والجسور في البلاد أيضاً.

قد نرى تشارلز وكاميلا ينطلقان في مهام مشابهة، ومنها تكرار الزيارة الناجحة التي قامت بها الملكة إلى إيرلندا عام 2011، وزيارة دول هم بمثابة شركاء اقتصاديين جدد مهمين لبريطانيا مثل الهند ودول الخليج، هذا وحده قد يبرر دورهما الملكي، وهو دور أكبر من جونسون، بخاصة أن اسم الأخير ارتبط بعملية "بريكست" للخروج من الاتحاد الأوروبي.

إذاً المطلوب ربما هو ملكية أصغر، وأرخص ومن دون تكلفة فارغة، أكثر ديمقراطية وتعكس بشكل أكبر بريطانيا الحديثة ومجموعة الكومنولث المعاصرة ــ والتعددية وتعددية المجتمعات فيها ــ وهو ما يبدو أنه سيكون الدور المستقبلي للملكية البريطانية. وعلى العرش البريطاني الجديد أيضاً أن يعمل بجهد أكبر من أي وقت مضى على [توطيد] علاقاته الدبلوماسية، والتجارية وتفعيل عملها الخيري إذا كان يود أن ينعم بدعم عامة الشعب في الأوقات الصعبة. سر استمرارية الملكية البريطانية لوقت طويل على مدى أكثر من ألف عام على وجودها (من دون احتساب الزمن القصير في القرن السابع عشر عندما كان الكومنولث من دون ملكاً) هو قدرتها على التأقلم مع تغيرات الزمان والقيام بما يطلبه منها السياسيون وعامة الشعب. وليس هناك من أسباب قد تمنع تشارلز من تحقيق ذلك، أم هل هناك ما سيمنعه؟

*نشر المقال في "اندبندنت" بتاريخ 2 يونيو 2022

© The Independent

المزيد من سياسة