دائماً ما كانت الأعياد موسماً للرواج التجاري في أسواق الملابس، حيث تزدحم المتاجر والمولات خلال الأيام الأخيرة قبل العيد بالمشترين.
وعلى الرغم من ارتباط عيد الأضحى بشكل خاص باللحوم والأضحية وقلة الطلب نسبياً على الملابس، مقارنة بعيد الفطر، فإنه يظل واحداً من مواسم الرواج في سوق الملابس، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال الذين يحرص ذووهم على شراء شيء جديد حتى ولو كان بسيطاً.
إلا أن موسم عيد الأضحى في مصر هذا العام يشهد حالة واضحة من الركود في الأسواق، حيث ألقى ارتفاع سعر الدولار بظلاله على منتجات الملابس، خصوصاً المستوردة التي أصبحت شبه غير متوافرة، وتظهر المتاجر التي تعتمد عليها شبه خاوية وتعرض ما تبقّى من المواسم السابقة، حتى إن بعضها لا يزال يعرض قطعاً شتوية في ذروة موسم الصيف.
ومن ناحية أخرى، تأثرت سوق الملابس بانعكاسات الحرب في أوكرانيا، التي نتج منها ارتفاع كبير في أسعار سلع أخرى أرهقت موازنة الأسر المصرية، وقلصت البند الخاص بشراء الملابس أو ألغته من الأساس.
إضافة إلى عامل آخر يتمثل في الزيادة الكبيرة في أسعار اللحوم والأضاحي هذا العام، مقارنةً بالسابق، ما جعل الناس تعطي الأولوية لشرائها في عيد الأضحى لارتباطه بها بشكل رئيس.
صاحب أحد محال ملابس الأطفال في القاهرة يدعى خالد قال لـ"اندبندنت عربية"، "نعاني هذا العيد من ركود غير مسبوق، إذ إن الإقبال على الشراء ضعيف جداً".
وأرجع خالد ذلك "إلى أسباب متعددة من بينها شراء العائلات ملابس الأطفال في بداية الصيف، وعدم وجود موازنة لشراء قطع إضافية بالتواكب مع العيد، والارتفاع الملحوظ في الأسعار أسبابه ليست لها علاقة بالتاجر وإنما هو نتيجة لصعود أسعار الخامات بصورة كبيرة. وفي الوقت ذاته، ينتظر كثير من الناس فترة التخفيضات آخر الموسم لشراء ما ينقصهم من ملابس أو حتى شراء ملابس الصيف المقبل بسعر مخفض في ظل الغلاء الشديد".
ارتفاع أسعار المواد الخام
الارتفاع الكبير في أسعار الملابس ناتج من الزيادة في أسعار المواد الخام المستخدمة في الصناعة، وصعود كلفة التشغيل للمصانع بشكل عام، سواء في أسعار الكهرباء أو الإيجارات والرواتب والنقل وجميع العمليات التي تُضاف كلفتها على سعر المنتج النهائي، الذي يتحمّله المستهلك من دون أن يدرك تفاصيل العملية الإنتاجية ومراحلها.
وكان رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات في اتحاد الصناعات المصرية محمد عبد السلام، صرح في بيان صحافي بأن قطاع الملابس يواجه تحديات كبيرة تهدد استمرار الإنتاج بالمصانع، لا سيما الصغيرة ومتناهية الصغر.
وقال إن ما يقرب من 1.7 مليون عامل وعاملة يعملون في قطاع الملابس بمصر، وغالبيتهم من النساء، و80 في المئة من القطاع صناعات صغيرة ومتناهية الصغر، بحسب تصنيف البنك المركزي، وعددهم نحو 8500 مصنع.
وأشار إلى أن متوسط استهلاك مصر من الملابس يبلغ 16.5 مليار دولار سنوياً، ويتم استيراد 20 في المئة منها بقيمة 3.3 مليار دولار، فيما تنتج البقية محلياً بقيمة 13.2 مليار دولار، لافتاً إلى أن المصانع تحتاج إلى استيراد غالبية مدخلات الإنتاج بقيمة 3 مليارات دولار حتى تتمكن من تصنيع تلك النسبة، وتلبية حاجات السوق المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأزمة مستمرة
انعكاسات الوضع الاقتصادي الحالي لن تنتهي بين يوم وليلة، وإنما سيستمر تأثيرها لفترة مقبلة، وقال صاحب مصنع للملابس في منطقة الجيزة يدعى عادل إن "الطلب هذا العام ضعيف جداً، لأن حركة البيع محدودة بسب ارتفاع الأسعار الخارج عن إرادة الجميع".
ويرى أن "هذه المشكلة ستزداد مع الموسم المقبل الخاص بملابس الشتاء، التي يجري التجهيز لها حالياً، إذ يبدأ إعداد ملابس الموسم قبله بنحو ستة أشهر، وكل المواد المستخدمة في الصناعة سعرها زاد بصورة كبيرة، بعكس خامات الموسم الحالي، التي تم شراء معظمها قبل الارتفاع الكبير في الأسعار".
وقال عادل، "كنا ننتظر موسم الأعياد، لأنه يكون أكثر رواجاً، ولكن للأسف هذا العام الوضع ليس كما اعتدنا بسبب الظروف الاقتصادية".
وأضاف "يقارن بعض الناس بين أسعار الملابس المستوردة، التي تباع في بعض المحال التي حققت انتشاراً كبيراً في مصر خلال الأعوام الأخيرة، لكنهم لا يدركون أن المعطيات كلها مختلفة، فهذه الملابس يتم إنتاجها في مصانع عملاقة بكميات كبيرة جداً توزع على فروع هذه المحال في الدول المختلفة، بالتالي كلفة التشغيل ومصاريف الإنتاج تكون أقل بكثير، ويختلف هذا كلياً عما يحدث في المصانع المحلية، بخاصة الصغيرة منها، التي هي أكثر من يعاني في الأزمة الأخيرة".
تنوع السوق المصرية
تتنوع وتتفاوت أسواق الملابس بمصر، فمن الأماكن الشعبية التي تعرض بضائع منخفضة السعر يقصدها البسطاء في الأعياد وغيرها، إلى أفخم المولات التي تباع فيها أشهر الماركات العالمية باهظة الثمن، التي يقتنيها عدد محدود من الناس.
ويقع قطاع عريض من المصريين في ما يُعرف بـ"الطبقة المتوسطة"، التي دائماً ما تقف حائرة بين الطبقتين، وإن كانت تمثل السواد الأعظم من الشعب لتعتمد هذه الطبقة على المتاجر العادية التي تقدم ملابس سواء مصنوعة محلياً أو مستوردة بأسعار متوسطة وجودة متفاوتة.
علياء، مدرّسة وأم لطفلين، قالت إنها "لم تشترِ لكل من طفلَيها سوى قميص جديد فقط، فالأسعار مبالغ بها جداً، وهذا العيد في الأساس التركيز يكون على اللحوم والتجمعات العائلية على الطعام وليس الملابس".
وأضافت "في ظل هذا الارتفاع الكبير بالأسعار، سأنتظر فترة التخفيضات لشراء كل ما تحتاج إليه أسرتي، بالطبع الجميع يتابع الأوضاع وصعود سعر الدولار وانعكاسات الحرب، لكن هذا لا ينفي وجود حالة من الجشع عند بعض التجار، خصوصاً في ما يتعلق بملابس الأطفال في مواسم الأعياد، باعتبار أن الأولوية تكون لهم في الشراء".
بينما تقول نهى، وهي طالبة في جامعة القاهرة، "لم أشترِ أي شيء هذا العيد بسبب الأسعار المبالغ بها، وسأنتظر لآخر الموسم لشراء حاجاتي للعام الجامعي الجديد، وأتصور أنه لا بد من التوسع في صناعات الملابس بصورة تتيح الحصول على جودة عالية مقابل سعر مناسب، فالوضع الاقتصادي الأخير من الواضح أنه سيستمر والملابس هي سلعة أساسية عند الناس لن تتوقف الحاجة إليها، ومن هنا لا بد من إيجاد حلول".