يراوح الوضع السياسي في الجزائر مكانه بعد مرور 4 أشهر من الحراك. وعلى الرغم من نجاح الشعب في إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، والمؤسسة العسكرية في قطع رؤوس العصابة، غير أن الجميع فشل في إعطاء إشارة انطلاق حوار ينهي حالة الانسداد ويؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ البلاد بتنظيم انتخابات رئاسية شفافة وحرة ونزيهة. حصل على الرغم من تكرار دعوات رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح إلى الحوار، إضافة إلى المبادرات السياسية من المجتمع المدني والمعارضة وشخصيات.
فمع من يريد قايد صالح الحوار؟ ولماذا لم تجتهد المعارضة في إطار دستوري؟
أسباب رفض المرحلة الانتقالية
كشف الخطاب الأخير للمؤسسة العسكرية عن الانزعاج من أطراف معارضة تدعو إلى تجميد العمل بأحكام الدستور. وأشار رئيس الأركان ضمناً إلى أسباب رفض المرحلة الانتقالية، حين انتقد استعمال سلطة الشعب لدفع البلد إلى نفق الفراغ الدستوري، وإلغاء مؤسسات الدولة، وتهديم أسس الدولة الوطنية الجزائرية، والتفكير في بناء دولة بمقاييس أخرى وبأفكار أخرى وبمشاريع أيديولوجية أخرى، تخصص لها نقاشات لا أول لها ولا آخر.
وقال إن "الجزائر ليست لعبة حظ في أيدي من هب ودب، وليست لقمة سائغة لهواة المغامرات. فالدستور هو حضن الشعب وحصنه المنيع، وهو جامع مقومات شخصيته الوطنية وثوابته الراسخة التي لا تحتاج إلى أي شكل من أشكال المراجعة والتبديل".
وعبّر قايد صالح عن أمله في أن "يبتعد الشعب الجزائري مسافة عن كتلة سياسيين تبادر إلى مهاجمة الجيش، وأن يحسن التمييز الصحيح بين من يمتلئ قلبه صدقاً، ومن يحمل في صدره ضغـينة لهذا البلد، وسيدرك بالتأكيد أن من يفيض صدره حقداً على الجيش وعلى قيادته الوطنية، هو لا محالة في خانة أعداء الجزائر".
فضح المؤامرات
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة تلمسان محمد عكروف، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "المؤسسة العسكرية تسعى إلى فضح مؤامرات دعاة الانتقالية، تمهيداً لإطلاق حوار مع القوى السياسية التي أظهرت مسايرة تجاه توجهات قيادة الأركان". ويرى عكروف أن "المؤسسة العسكرية تستهدف الندوة السياسية المرتقب تنظيمها في نهاية يونيو (حزيران) من جانب أحزاب وشخصيات في المعارضة، في محاولة لتوسيع دائرة رافضي تعليق العمل بالدستور. ويقول إن "فشل لقاء المجتمع المدني المنعقد أخيراً، دفع قيادة الأركان إلى التحرك في اتجاه ندوة المعارضة لتفويت الفرصة عن جزء من المعارضة يعرقل فتح حوار بين مختلف الأطياف"، خصوصاً في ظل تسجيل استعداد المؤسسة العسكرية لمناقشة حل توافقي بين الدستور والمطالب الشعبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ترحيب بطرح الجيش
يرى رئيس حزب جيل جديد المعارض، جيلالي سفيان، أن "الحل السليم للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد يكمن في الذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت"، معتبراً أن التوافق بين المعارضة والمجتمع المدني والسلطات يجنب البلاد الخطر. ونوه بالدور المحوري الذي لعبته المؤسسة العسكرية في مرافقة تغيير النظام، "أنا متفائل بأن نتجه نحو الحل بطرق توافقية".
ويقدّر سفيان "أي عمل جماعي لأننا بالحوار نصل إلى الهدف المنشود وهو الحل الموحد". تابع أن هناك قطبين على الأقل، قطب لغالبية ترى في الانتخابات الرئاسية أحسن مخرج، وقطب آخر يتحدث عن مجلس تأسيسي، وهما لا يزالان أقلية.
ودعت ندوة المجتمع المدني إلى مرحلة انتقالية تراوح مدتها بين ستة أشهر وسنة، تقودها شخصية وطنية أو هيئة رئاسية توافقية، مع ضرورة تنصيب هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وتنظيمها وإعلان نتائجها مع ضمان آليات المراقبة.
إرادتان متناقضتان
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي رابح لونيسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه من الطبيعي أن يستمر الانسداد لوجود إرادتين متناقضتين، إرادة نائب رئيس الأركان قايد صالح، المصر على تنفيذ المادة 102 مهما كان الأمر، تقابله إرادة شعبية تطالب بتطبيق المادتين 7 و8 بهدف تغيير النظام بمرحلة انتقالية. ويشير لونيسي إلى أن قايد صالح رفض كل المبادرات لأنه يرفض عملية التغيير، ويريد الإبقاء على النظام.
يتابع لونيسي أنه لم يتضح المقصود بالحوار ومع من، وفي شأن ماذا، و"لو أننا نعتقد بحسب كلام قايد صالح أنه يريد حصر الحوار في موضوع تنظيم الانتخابات الرئاسية، أي تنفيذ المادة 102"، معتقداً أن هناك سوء نية ومحاولة لتمديد الأزمة من طرف السلطة، و"لعل ستنجح السلطة في استنزاف الحراك، وهو ما يهدد الجزائر ومستقبلها". ويخلص إلى أنه "لو حسنت النية لتمت تلبية المطالب الشعبية مباشرة بعد تنحية بوتفليقة، ونكون اليوم قد قطعنا أشواطاً في عملية الانتقال الديمقراطي من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي".
فعاليات التغيير لنصرة خيار الشعب، التي تضم أحزاباً وشخصيات معارضة، ذكرت أن الندوة المقرر عقدها في نهاية يونيو، ستخرج بوثيقة توافق وطني وخريطة طريق تضم مقترحات لحل الأزمة. وتستثنى من الندوة أحزاب السلطة كونها متورطة في الأزمة ومسؤولة عن الوضع الذي وصلت إليه البلاد. فهل تنجح المعارضة وقيادة الأركان في إنهاء الانسداد بعد "تجاوز" دعاة الانتقالية؟