عاد النفط والغاز في ليبيا إلى التدفق نحو الأسواق العالمية، وصدرت الموانئ النفطية في شرق البلاد أول شحناتها منذ نحو 3 أشهر، مع توقعات متباينة بشأن الجدول الزمني الممكن لتستعيد مؤسسة النفط الجديدة مستويات الإنتاج المسجَلة قبل الإغلاق، التي تجاوزت مليون برميل يومياً، ناهيك عن المستويات القياسية المقدرة بنحو مليون و700 ألف برميل في اليوم.
وشكلت عودة الإنتاج الليبي من النفط والغاز من الحقول والموانئ المقفلة خبراً ساراً للأسواق الدولية التي تعاني من أزمة في الطاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. ويتوقع أن تسهم نسبياً في استقرار أسعار المعروض المتذبذبة في الأشهر القليلة الماضية.
ومن الممكن أن تلعب ليبيا دوراً بارزاً في استقرار الأسواق الدولية على المدى الطويل، وأن تمثل بديلاً محتملاً للتقليل من اعتماد القارة الأوروبية على النفط الروسي، الذي تستخدمه موسكو كورقة ضغط ضد القارة العجوز، بخاصة إذا نجحت الإدارة الجديدة للنفط الليبي في تنفيذ مشروعها الطموح لرفع القدرة الإنتاجية من الخام إلى نحو 3 ملايين برميل يومياً.
بداية التصدير
استقبل ميناء البريقة النفطي وسط ليبيا الإثنين 18 يوليو (تموز) أول ناقلة لشحن كمية من المكثفات (الديزل)، وذلك بعد إعلان مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الجديد برئاسة فرحات بن قدارة يوم الجمعة الماضي، رفع "القوة القاهرة" وانتهاء الإغلاقات في جميع الحقول والموانئ النفطية واستئناف عمليات التصدير.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، نقلت عن رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة قوله، إن "صادرات النفط الخام في البلاد في طريقها للاستئناف الكامل بعد أشهر من الانقطاعات". وأضاف الدبيبة أن "إصلاح مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الذي رفضه رئيس مجلس إدارة المؤسسة السابق مصطفى صنع الله وأنصاره كان مبنياً على إجماع كل الأطراف الليبية وليس جزءاً من اتفاق سياسي".
وتابع، "نحن بحاجة لتسهيل دخول شركات النفط الكبرى بخاصة الأوروبية منها لمساعدتنا على زيادة الإنتاج وتطوير القطاع".
قدرات تصدير كبيرة
وتقدر بيانات رسمية الحد الأقصى للطاقة التصديرية للموانئ النفطية التي رُفع عنها الإغلاق بنحو 700 إلى 750 ألف برميل يومياً، حيث يصدر ميناء السدرة (الأكبر بين الموانئ النفطية الليبية) 400 ألف برميل يومياً، فيما تتراوح الطاقة التصديرية لميناء الزويتينة بين 90 و260 ألف برميل يومياً، وفي رأس لانوف 220 ألف برميل يومياً، بينما تُحدد قدرة ميناء البريقة بين 60 و120 ألف برميل يومياً.
دعم للأسواق الدولية
وتلقى المجتمع الدولي (خصوصاً في أوروبا) خبر انتهاء أزمة النفط الليبي بترحيب كبير عطفاً على النقص الحاد في الطاقة الذي تواجهه الأسواق الدولية، والذي قاد إلى ارتفاع مطرد في أسعار الخام، وفي وقت واصلت فيه أسعار النفط مكاسبها الإثنين (18 يوليو)، مدعومةً بضعف الدولار وشح الإمدادات، مما عوض المخاوف بشأن الركود واحتمال أن تؤدي إغلاقات واسعة النطاق في الصين لمكافحة فيروس كورونا إلى خفض الطلب مرة أخرى على الوقود.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم سبتمبر (أيلول) عند التسوية إلى 103.76 دولار للبرميل، كما صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم أغسطس (آب) لتصل إلى 100.21 دولار للبرميل، بعد ارتفاعها بنسبة 1.9 في المئة في الجلسة السابقة.
دفعة لـ"أوبك"
كما تشكل عودة الإنتاج الليبي من الطاقة إلى مستوياته الطبيعية دعماً لخطط منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" للسيطرة على الأسعار، بعد أن اشتكت قبل أيام قليلة من تراجع إنتاج ليبيا من النفط خلال يونيو (حزيران) الماضي، بـ78 ألف برميل يومياً لتكون البلاد ضمن 4 دول قادت هبوط إنتاج "أوبك" خلال الشهر الفائت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدثت "أوبك" في تقريرها الشهري عن هبوط إنتاجها من النفط من قبل 4 دول أعضاء خلال الشهر الماضي، حيث قادت ليبيا هذا التراجع بانخفاض إنتاجها إلى 629 ألف برميل يومياً في يونيو، بينما كان الإنتاج في أبريل (نيسان) 893 ألف برميل يومياً قبل تراجعه إلى 707 آلاف برميل يومياً في مايو (أيار) الماضي.
كما بينت الإحصاءات أن الإنتاج الليبي من النفط استقر خلال الربع الأول من عام 2022 عند حدود المليون و63 ألف برميل، ليهوي خلال الربع الثاني من العام إلى 743 ألف برميل يومياً. بينما الدول الأخرى التي قادت تراجع "أوبك" كانت فنزويلا بنحو 14 ألف برميل يومياً في يونيو، وشهدت إمدادات النفط في الكونغو وغينيا الاستوائية تراجعاً بنحو 5 آلاف، وألف برميل يومياً على التوالي.
وارتفع إجمالي إنتاج النفط عموماً في الدول الـ13 الأعضاء لدى "أوبك"، إلى 28.716 مليون برميل يومياً في يونيو، مقارنةً مع 28.482 مليون برميل يومياً في الشهر السابق له، وارتفع إنتاج المنظمة بمقدار 234 ألف برميل يومياً وسط سياسة الزيادة التدريجية للإنتاج من قبل تحالف "أوبك +".
تعهدات كبيرة
تعهد رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الجديد فرحات بن قدارة، بمضاعفة إنتاج الخام إلى 1.2 مليون برميل يومياً وحماية العقود الحالية مع شركات النفط الأجنبية.
وقال بن قدارة، إن "الخطوة الأولى التي سنتخذها هي العودة إلى معدلات إنتاج النفط السابقة قبل الإغلاق وسيكون ذلك في غضون أسبوع، والسعي إلى إنتاج 3 ملايين برميل نفط يومياً خلال العامين المقبلين".
وتولى بن قدارة وهو مصرفي، منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بمرسوم من رئيس حكومة الوحدة الدبيبة الأسبوع الماضي، لكن سلفه مصطفى صنع الله الذي مكث في المنصب لثمان سنوات رفض الانصياع لقرار إقالته.
سباق مع الزمن
في المقابل، أثارت تعهدات بن قدارة نقاشاً واسعاً حول مدى قدرة المؤسسة الفعلية على تنفيذ وعوده وفق الجدول الزمني القصير الذي أعلنه. وقال الباحث الاقتصادي وحيد الجبو، إن "عودة مستويات زيادة الإنتاج النفطي إلى مستوياته السابقة عند 1 و 1.2 مليون برميل يومياً لن يكون قبل عام 2023". وأوضح الجبو، أن "الشركات الأجنبية مستعدة للاستثمار والاستكشاف في الأراضي الليبية، ولكن الحروب والصراعات السياسية أسهمت في إبعاد ليبيا من الاستثمارات الدولية، وجعلها بلداً طارداً وليس جاذباً للاستثمارات".
وأكد أن "عمليات التطوير والصيانة ودعم البنية التحتية في بداية أعمالها وتحتاج وقتاً ربما أكثر من عام، إذا ما تم تسديد الميزانية المتفق عليها لقطاع النفط، وإذا ما وافقت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) على رفع حصة ليبيا إلى ثلاثة ملايين".
وأشار الجبو إلى أنه "إذا ما كانت هناك إرادة سياسية لزيادة الإنتاج فإن ذلك قد يحدث في نهاية عام 2023 مع وجود استقرار وحل للصراع السياسي".