يترقب مجتمع المال والأعمال في القاهرة قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الصعب، الخميس الـ18 من أغسطس (آب)، عندما تنعقد اللجنة للمرة الخامسة في 2022.
ويعتبر الاجتماع المرتقب الأصعب للجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري، مقارنة باجتماعات فبراير (شباط) ومارس (آذار) ومايو (أيار) وحتى يونيو (حزيران)، عندما ثبتت اللجنة مستويات أسعار الفائدة على الودائع وعلى الإقراض وعلى سعر العملية الرئيسة عند 11.25 في المئة و12.25 في المئة و11.75 في المئة على التوالي.
ويأتي الاجتماع بالتزامن مع تدني أسعار الفائدة الحقيقية في مصر (أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم) عند قيمة سالبة 1.35 في المئة، وفقاً لآخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول معدلات التضخم.
صعوبة القرار لخصها المحللون خلال حديثهم إلى "اندبندنت عربية" في محددات عدة ربما تؤثر في قرار اللجنة، أولها معدلات التضخم التي عاودت الارتفاع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي في ظل مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي.
رفع الفائدة
توقع المحاضر في الجامعة الأميركية هاني جنينة اتجاه "المركزي المصري" إلى رفع أسعار الفائدة بما لا يقل عن واحد في المئة مساء الخميس المقبل.
وبنى جنينة تقديراته على محددات رئيسة عدة، موضحاً أن "المركزي يسعى إلى الحفاظ على فارق مستويات الفائدة بين القاهرة وواشنطن، خصوصاً في ظل توقعات تميل إلى أن الفيدرالي الأميركي مستمر في سياسة التشديد النقدي برفع أسعار الفائدة بمقدار يتراوح بين 50 إلى 75 نقطة مئوية في اجتماعه في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل بعد صدور بيانات توظيف قوية من وزارة العمل الأميركية".
وأضاف أن "معدلات التضخم المتسارعة أخيراً تخيم على اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل، إذ عادت إلى الارتفاع في شهر يوليو الماضي مقارنة بالشهر السابق له، مما يضيف ضغوطاً تتطلب تحريك أسعار الفائدة، تزامناً مع رفع العائد على شهادات الادخار في إطار سياسة مكافحة الدولرة (تداول الدولار خارج منظومة الجهاز المصرفي في أسواق الظل) بعد رفع أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة على الأقل".
امتصاص آثار تحريك المحروقات
ووافق المحلل بأسواق المال محمد أبو باشا توافق في الرأي مع جنينة، متوقعاً تحريك أسعار الفائدة بمقدار يتراوح بين 50 إلى 100 نقطة أساس على الأقل.
وأوضح أبو باشا أن "المركزي يسعى إلى امتصاص الآثار التضخمية التي نتجت من تحريك أسعار المحروقات، خصوصاً السولار في شهر يوليو للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، وارتفعت معها كلفة النقل والوقود لتشغيل المصانع، وهو ما أظهرته بيانات التضخم أخيراً".
الأربعاء الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وصول مستويات التضخم في إجمالي الجمهورية إلى 14.6 في المئة، بينما بلغت المعدلات في المدن المصرية نحو 13.6 في المئة، وبذلك تكون مستويات التضخم في يوليو تخطت مستهدفات "المركزي" التي تحوم بين 5 إلى 9 في المئة بأكثر من 6 في المئة.
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي، رفع "المركزي المصري" أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، ما يعادل ثلاثة في المئة، خلال اجتماعين منفصلين في مارس ومايو، قبل أن يجمد مستويات الأسعار خلال آخر اجتماعاته في 23 يونيو الماضي.
الخيار الأفضل
في المقابل، ترى نائبة رئيس بنك مصر السابقة سهر الدماطي أن المؤشرات الإيجابية في الأسواق المحلية أكثر من المؤشرات السلبية، لذا تتوقع أن يثبت البنك المركزي سعر الفائدة في اجتماع الخميس.
وأوضحت أنه "على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم من 13.2 في المئة خلال يونيو 2022 إلى 13.6 في المئة في يوليو الماضي، فإن هناك انخفاضاً في أسعار السلع الغذائية وتراجعاً في أسعار النفط إلى أقل من 95 دولاراً للبرميل الواحد، علاوة على أن تدني قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي جاء أقل من التوقعات".
وأضافت "عند تقييم السلبيات مقابل الإيجابيات، يجب أن يتوازن قرار لجنة السياسة النقدية بتثبيت أسعار الفائدة، خصوصاً أن ارتفاع كلفة التمويل ربما لا يتحملها المستثمرون أو المصدرون أو حتى المواطنون".
في هذه الأثناء، يقترب الدولار الأميركي ببطء من أعلى نقطة وصل إليها مقابل الجنيه المصري في تاريخ العملتين في ديسمبر (كانون الأول) 2016 عندما سجل 19.56 جنيه، إذ وصل سعر العملة الخضراء الإثنين وفقاً لشاشات البنك المركزي إلى 19.18 جنيه.
امتصاص السيولة
من جانبه، توقع المحلل بأسواق المال محمد ماهر استمرار البنك المركزي في سياسة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة بنسبة لا تزيد على واحد في المئة.
وقال إن "المركزي يسعى إلى كبح معدلات التضخم التي عاودت الصعود أخيراً عن طريق سحب السيولة من الأسواق وتوجيه المستهلكين إلى الادخار، طمعاً في معدلات الفائدة المرتفعة وتقليل الاقتراض من البنوك المحلية، مما يقلل من حجم الكاش (السيولة) في أيدي المواطنين كما يقلل الطلب، بالتالي يدفع معدلات التضخم إلى التباطؤ".
340 مليار دولار حجم السيولة المحلية
ووفقاً للنشرة الصادرة عن البنك المركزي، الإثنين الماضي، ارتفع حجم السيولة المحلية بالقطاع المصرفي في مصر بنسبة 1.6 في المئة على أساس شهري، لتسجل 6.5 تريليون جنيه (340 مليار دولار أميركي) بنهاية شهر مايو 2022، مقارنة بنحو 6.4 تريليون جنيه (334 مليار دولار) بنهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت النشرة إلى أن "السيولة المحلية موزعة على المعروض النقدي، الذي يتضمن النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي والودائع الجارية، وأشباه النقود من ودائع غير جارية بالعملة المحلية وودائع جارية وغير جارية بالعملات الأجنبية".
وقالت النشرة إن "المعروض النقدي قفز إلى 1.497 تريليون جنيه (72 مليار دولار) بنهاية مايو 2022، بدلاً من 1.478 تريليون جنيه (71 مليار دولار) بنهاية أبريل الماضي، بسبب زيادة الودائع الجارية بالعملة المحلية بمقدار 26.66 مليار جنيه (1.3 مليار دولار)، بينما زادت أشباه النقود بمقدار 65.52 مليار جنيه (3.4 مليار دولار) على أساس شهري، مدفوعة بارتفاع الودائع الجارية وغير الجارية سواء بالعملات المحلية أو الأجنبية، لتصعد إلى 5 تريليونات جنيه (261 مليار دولار) بنهاية مايو 2022 بدلاً من 4.93 تريليون جنيه (256 مليار دولار) بنهاية أبريل الماضي.
ولفتت نشرة "المركزي المصري" إلى زيادة إجمالي الودائع بالبنوك المحلية، بما فيها الودائع الحكومية، بنسبة 1.7 في المئة على أساس شهري، لتسجل 7.21 تريليون جنيه (376 مليار دولار) بنهاية شهر مايو 2022، مقارنة بنحو 7.089 تريليون جنيه (367 مليار دولار) بنهاية شهر أبريل الماضي.
كابوس المستثمرين
على صعيد ثان، يمثل ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك كابوساً يقلق منام المستثمرين ورجال الأعمال، إذ يتمنى نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين فتح الله فوزي أن يبقي البنك المركزي على مستويات الفائدة عند هذا الحد، قائلاً "لا يمكن لمستثمر أن يستغني عن التمويل والتسهيلات والاقتراض المصرفي".
وأكد أن "ارتفاع معدل الفائدة يعني ارتفاع كلفة التمويل، مما يضيف أعباء جديدة على كلفة الاستثمار وربما يدفع البعض إلى تقليل الاقتراض من البنوك ومن ثم تأجيل قرارات استثمارية، بالتالي يقلل من فرص النمو الاقتصادي ويضعف من توافر فرص عمل جديدة".
وعلى المنوال ذاته، قال رئيس اتحاد المستثمرين محرم هلال إن "المستثمرين في الوقت الحالي، وقبل اجتماع المركزي، يعانون من أسعار الفائدة المرتفعة"، مشدداً على أن "كلفة الاقتراض من البنوك زادت بمعدلات كبيرة وربما تمثل نحو 50 في المئة من قيمة الكلفة لأي مشروع يتم تدشينه".
وأشار إلى أن "المركزي يسعى بكل قوة إلى مكافحة التضخم وتعويض فارق العملة بين الجنيه والدولار"، مستدركاً "لكن للأسف، هذا يأتي على حساب الاستثمارات الجديدة، سواء المحلية أو الأجنبية، وهذا ما يفسر تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الحالي".