منذ اندلاع الحرب السورية في عام 2011 بدأت وتيرة تدفق اللاجئين إلى لبنان تتزايد، وسهلت معاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة بين البلدين في عام 1991 دخولهم إلى لبنان، إذ تخول هذه المعاهدة المواطنين السوريين دخول الأراضي اللبنانية رسمياً والحصول على تأشيرة إقامة مجاناً لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد من دون تعقيدات أو شروط تعجيزية.
ومنذ بدأ تدخل "حزب الله" بشكل علني في الحرب إلى جانب النظام ازدادت أعداد اللاجئين بشكل هائل، لا سيما بعد سيطرته على مناطق القصير في عام 2013، ومن ثم سلسلة الحروب التي خاضها في مناطق الزبداني والقلمون الشرقي، ما أدى إلى هرب مئات الآلاف من أهالي هذه المناطق إلى لبنان عبر المعابر الرسمية اللبنانية.
وعند وصول أعداد اللاجئين إلى قرابة مليون ونصف المليون شخص في عام 2015، أوقفت السلطات اللبنانية العمل بمعاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق"، وتبنت إجراءات أكثر تعقيداً لدخول السوريين وحصول الموجودين منهم على تأشيرات الإقامة، والتي باتت شرطاً ملزماً يعوق الوصول إلى الحقوق الأساسية في التعليم والعمل ومعاملات تسجيل الزواج والولادة والطلاق وغيرها من الأمور.
وبحسب تقرير نشره مشروع "اللاجئون شركاء" عام 2022، فإن الإجراءات والعراقيل الرسمية التي أوجدتها السلطات اللبنانية أدت إلى انخفاض نسبة اللاجئين الذين يحملون الإقامة في لبنان إلى 16 في المئة فقط لمن هم فوق سن الـ15، أي إن نحو 1.2 مليون سوري يعيشون على الأراضي اللبنانية بطريقة غير نظامية، استناداً إلى الإحصائيات التي تفيد بوجود 1.5 مليون سوري في لبنان بين مسجل وغير مسجل.
وتقول المصادر الرسمية اللبنانية إن لبنان يستقبل حالياً على أراضيه أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري منهم 880 ألفاً مسجلون لدى المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين وأكثر من 400 ألف عامل، إضافة إلى أعداد غير معروفة من العمال الذين يدخلون ويخرجون عبر الحدود بطرق غير شرعية.
تفاهم ثم تصادم
وبعد 11 عاماً من الفوضى في التنظيم، كشفت الحكومة اللبنانية عن خطة لإعادة 15 ألف لاجئ شهرياً إلى سوريا، على الرغم من تحذير منظمات دولية من الإعادة القسرية بعد تسجيلها انتهاكات تعرض لها عدد من الذين سبقوا أن عادوا إلى بلادهم، وهدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي "باتخاذ موقف غير مستحب من دول الغرب بإخراج النازحين بالطرق القانونية في حال لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان"، كذلك ساند وزير المهجرين عصام شرف الدين مواقف ميقاتي مؤكداً أنه أياً يكن موقف المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، فإن لبنان مصر "على تنفيذ خطته"، قائلاً، "هذا حقنا الطبيعي، وأنا مفوض من رئيس الجمهورية والحكومة وأربعة ملايين ونصف المليون لبناني، لرفع الأعباء الاقتصادية عنا، إذ لم يعد بإمكاننا التحمل أكثر".
إلا أن تطابق المواقف سرعان ما تحول إلى تصادم عنيف بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون عبر الوزير شرف الدين، إذ تصاعدت الخلافات بعد زيارة الأخير إلى سوريا وإجرائه اتصالات مع دمشق من دون تنسيق مع ميقاتي، ما دفع شرف الدين إلى اتهام رئيس حكومة تصريف الأعمال بمحاولة سحب ملف اللاجئين من سلطته إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بالتوازي مع السعي إلى إخراجه من التشكيلة الحكومية المقترحة.
سقوط الخطة
وفي السياق نفسه، استبعدت مصادر سياسية لبنانية نجاح خطة الحكومة الرامية إلى إعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم، معتبرة أنها مماثلة لمحاولات سابقة تجلت بقيام الأمن العام اللبناني بترحيل أعداد من السوريين قبل أن يعودوا عن طريق التهريب. وقالت المصادر إن النظام السوري ليس متحمساً لاستقبال اللاجئين من الدول الحدودية معه، أي لبنان والأردن وتركيا، لافتة إلى أن الموضوع أكبر من تصريحات وإجراءات تخدم سياسات هذا البلد أو ذاك في حسابات الداخل، مشيرة إلى حسابات يعول عليها النظام بربط عودة اللاجئين بإعادة الإعمار في سوريا.
واعتبر المحلل السياسي مكرم رباح أن الحكومة اللبنانية تقوم بابتزاز المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه باستعمال اللاجئين السوريين كورقة ضغط داخلية وخارجية، موضحاً أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين في لبنان جاؤوا من مناطق احتلها "حزب الله" في منطقة القلمون والقصير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وردت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على تصريحات وزير شؤون المهجرين اللبناني عصام شرف الدين محذرة من أن أي إعادة قسرية للاجئين السوريين ترقى إلى حد انتهاك التزامات لبنان الخاصة بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى بلدان يواجهون فيها خطراً واضحاً بالتعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد.
عقوبات قاسية
من ناحيته، كشف المتخصص في مجال القانون الدولي المحامي طارق شندب عن عقوبات "قاسية" قد تواجه لبنان في حال أعاد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيه قسراً إلى بلادهم، لافتاً إلى أن الدولة اللبنانية هي من تتحمل مسؤولية تغاضيها عن "احتلال (حزب الله) الأراضي السورية وغض النظر عن جرائمه" أمام القانون الدولي الذي يعاقب بدوره المسؤولين عن ترهيب اللاجئين واحتلال أراضيهم والمشاركة إلى جانب النظام السوري في الحرب. وأشار إلى أن كل مسؤول لبناني يسهم بإعادة العلاقات مع النظام السوري وإعادة اللاجئين وتعريضهم للخطر معرض لعقوبات دولية إلى جانب منعه من السفر، كاشفاً أن من العقوبات التي قد تواجه لبنان في حال أصر مسؤولوه على إعادة اللاجئين وقف كل المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية له الأمر الذي سيسهم حتماً في استفحال الأزمة الاقتصادية.
تعزيز الكراهية
وفي تحليل صحافي يقول الكاتب والباحث بمركز "كارنيغي" مهند الحاج علي إن خطة العودة المقترحة هي أشبه بورقة تفاوضية للبنان مع الجهات الدولية لرفع مستوى المساعدات المادية بتحميل اللاجئين جزءاً كبيراً من مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمعيشي، ويعتبر أن خطط العودة لها تداعيات سلبية مثل خلق حساسيات بين اللبنانيين والسوريين وتعزير خطاب الكراهية الذي يتصاعد بنحو غير مسبوق والتحذير من التوطين على الرغم من استحالته.
وفي البعد الحقوقي ترى الباحثة اللبنانية بمنظمة العفو الدولية سحر مندور أن عدم توقيع لبنان على اتفاق اللجوء لا يعفيه من مسؤولياته الإلزامية بمعاهدات أخرى، وأبرزها توقيعه سنة 1984 على اتفاقية "مناهضة التعذيب" التي تنص في مادتها الثالثة أنه لا يجوز لدولة طرد شخص أو تسليمه لدولة أخرى إذا توافرت أسباب تدعو للاعتقاد أنه سيتعرض للتعذيب.
مخيم "ضخم"
ويعتبر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار أن لبنان في بدايات الحوار مع سوريا حول إعادة اللاجئين، مضيفاً أنه لا يوجد حتى الساعة جدول زمني للشروع بالتنفيذ. وقال إن هذا الملف تتداخل فيه مؤسسات دولية من دول مانحة ومجتمع دولي، إضافة إلى المواقف والقرارات السياسية لحل أزمة ما يوازي ثلث الشعب اللبناني من اللاجئين الموجودين على الأراضي اللبنانية. ولفت إلى أن اللجوء يحمل الدولة اللبنانية أعباءً اقتصادية هائلة، مضيفاً، "أي دولة في العالم مهما ارتفع إنتاجها وامتلكت من فائض بموازنتها لا يمكنها استقبال 33 في المئة من نسبة الناس القاطنين على أراضيها"، متحدثاً عن الآثار التي خلفتها "بيئياً وصحياً واجتماعياً"، ومؤكداً أن التقارير تفيد بوجود عملية دخول وخروج للاجئين السوريين عبر المعابر غير الشرعية بأرقام كبيرة، ما يدعو إلى القلق، إذ يرفع أعدادهم إلى أكثر من مليونين، وانتقد، في المقابل، فكرة تنظيم اللاجئين عبر إنشاء مخيم جديد للنازحين السوريين في الأراضي اللبنانية أسوة بتركيا والأردن على الحدود السورية، معتبراً أنها مرفوضة وتشكل "انتهاكاً لسيادة لبنان".