Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلغاء فيلم المرأة الوطواط يكشف أشياء عدة عن هوليوود والرأسمالية

من المقلق أن يمحي استديو سينمائي أحد الأعمال الفنية حتى لو كان متوسط الجودة

صورة حجز في فندق بهاواي حيث واجه الممثل إزرا ميلر تهمة السطو والسرقة (غيتي)

أُحِبْ اقتناء مجموعات الأفلام على أقراص "دي في دي". حتى أنه يسعدني الحصول على مجموعة الأعمال الكاملة لأي مخرج لم أسمع باسمه من قبل، أو مسلسلٍ أُلغي عرضه بعد موسمين. ربما لن أشاهد تلك الأقراص أبداً، لكن كل ما أريده هو امتلاكها. وتزداد رغبتي حين يكون شكلها غريباً أو إذا وُضعت داخل منحوتة ثقيلة. كلما ازدادت إمكانية وضعها على الرفّ صعوبة، كان ذلك أفضل. 

في السابق، شكّل إفراطي الوسواسي في تجميع تذكارات الثقافة الشعبية الزائلة إحدى الصفات المزعجة في شخصيتي. وقد أدت تلك الصفة إلى استحالة انتقالي من منزل إلى آخر بسهولة، أو إقناع الأصدقاء والعشاق المحتملين بأنني بالغ وراشد. لكن فيما نتوجّه نحو فضاء إعلامي يعتمد بشكل شبه كامل على الوسائط الإلكترونية، إذ تمتلك شركات البث التدفقي عبر الإنترنت القدرة على حجب أفلام وحلقات لبرامج التلفزيونية تعتبرها جدلية أو غير مربحة، لم يعد تجميع وسائط الإعلام الملموسة هواية بقدر كونه ضرورة. وبالتالي، أصبحت حماية الإنتاج الفني أكثر أهميةً مع تزايد تعامل الاستديوهات السينمائية معه على أنه لا يختلف عن أي سلعة أخرى، يمكن التخلص منها فجأةً لأسباب قد لا نطّلع عليها أبداً.

منذ أسابيع معدودة، صدر إعلان عن نية المالكين الجدد لشركة "وورنر بروس ديسكوفري" إلغاء فيلم "المرأة الوطواط" [بات غيرل Batgirl]، وعدم تقديمه أبداً إلى الجمهور على الرغم من اكتماله تقريباً. ويزعم مخرجا الفيلم الذي بلغت ميزانيته 90 مليون دولار (77 مليون جنيه استرليني) أنهما لم يتمكنا من دخول الخوادم الحاسوبية التي خزّنت فيها لقطات التصوير، بعد اتخاذ الشركة قرارها. وأفادت تقارير تالية أيضاً عن عزم الشركة على تدمير كل أثر لذلك الفيلم قريباً، كي تسقطه من حساباتها الضريبية. 

ربما لن تعتبروا حرماننا من مشاهدة فيلم جديد من سلسلة أفلام الأبطال الخارقين يدور حول شخصية من الدرجة الثالثة من عالم "الرجل الوطواط" [باتمان]، أكبر مآسي الكوكب. وأنا أتفهم هذا الرأي. لقد تفاوتت نوعية أفلام شركة "دي سي" [شركة إنتاج أميركية متخصصة في الأعمال الخيالية عن أبطال خارقين] التي قدمتها شركة "وورنر بروس"، حتى في أحسن الأوقات، وليس من المرجح أن نكون قد حُرمنا من فيلم عظيم على غرار "المواطن كين" [يعتبر من أشهر كلاسيكيات هوليوود. ولكن، يبقى أن هذا الموضوع [شطب فيلم قبيل اكتماله] يبدو غريباً، أليس كذلك؟ 

من المستغرب أن يُضَحّى باسم الرأسمالية بعمل مئات الأشخاص بين ممثلين وطاقم عمل، بعد أشهر من الكدّ والتعب، من أجل تحصيل إعفاء ضريبي. أحقاً كان الفيلم بهذه الرداءة؟ هل خلطوا بعض أوراق السيناريو عن طريق الخطأ مع كتاباتي الخيالية القديمة المندرجة في إطار أدب المعجبين حول العلاقة المثلية بين مفوض الشرطة غوردون [رئيس البوليس في بلدة غوثام التي يعيش فيها باتمان] وآلفرد [مساعد الرجل الوطواط والصديق المقرب وحافظ أسراره]، فأُفسد الفيلم كلياً؟ لو كان هذا ما حدث، فلا بأس، ولكن يبدو لي الموضوع غير ممكن (أنا أحتفظ بكل كتابات أدب المعجبين في "سيرفر" إلكتروني خاص).  والأغرب بعد هو أنه فيما قررت "وورنر بروس" الاستغناء عن "المرأة الوطواط"، يبدو أن الشركة لا تزال عازمة على إطلاق فيلم "فلاش" العام المقبل، مع أن بطل الفيلم، إيزرا ميلر، قضى العام الماضي في تخريب سمعته الشخصية. ولقد طلب ميلر أخيراً الدعم في مجال الصحة النفسية، إلا أن هذا الطلب لا يغيّر من واقع أن "وورنر بروس " لم تحاول حتى سحب الفيلم، على الرغم من أن الاتهامات الموجهة ضد الممثل تتضمن السرقة والاعتداء وفي مرحلة معينة، شبهة الاختطاف. هل صوّر مخرجا "المرأة الوطواط" بالصدفة عملية قتل أو ما شابه؟ 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من منظور أساسي جداً في العلاقات العامة، يُعدّ خيار التخلص من فيلم للفتيات مسالماً إجمالاً، والتمسك بفيلم للفتيان يثير جدلاً كبيراً، خطوة حمقاء اعتقدت في البداية أنها ستكون جزءاً من حملة تسويقية رباعية الأبعاد ومحنّكة للغاية. ويزداد الموضوع سوءاً حين تفكر في أن الشخصية الرئيسية في "المرأة الوطواط" كانت فتاة مثلية تجاهر بميولها وتفخر بها، وأن سيدة متحولة جنسياً [بمعنى أنها بدّلت هويتها الجنسية كي تتحوّل من ذكر إلى أنثى] كانت ستؤدي دور إحدى الشخصيات البارزة الأخرى. بالتالي، إن هذين الأمرين من شأنهما تشكيل سابقة بالنسبة لعالم شركة "دي سي" السينمائي، إضافة إلى السماح لشركة "وورنر بروس" بالتعبير عن موقف حقيقي بعد عقود من لفتات ضعيفة إجمالاً باتجاه التنوّع في إنتاجات "عالم مارفل" السينمائي [سلسلة أفلام مكرسة للأبطال الخارقين].

حتى من وجهة نظر رأسمالية صرفة وصريحة، نحن نتكلم هنا عن فيلم من سلسلة "باتمان". وليس هذا فحسب، بل إنه عمل من سلسلة أفلام "الرجل الوطواط"، يتضمن عودة الممثل مايكل كيتون بدور شخصية "باتمان" التي أدّاها في فيلم عام 1989، من إخراج تيم بورتون. يريد الجانب الشكّاك من شخصيتي أن يقول إن كل هذا حدث لأن مدراء "وورنر بروس" الجدد لا يهمهم سوى الربح المادي، ولكن في مرحلة معينة، يبدو كأنهم أرادوا إحراق رزمة كبيرة من المال كي يبعثوا برسالة. هل مدير "وورنر بروس" الجديد هو "الجوكر" [أحد أعمال سلسلة الرجل الوطواط، نال شهرة هائلة وتناول شخصية "الجوكر" التي تثير أسئلة شائكة عن الشر والخير]؟ إنها نظرية لا تقل منطقية عن أي فرضية أخرى تخطر لي.

 ولكن ما أنا متيقّن منه هو أنه حينما يسمح استديو سينمائي لنفسه بأن يمحي الفن، حتى إن كان متوسط الجودة، يعتبر هذا التصرف سابقة مقلقة. لطالما تمتعت الاستديوهات بالقدرة على تغيير الأفلام أثناء تصويرها، أو تعديلها بعد التصوير، كي تصبح مختلفة كلياً عن النسخة الأصلية. في المقابل، تبدو مقاربة الأرض المحروقة الجديدة هذه، مبالغة كبيرة. حينما تصنع شيئاً مثل فيلم، تتخطى قيمة هذا العمل حدوده الخاصة، لتصل إلى العالم وتؤثر في الثقافة بمعناها الأوسع بأشكال صغيرة وكبيرة. ويعدّ اختيار حجب أو محو هذه القيمة بمثابة تخريب ثقافي، بغض النظر عن أسبابه. وحينما تكون هذه الأسباب متعلقة بالربح بهذا الشكل السافر، يبدو التخريب أكثر حدة ودماراً. ليست مقولة "الرأسمالية تدمّر الابتكار" بجديدة. إن أي طالب فن في سنته الأولى سيردد تلك الكلمات عينه. لكن تسارع هذا الدمار وتوسيع رقعته أمر جديد ومقلق للغاية. نستهلك الفن والترفيه كل يوم، لكننا نرفض أن نعامل هذا المجال على أنه سلعة حيوية، لكنه بالفعل كذلك، بل نعتبره عملاً لعوباً نسمح بكل لباقة للعاملين في مجال الإبداع والابتكار أن ينشغلوا فيه. 

لست أقول إن شطب فيلم غير جيد ربما، مشتق عن قصة "باتمان" هو نسخة القرن الحادي والعشرين عن حرق مسببات الخطيئة بأمر من السلطات الدينية في العصور الغابرة. وفي المقابل، إن ذلك الشطب أمر يستدعي القلق، من دون شك. أتمنى ألا تكون هذه الحادثة مؤشراً على طريقة تعاطينا مع الفن في المستقبل. وفي أثناء ذلك، سوف أستمر في جمع أقراص "دي في دي"، على سبيل الاحتياط.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 29 أغسطس 2022

© The Independent

المزيد من سينما