مع تحذير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من أن أميركا ستواجه مشكلات لم ترها من قبل إذا وجهت وزارة العدل اتهامات إليه في شأن تعامله مع وثائق سرية بعد ترك منصبه، عاد الحديث بقوة في الولايات المتحدة عن التهديدات باندلاع حرب أهلية ثانية في البلاد، بخاصة أن ما يقرب من نصف الأميركيين يتوقعون ذلك، وأصبح السياسيون الجمهوريون والديمقراطيون والأكاديميون الذين يدرسون الحرب الأهلية والمتطرفون من كلا الطرفين يتقبلون فكرة أن تلك الحرب إما وشيكة وإما ضرورية. فما هي الحرب الأهلية؟ وما أسباب اندلاعها ومدى قوة تأثيرها، وهل ينطبق ذلك بالفعل على الولايات المتحدة؟
مفهوم الحرب الأهلية
ظهر مصطلح "الحرب الأهلية" لأول مرة في القرن الأول قبل الميلاد واستخدم لوصف الحروب الأهلية الرومانية التي اندلعت آنذاك، وجاء المصطلح من العبارة اللاتينية "بيلوم سيفيل" التي تترجم إلى "حرب تتعلق بالمدنيين"، لكن الحروب الأهلية تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، وسجلها التاريخ قبل ذلك بعدة قرون في الصين ومصر القديمة وفي اليونان حينما اندلعت الحروب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة في صراع على النفوذ، ومنذ ذلك التاريخ غرق عديد من الدول، كبيرها وصغيرها في جميع أنحاء العالم، في حروب أهلية ولأسباب مختلفة.
وتعرف الموسوعة البريطانية الحرب الأهلية بأنها نزاع عنيف بين دولة وطرف أو أكثر غير حكومي داخل أراضي الدولة، وتشمل قمع الدولة ضد الأفراد الذين لا يمكن اعتبارهم مجموعة منظمة أو متماسكة، بما في ذلك الإبادة الجماعية وأشكال الصراع المختلفة، لكن بعض المحللين يميزون بين الحروب الأهلية التي يسعى فيها المتمردون إلى الانفصال أو الحكم الذاتي والصراعات التي يهدف فيها المتمردون إلى السيطرة على الحكومة المركزية.
وفي حين أن اتفاق جنيف لا يستخدم مصطلح الحرب الأهلية فإنه يحدد قواعد الحرب للنزاعات غير الدولية. وأوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذه القواعد وطبقت مصطلح الحرب الأهلية في قواعد الحرب بهدف منع إلحاق الأذى بالمدنيين غير المشاركين في الحرب الأهلية.
ويقول عالم السياسة جيمس فيرون في مقال نشره مركز الأمن الدولي والتعاون بجامعة ستانفورد الأميركية إن "الحرب الأهلية تشير إلى نزاع عنيف بين مجموعات منظمة داخل بلد ما تقاتل للسيطرة على الحكومة أو لتحقيق أهداف انفصالية أو رفضاً لبعض سياسات الحكومة المثيرة للانقسام"، لكن لكي يوصف الصراع بأنه حرب أهلية يستخدم معظم الأكاديميين حداً أدنى هو سقوط 1000 قتيل، وهو معيار يؤدي إلى إدراج معارك عدد كبير من حركات التمرد الريفية حول العالم ضمن الحروب الأهلية، الأمر الذي ينتقده باحثون آخرون.
تعقيدات وتداخلات دولية
لكن إذا أصبح الصراع مجرد مسألة عنف بين طوائف دينية مدفوعة بالانتقام والكراهية بدلاً من الأهداف السياسية، فإن عديداً من علماء السياسة سيقولون إنه شيء آخر غير الحرب الأهلية، فلا أحد تقريباً يصف العنف بين الهندوس والمسلمين في الهند على سبيل المثال على أنه حرب أهلية أو بين المسيحيين والمسلمين في إندونيسيا، طالما أن الدولة نفسها ليست منخرطة بشكل نشط أو علني في الصراع حتى عندما تعلن موقفاً معيناً. ولهذا السبب يستبعد عديد من المتخصصين الصراعات الطائفية من الحروب الأهلية ويقتصرون الحروب الأهلية على الحروب الانفصالية والمدولة.
ويعود ذلك إلى أن الحرب الأهلية يجب أن تتضمن محاولات للاستيلاء على السلطة في مركز الحكومة أو في منطقة معينة أو استخدام العنف لتغيير بعض السياسات الحكومية الرئيسة، ومع ذلك فإن فراغ السلطة في المركز يعني أن العنف الطائفي سيرتبط حتماً بالصراعات على السلطة السياسية ومحاولة السيطرة على الحكم.
كما يجادل البعض أن الحرب في البوسنة والهرسك خلال تسعينيات القرن الماضي، وعلى رغم أنها اشتملت على صراع عرقي وطائفي، يجب أن ينظر إليها على أنها حرب بين الدول وليست حرباً أهلية، لأن القوات الصربية - البوسنية كانت مسلحة وموجهة إلى حد كبير من العاصمة الصربية بلغراد. وفي مثال آخر، غالباً ما توصف أعمال العنف التي أعقبت رحيل موبوتو سيسي سيكو في الكونغو بأنها حرب أهلية، على رغم ارتباط المقاتلين المتمردين ارتباطاً وثيقاً بجيوش من الدول المجاورة.
وقد يكون النزاع حرباً أهلية وحرباً بين الدول في الوقت ذاته، فحرب فيتنام، على سبيل المثال، تضمنت بوضوح حرباً أهلية بين الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته حرباً بين الدول حيث كانت فيتنام الشمالية مدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين وحلفاء شيوعيين آخرين، بينما كانت فيتنام الجنوبية مدعومة من قبل الولايات المتحدة التي انخرطت بشكل مباشر في الحرب، فضلاً عن دعم من كوريا الجنوبية والفيليبين وأستراليا وتايلاند وحلفاء آخرين مناهضين للشيوعية.
أربعة أنواع
ويصنف عالم السياسة ستيفان نيكولوف في موسوعة "العنف والسلام والصراع" الحرب الأهلية إلى أربعة أنواع عامة هي الإبادة الجماعية والثورات والحروب الانفصالية والحروب المدولة، وذلك على اعتبار أن الحروب الأهلية ليست ظاهرة متجانسة، ولكن تتباين أسسها ودوافعها وأهدافها بشكل كبير.
وتبدأ هذه الأنواع بالإبادة الجماعية، وهي القتل الجماعي لمجموعة من الناس، بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة عرقية أو دينية أو التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطر لأفراد المجموعة، أما الثورات فتشمل محاولات إطاحة الحكومة الحالية أو تغيير النظام السياسي في الدولة باستخدام القوة المسلحة النظامية أو غير النظامية، ويميل بعض الكتاب إلى تقسيم الثورات إلى انقلابات وتمردات، وعادة ما تكون الانقلابات العسكرية من سمات الأنظمة السياسية غير الناضجة وغير المستقرة، كما هو الحال في أميركا اللاتينية خلال القرنين الـ 19 والـ 20 ودول البلقان في النصف الأول من القرن الـ 20، وأفريقيا جنوب الصحراء، بخاصة في الستينيات والسبعينيات.
وتشير الحروب الانفصالية إلى الأنشطة في المناطق التي تكافح للانفصال عن المركز مثل الحركة الانفصالية الألبانية في كوسوفو أو الأكراد في تركيا أو التاميل في سريلانكا ويتفق عديد من المحللين في أن الحروب الانفصالية تكون مرتبطة بمصالح القوى الإقليمية أو العالمية التي قد تعرقل أو تسهل الانفصال المحتمل وتغيير الحدود، فضلاً عن شدة الصراع وعملية السلام المحتملة.
عولمة الصراعات
أما مصطلح "الصراع المدول" فيشير إلى حالة تدخل فيها دول مجاورة أو قوى خارجية أخرى في الحرب الأهلية، وهذه ليست بالضرورة فئة منفصلة في تصنيف الحرب، ولكن يمكن أن تنسب إلى أي من الفئات السابقة، وفي بعض الحالات تكون منطقة الحرب الأهلية متاخمة لدولة أخرى، أو تتداخل مع دول مجاورة بخاصة عندما تنقسم بعض الأعراق على الحدود، وفي بعض الأحيان تفر الجماعات المتمردة إلى البلدان المجاورة أو تبحث عن اللجوء إليها، وقد تتدخل الدول القوية المجاورة للنزاع في عملية الصراع، كما كان الحال مع التدخل الهندي في الحرب الأهلية السريلانكية، أو في بنغلاديش (باكستان الشرقية) سابقاً، وقد تشارك القوى العظمى في عمليات حفظ السلام النشطة، مثل تدخل فرنسا في عديد من مستعمراتها السابقة في أفريقيا.
ومن المرجح أن تؤدي عمليات التدويل، أو عولمة الصراع إلى رفع فرص التدخلات في الحرب أو السلام، اعتماداً على ما إذا كانت تخدم مصالح أخرى، وتعد الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وفرنسا ودول أخرى متورطة باستمرار في صراعات شبيهة بالحرب في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان عبر نشر القوات النظامية والقوات الجوية والعربات المدرعة وإعادة التسلح وتدريب القوات الحكومية أو المضادة للحكومة باستخدام المرتزقة والجيوش الخاصة، بالتالي خرق القانون الدولي.
أسباب الحرب الأهلية
يشير موقع "ساينس دايركت" إلى أن معظم النظريات السياسية تقدم تفسيرات مختلطة لسبب اندلاع الحروب الأهلية في أوقات محددة من دون غيرها، لكن بعض أبحاث الحركات الاجتماعية تشير إلى أن بعض الأحداث يمكن أن تخلق الأسس والهياكل المناسبة للفرص السياسية، والتي توفر للجماعات احتمالات أفضل لانتزاع تنازلات من الدولة، وقد تشمل هذه العوامل مظاهر ضعف الدولة، أو الصراع بين النخب الحاكمة، أو الأحداث التي تسهل على المجموعات حشد وتعبئة الجماهير.
ويمكن أن يؤدي تغيير النظام والإشارات الأخرى إلى ضعف سلطة الدولة وزيادة فرص النجاح المتصورة أو انتزاع التنازلات من الحكومة، ويمكن أن تزيد الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية من أخطار نشوب النزاعات، وهذا يتفق مع فكرة أن الأزمات وحالات الطوارئ يمكن أن تساعد في توفير بيئة لحشد الاحتجاج ضد الحكومة وعلى سبيل المثال، أدى زلزال عام 1973 في نيكاراغوا والفساد الهائل ونقص عمليات إعادة الإعمار اللاحقة إلى خيبة أمل واسعة النطاق وساعد التمرد الماركسي طويل الأمد على زيادة تعبئة وحشد الجماهير بشكل كبير.
دور الفقر
يحدث معظم الحروب الأهلية داخل مجتمعات أفقر نسبياً، حيث تميل دراسة العنف داخل المجتمعات إلى التركيز على الحرمان الاقتصادي والمظالم كدوافع رئيسة للحروب الأهلية وعلى سبيل المثال، سلط عالم السياسة الأميركي تيد غور، الضوء على عدم المساواة وكيف يمكن للجماعات أن تلجأ إلى التمرد إذا كانت غير راضية عن وضعها الاقتصادي الحالي بالنسبة لتطلعاتها، كما أكدت الدراسات المتعلقة بالصراعات القومية على أنه من المرجح أن تتمرد الجماعات الأكثر فقراً وكذلك الأكثر ثراءً نسبياً على السلطة المركزية، إذا اعتقدوا أن بإمكانهم تحسين حياتهم والقيام بعمل أفضل في ظل الاستقلال، ولهذا غالباً ما تم تفسير الحروب الأهلية في بلدان أميركا اللاتينية في إطار يركز على المظالم الاقتصادية بسبب التوزيع غير المتكافئ للثروة أو ارتفاع عدم المساواة في الدخل.
واعتبر الاقتصاديان البريطانيان بول كوليير وأنك هوفلر أن الدخل الإجمالي المنخفض يجعل من السهل تعبئة حركات التمرد، لأن الأشخاص الذين يتم حشدهم للتمرد سيكون لديهم القليل مما يمكن أن يخسروه في الدخل الضائع من الأنشطة الاقتصادية العادية، في حين زعم العالمان السياسيان الأميركيان جيمس فيرون وديفيد لايتين، أن الحرب الأهلية هي في الأساس مشكلة دول ضعيفة، وأن الضعف يتحدد إلى حد كبير من خلال التنمية الاقتصادية.
فرص نجاح التمرد
وتكون فرص حركات التمرد أكبر عندما يتمكن المشاركون من الاستفادة من الحرب، من خلال النهب أو من خلال السيطرة على الموارد الطبيعية القيمة، حيث دعمت بعض الدراسات الصلة المفترضة بين وجود موارد طبيعية ثمينة، وزيادة أخطار نشوب حرب أهلية، وهو ما ينطبق على بعض الدول الأفريقية كما أشارت بعض الدراسات.
وأشار عديد من العلماء إلى أنه على رغم أن المؤسسات الأوتوقراطية توفر عدداً أقل من السبل للأنشطة السياسية غير العنيفة والاحتجاج، فإن الأنظمة الاستبدادية غالباً ما تكون قمعية بما يكفي لردع أي معارضة كبيرة، ووفقاً لذلك، فإن الأنظمة التي تجمع بين السمات الاستبدادية والديمقراطية هي الأكثر عرضة للصراع العنيف، لأنها تجمع بين الافتقار إلى الحرية السياسية والفرص الكافية للاحتجاج، والتي قد تكون غائبة في ظل نظم أكثر قمعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأثر الاقتصادي
تعد الحروب الأهلية بشكل عام أقل حدة من الحروب بين الدول، ومع ذلك كانت الحروب الأهلية أكثر تواتراً وتستمر لفترات أطول، كما أن الغالبية العظمى من الوفيات المسجلة في المعارك منذ الحرب الباردة تنبع من الحروب الأهلية، وقد يكون للحرب الأهلية تأثير كبير غير مباشر على رفاهية الإنسان يتجاوز الخسائر المباشرة في الأرواح.
وفقاً لدراسة نشرها الباحثان نورما كروغر ومارك غريزوفيتش في "أوكسفورد جورنال"، فإن الحروب الأهلية وما شابهها من أعمال عنف واسعة النطاق تؤدي إلى الموت والإصابة والمرض والتشرد والبؤس، كما يحد إضعاف الدولة من قدرتها على حماية الأشخاص والممتلكات والخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم ويصبح النشاط الاقتصادي الخاص صعباً أو مستحيلاً.
وأشارت بحوث أخرى إلى أن البلدان التي تشهد حرباً أهلية تعاني انخفاضاً واضحاً في الناتج المحلي الإجمالي، ولا تستعيد مسار نموها الاقتصادي السابق، كما تعطل الحروب الأهلية التجارة والاستثمار وتترك إرثاً اجتماعياً خطراً يضر المحاربين السابقين العاطلين عن العمل والأفراد المشردين، ولا تقتصر الآثار السلبية للحرب الأهلية على البلدان التي تعانيها، إذ تعاني الدول المجاورة أيضاً من آثار اقتصادية سلبية وقد تكون أكثر عرضة للعنف.
الأبعاد الدولية للحرب الأهلية
يمكن لعوامل خارجية أن تلعب دوراً مهماً في اندلاع وتطور النزاعات الأهلية، إذ لا يقتصر المشاركون في عديد من الحروب الأهلية دائماً على البلدان التي يدور فيها معظم القتال، فغالباً ما تمتد الجماعات العرقية عبر الحدود الدولية، وكثيراً ما يشارك الأقارب المنتشرون عبر الحدود، في دعم حركات التمرد في دول أخرى، وإضافة إلى ذلك فإن وجود الصراع في دولة مجاورة يمكن أن يساعد في تسهيل التعبئة العنيفة، إما من خلال محاكاة التمرد الناجح، وإما من خلال الاستقبال المباشر للأسلحة والمقاتلين.
وترتبط الحروب الأهلية ارتباطاً وثيقاً بالحرب بين الدول، إذ من المرجح أن تحفز العلاقات الضعيفة بين الدول الحكومات على دعم حركات التمرد في البلدان المتنافسة، وقد تؤدي الحروب الأهلية بدورها إلى نشوب صراع عسكري بين الدول، نتيجة لانتهاكات الحدود أو الدعم المزعوم للمتمردين.
هل أميركا مقبلة على حرب أهلية؟
يفترض ستيفن ماركي، مؤلف كتاب "الحرب الأهلية التالية، نظرة من المستقبل الأميركي"، أنه نظراً إلى أن تهديدات المتطرفين في أميركا أصبحت أكثر وضوحاً وتحديداً، فإن خطابهم تسرب إلى التيار الرئيس للمجتمع الأميركي، وانعكس في سلوك الولايات، وعلى سبيل المثال تتحدى ولاية تكساس السلطة الفيدرالية وترسل المهاجرين إلى واشنطن، ويعلن الحزب الجمهوري في تكساس الرئيس جو بايدن، بصفته القائم بأعمال الرئيس وليس الرئيس المنتخب، كما سعى الحزب إلى استفتاء الناخبين في شأن الانفصال عن الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن النخبة السياسية في واشنطن أصبحت قلقة من أدلة تبدو مقنعة على أن الأمر يزداد سوءاً، ومن بين ذلك، عاصفة من التهديدات ضد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والقضاة والمسؤولين المنتخبين، وانتشار معسكرات التدريب التي يمارس المتطرفون المدججون بالسلاح عمليات لمواجهة حكومتهم، فضلاً عن ظهور مزيد من استطلاعات الرأي التي تقول إن عديداً من الأميركيين يتوقعون اندلاع حرب أهلية أو على الأقل صراعات عنيفة في المجتمع الأميركي خلال السنوات القليلة المقبلة.
ويعترف الباحثان في معهد بروكينغز في واشنطن داريل ويست ووليام غيل بعديد من القضايا الساخنة التي تعد وقوداً للاستقطاب المتزايد في الولايات المتحدة، ومنها قضايا المساواة العرقية، والحد من الأسلحة والإجهاض وشرعية الانتخابات وتغير المناخ واللقاحات والهجرة وأمن الحدود الأقنعة، وهي قضايا ثقافية واقتصادية وسياسية تولد الغضب والعداء، بل إن بعض الولايات تمرر تشريعات رئيسة تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك الموجودة في أماكن ولايات أخرى مثل تشريعات الإجهاض والسلاح.
نذير خطر
ووفقاً للمؤسسة الوطنية لرياضات الصيد باستخدام الأسلحة النارية، وهي جمعية لتجارة الأسلحة، هناك "434 مليون سلاح ناري في حيازة المدنيين" في الولايات المتحدة، أي بمعدل 1.3 بندقية لكل شخص، من بينها أسلحة شبه آلية يصل عددها إلى 19.8 مليون في المجموع، مما يجعل السكان مدججين بالسلاح بدرجة عالية ولديهم قدرات خطرة.
وحذرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن هناك عدة مئات من الميليشيات الخاصة موجودة الآن في جميع أنحاء البلاد، وأنها انتشرت أكثر في السنوات الأخيرة، وتتكون بشكل عام من رجال بيض يمينيين قلقين في شأن تغيير التركيبة السكانية في البلاد، والتضخم وركود الأجور، وكيف سيؤثر تحول أميركا متعددة الأعراق عليهم، الأمر الذي يخلق إمكانية العنف لأنها تميل إلى جذب الأفراد المتطرفين، وتدريب الأعضاء على المواجهات العنيفة، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز المعتقدات الحالية لدى الناس.
الحرب ليست حتمية
لكن على رغم هذه العوامل والتحذيرات المذكورة فإن الحرب الأهلية ليست حتمية بحسب تحليل الباحثين في معهد بروكينغز على اعتبار أن هذا السيناريو المخيف يواجه عديداً من العوامل المقيدة التي من شأنها وقف تصعيد الصراع. ويستند ذلك إلى أن معظم المنظمات المسلحة التي تتحدث عن الحرب الأهلية هي مؤسسات خاصة وليست عامة، وهو ما يختلف تماماً عن الحرب الأهلية السابقة عندما انفصلت الولايات الجنوبية عام 1860، وكان لديها قوات شرطة ومنظمات عسكرية وميليشيات ترعاها الولاية، وهذا يختلف بشكل كبير عن اليوم، حيث القوى التي نظمت للعنف الداخلي، لا ترعاها الولايات أو الحكومات المحلية وليس لديها صلاحيات الوكالات الحكومية، وهي طوعية بطبيعتها، حيث لا يمكنها إجبار أعضاء آخرين على الانضمام إليها أو تجنيدهم قسراً. السبب الثاني أنه لا يوجد انقسام إقليمي واضح بين الشمال والجنوب على غرار ما كان موجوداً في القرن الـ 19، وعلى رغم أن هناك اختلافات بين المناطق الحضرية والريفية داخل ولايات محددة، إذ يسيطر التقدميون على المدن بينما يقيم المحافظون في المجتمعات الريفية، فإن هذا الانقسام مختلف تماماً عما كان عليه الحال عندما كانت منطقة ما تستطيع أن تشن حرباً على منطقة أخرى، ويحد عدم وجود تقسيم جغرافي مميز أو موحد من القدرة على مواجهة مناطق أخرى وتنظيم سلاسل التوريد وتعبئة السكان.
الصخب السلمي
هناك أيضاً تاريخ من العمل السلمي من خلال صندوق الاقتراع، فعلى رغم اتهامات الجمهوريين المتزايدة بأن الانتخابات التي يخسرونها مزورة فإنهم يلجأون إلى حل النزاع بالوسائل الانتخابية والسياسية وليس عبر القتال، وعلى رغم تدهور بعض الضمانات الإجرائية والحماية الديمقراطية، فإن سيادة القانون لا تزال قوية والمسؤولون الحكوميون في موقف حازم لمعاقبة أولئك الذين ينخرطون في أعمال عنف.
ولهذا يأمل البعض أن تسمح هذه العوامل المقيدة بتجنب حرب أهلية واسعة النطاق، ومع ذلك فإن اعتقاد ما يقرب من نصف البلاد أن هذا الصراع محتمل يجعل هناك حاجة إلى التعامل مع هذا السيناريو على محمل الجد، فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها التهديد بتقسيم البلاد بشكل حاد، وإذا كانت الحرب الأهلية السابقة أدت إلى وفاة أكثر من 600 ألف شخص، وكان لها تأثير مدمر على الاقتصاد والنظام السياسي والمجتمع ككل، فلا أحد يعلم مدى التأثير الذي يمكن أن تخلفه حرب أهلية ثانية عندما ينهار نظام الحكم الأساسي في واشنطن، إذ لا شك أن الصدمة المحلية والدولية ستكون أكثر من مدوية وستطاول الجميع.