يعيش رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد حالة تخبط وتناقضات في ظل تراجع شعبيته قبل شهر من الانتخابات البرلمانية، ويضع القضايا الأمنية على رأس أولوياته، فمن ناحية وصل الذروة في تهديداته للبنان بتنفيذ عمليات سرية في عمق أراضيه وفق الخطة العسكرية التي تمارسها تل أبيب في سوريا "المعركة بين الحروب". ومن جهة أخرى يتحدث بتفاؤل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق حول الحدود البحرية مع لبنان خلال فترة قصيرة، إذ يقدر أمنيون وسياسيون أنه سيتم التوقيع على الاتفاق في غضون أسبوع أو اثنين.
وجاءت تهديدات لبيد بنقل "المعركة بين الحروب" بتزامن تقرير إسرائيلي يحذر من أن "استمرار هذه الخطة وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا، من شأنه أن يضع المنطقة برمتها على شفا حرب أو يؤدي إلى تصعيد أمني خطير"، وفق عقيد احتياط، ديفيد شطيرنبرغ معد التقرير. ويرى أمنيون أن تهديد لبيد في غير مكانه وتنفيذه بنقل "المعركة بين الحروب" إلى لبنان يؤدي إلى تسريع التدهور واحتدام التوتر في المنطقة.
منصة لبنانية للغاز أمام نظيرتها الإسرائيلية
وعد لبيد في تصريحات إعلامية لمناسبة رأس السنة العبرية التهديدات الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لن تدفع إسرائيل نحو حرب إنما تجعلها تواجه هذه التهديدات بطرق عدة بينها نقل (المعركة بين الحروب) وتنفيذ عمليات سرية". وتعني تنفيذ عمليات لا تعترف تل أبيب بأنها وراءها في لبنان وفق ما اتبعت من سياسة تجاه سوريا، حتى فترة قريبة.
لكن لبيد، المتهم بالخضوع لتهديدات حزب الله بسبب تصريحات سابقة حول ضرورة التوصل إلى اتفاق حول الحدود البحرية، شدد على أنه "في حال أصبح تهديد حزب الله جدياً ولا يمكن احتواؤه فلن يكون أمام إسرائيل سوى الرد".
وفيما قدر أمنيون إسرائيليون توقيع الاتفاق مع لبنان في غضون أسبوع أو اثنين، اكتفى لبيد هذه المرة بالقول "لا أعتقد أنه من السيئ أن يكون للبنان نوع من القاعدة الاقتصادية مع منصة للغاز الطبيعي بالقرب من حدود إسرائيل. ليس لدينا مصلحة في مضايقته، وإذا كان لديه منصة أمام منصتنا، فهذا ترتيب جيد". وشدد لبيد على أن "استخراج الغاز من منصة "كاريش" غير مرتبط بالمفاوضات، وستبدأ المنصة باستخراجه من دون تأخير عندما يكون ذلك ممكناً".
تجاهل تقديرات الأمنيين
الحديث عن عرض يتبلور من قبل الوسيط الأميركي للتوصل إلى اتفاق بين تل أبيب وبيروت حول الحدود البحرية استعرضه أمنيون إسرائيليون في اجتماع خاص دعا إليه لبيد، لبحث سبل التعامل مع أي تطورات حاصلة في أعقاب الخلاف مع لبنان.
وخلال الاجتماع تبين أن الوسيط الأميركي نجح في إحراز تقدم ملموس قد يؤدي إلى التوقيع على الاتفاق في غضون أسبوعين أو أقل من ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن لبيد تجاهل هذا الجانب واختار التهديد وسيلة لاستقطاب الإسرائيليين وتعزيز شعبيته المتراجعة أمام منافسه بنيامين نتنياهو، الذي يضع الأمن على رأس برنامجه الانتخابي ويحاول في كل مناسبة إبراز لبيد كشخصية ضعيفة ومهزومة أمام تهديدات الخارج.
"المعركة بين الحروب"
وفي ظل التفاؤل الإسرائيلي باقتراب التوقيع على اتفاق مع لبنان حول الحدود البحرية، أثارت تهديدات لبيد بالعمليات السرية ونقل "المعركة بين الحروب" إلى لبنان، من جديد النقاش الإسرائيلي حول الخطة التي أعدها الجيش الإسرائيلي في محاولة لتعزيز ردعه وبناء استراتيجية جديدة تجاه الحدود الشمالية، وسوريا على وجه الخصوص.
في تقرير حول الموضوع أعده العقيد في الاحتياط ديفيد شطيرنبرغ بمشاركة المقدم في الاحتياط ديفيد سيمانطوف، وعدا أن الجيش الإسرائيلي سيحافظ على "المعركة بين الحروب" في المستقبل القريب ضمن مخططاته الجديدة في السياق "الجيوسياسي – العسكري" بالصراع مع إيران في سوريا وستكون خطة "المعركة بين الحروب" الرد الإسرائيلي على كل تهديد من الخارج، وهذا في حد ذاته يتماشى وتهديدات لبيد بتنفيذ عمليات سرية في لبنان.
وذهب الاثنان إلى أن استخدام "المعركة بين الحروب" في سوريا منذ عام 2017 مرحلة ثالثة في هذه الخطة الإسرائيلية، وقالا "لقد حصل تغييران مهمان في هذه الخطة وهما: وضع هدف جديد لها بعد أن وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران وبطريقة تتطلب خصائص تفكير وعمل متميز. أما التغيير الثاني فهو تحويل شعبة الاستخبارات إلى قائد المعركة تحت قيادة رئيس الأركان بطريقة تطلبت كمالية نظام المعركة من تحديد الأهداف إلى تنفيذها".
لكن التقرير الذي أعداه يحذر من أن الاستثمار في "المعركة بين الحروب" في السنوات الأخيرة، مع التركيز على جانب استخباراتي غير ملائم ويخلق إشكالية لأمن إسرائيل.
اللعب بالنار
استعرض التقرير مواقف جهات عدة من هذه الخطة، فيها تناقضات واختلافات. فهناك من يرى أن "المعركة بين الحروب" باتت بمثابة من يلعب بالنار بإلقاء عود ثقاب في جميع الساحات والجبهات مع خطر نشوب حريق هائل في مقابل استعداد جزئي ومحدود لمثل وضعية كهذه. جهات أخرى تعد هذه الخطة فاشلة ولم تسهم في أي تأثير استراتيجي لهذا النهج، ويعد الاستثمار في المعركة بين الحروب خطأ استراتيجياً ويجب التراجع عنه أو إيقافه.