تصاعد سقف مطالب الأقليات العرقية التي تمثل طبقات اجتماعية من مكونات الدولة الليبية على غرار التبو والطوارق والأمازيغ الذين أكدوا أنهم الأكثر حرصاً للحصول على حقوقهم، خصوصاً بعد اندلاع ثورة فبراير (شباط) 2011، التي كانت بمثابة الدافع لهم لتثبيت حقوقهم دستورياً.
وتعود الخلافات السياسية بين العرب والأمازيغ إلى الحقبات الاستعمارية حتى حصول ليبيا على استقلالها عام 1951، إذ عمل الملك إدريس السنوسي على التخفيف من وطأة هذا الصراع العرقي بين العرب والأمازيغ وبقية المكونات العرقية من خلال إطلاق اسم المملكة الليبية المتحدة على ليبيا من دون ذكر كلمة عربية، لكن انقلاب القذافي عام 1969 أحدث تهميشاً للمكون الأمازيغي، حيث منعهم من تسمية مدنهم وأبنائهم بأسماء أمازيغية.
ومع سقوط نظام القذافي عام 2011 حرص الأمازيغ الذين يمتد وجودهم من الجبل الغربي على الحدود التونسية الجزائرية حتى مدينة زوارة الساحلية القريبة من الحدود الجنوبية للدولة التونسية، على استغلال هذا التحول السياسي لاسترجاع حقوقهم التي سلبها منهم القذافي.
وسعى
الأمازيغ للحضور في جميع المحافل المحلية والدولية للمطالبة بحقوقهم وتعريف العالم الخارجي على مطالبهم وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية وحصولهم على مقاعد أكثر في السلطة التشريعية التي لا تتجاوز ستة مقاعد مقسمة على مقعدين لكل من الأمازيغ والتبو والطوارق، وهو ما اعتبره الأمازيغ غير عادل.
في المقابل، رفض أمازيغ ليبيا ما جاء في مسودة دستور لجنة الـ60 عام 2017 لأنه بحسب وجهة نظرهم لا يضمن حقوقهم التي يأتي في مقدمتها حق التصويت الكامل في ما يخص القرارات المتعلقة بهويتهم باعتبارهم السكان الأصليين لليبيا، كإضافة العلم الأمازيغي إلى جانب العلم الليبي ووضع اللغة الأمازيغية كلغة ثانية للدولة الليبية وهو ما رفضه العرب باعتبار أن 95 في المئة من ليبيا يتكلمون العربية كلغة رسمية، فيما اعتبر الأمازيغ ذلك نوعاً من العنصرية ضدهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بداية التهميش
في حديث لـ"اندبندنت عربية". يقول السفير السابق في السويد إبراهيم قرادة (أمازيغي) في إجابة عن أسباب الخلافات السياسية بين العرب والأمازيغ في ليبيا، إن "هذه الإشكالية لها مقاربات عدة وسرديات منها التاريخي المتراكم والفكري الأيديولوجي والمجتمعي السياسي، وبذلك يكون الخلاف الحالي بين العرب والأمازيغ هو خلاصة لكل ما سبق".
ويضيف أن "الواقع الراهن للمكون الأمازيغي، هو نتاج عقود طويلة من الاضطهاد و
التهميش الهوياتي والثقافي بسبب تبني منهج عربي متطرف مارس جهد إلغاء التاريخ (الأمازيغ هم سكان ليبيا الأصليين) وتعريب الأمازيغ".
وحول ما إذا كانت ثورة فبراير 2011 قد حققت بعض المطالب للأمازيغ يرى السفير السابق أن "مشاركة الأمازيغ في الثورة الليبية أسهمت في تصحيح العديد من المظالم وتحقيق بعض المطالب وعلى رأسها المشاركة السياسية للأمازيغ ولو أنها ما زالت ضعيفة".
عودة الإقصاء
وينبه قرادة إلى أن "حالة الصراعات المستمرة منذ 2014 أعادت إلى الذاكرة المخاوف من تجدد التهميش بخاصة عودة مظاهر الإقصاء السياسي والثقافي وتزايد القبلية والجهوية، مما جعل طيفاً مهماً من الحركة الأمازيغية تنتبه وتنبه من ذلك على غرار فرض مسمى القوات المسلحة العربية الليبية على القوات التي يقودها المشير حفتر وما تحمله هذه التسمية من إنكار وإلغاء لبقية المكونات الليبية".
ويشير إلى أن "المكون الأمازيغي مهمش سياسياً وإدارياً في كل الحكومات انطلاقاً من اتفاق الصخيرات (نهاية 2015) وصولاً إلى حكومة عبدالحميد الدبيبة وحتى حكومة فتحي باشاغا المسماة من برلمان طبرق في فبراير الماضي، حيث إن التمثيل الأمازيغي فيها شكلي حيث تم تحويل مديريات ضعيفة في بعض الوزارات الصغيرة وتسميتها وزارات، ومواصلة في إمعان التهميش يختار لهذه الوزارات الهامشية شخصيات غير مقتدرة سياسياً مقارنة بتعظيم دور أطراف سياسية ومكونات مجتمعية أقل عدداً ودوراً من الأمازيغ".
وحذر قرادة من سكوت المؤسسات الرسمي عن التطاول والتضييق على "المذهب الأباضي" (وهو مذهب أمازيغ ليبيا) من دون نسيان الإهمال التنموي للمناطق الأمازيغية ما يؤكد أن أساس الخلافات بين العرب والأمازيغ ليس الاختلاف السياسي فقط بل يشير إلى مشكلة أعمق وأخطر ستظهر إلى السطح قريباً لتعقد الأزمة الراهنة أكثر".
الحوار هو الحل
في سياق متصل، يتفق رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية جمال الفلاح مع قرادة في ما يتعلق بجذور الخلافات بين العرب والأمازيغ على أنها خلافات تاريخية قديمة.
ويؤكد أن الملك إدريس حاول أن يتعامل مع الشعب الليبي كأمة واحدة احتراماً لكل المكونات من أمازيغ وتبو وطوارق ولكنه هو الآخر وقع في فخ التمييز السياسي، حيث أعطى الأهمية للكتلة الأكبر وهي العرب على الرغم من تسمية المملكة الليبية واستبعاد المملكة العربية".
وعلاقة بمطالبة الأمازيغ بدسترة اللغة الأمازيغية كلغة ثانية في الدولة الليبية. يقول الفلاح "هذا حق مكفول ولكن لا يمكن أن نرغم الشعب الليبي وتحديداً المكون العربي الذي يمثل 95 في المئة من الشعب الليبي على التحدث أو تعلم الأمازيغية".
ويرى أن "ليبيا اليوم في حاجة إلى إطلاق حوار مع المكون الأمازيغي حتى يتجنب البلد التقسيم على أسس عرقية إذ يسعى الأمازيغ إلى الاستقلال بذاتهم عن طريق إرساء فيدرالية أمازيغية أي أن يكون علمهم الخاص بجانب علم ليبيا في جميع المؤسسات الحكومية الليبية".
صراع عرقي
يؤكد الفلاح لـ"اندبندنت عربية" أن "من حق الأمازيغ التحدث بلغتهم الرسمية وتدريسها في مناطق وجودهم وتسمية أولادهم بأسماء أمازيغية للمحافظة على إرثهم التاريخي والإنساني"، متابعاً أنه "في المقابل لا يمكنهم فرض الأمازيغية بمؤسسات الدولة لأن هذا الموضوع يحتاج إلى استفتاء شعبي".
وأوضح المتحدث ذاته أن" مسودة الدستور الأخير لم تضمن لهم حقوقهم كمكون من مكونات الدولة الليبية خصوصاً فيما يتعلق بنسبة تمثيلهم في مؤسسات صنع القرار."
ويرى رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية أن "مطالبة الأمازيغ بإزاحة كلمة عربية من مؤسسات الدولة مثل الجمهورية الليبية العربية أو القوات المسلحة العربية هو أمر يصعب تنفيذه لأنه سيتحول إلى صراع ثقافي وهو أخطر أنواع الصراعات التي من الممكن أن تغرق فيها ليبيا ليتحول الصراع من أمني إلى صراع عرقي".
ولحل هذه الخلافات "أقترح أن يعاد النظر في بعض فصول مسودة الدستور لأنه بمثابة العقد السياسي الاجتماعي الذي يجب أن تكون فيه توافقات وتنازلات لضمان حقوق جميع الأقليات العرقية حتى نضمن التعايش السلمي لكل مكونات الدولة الليبية أما بناء دستور على مسألة الأغلبية والأقلية فهذا أمر غير عادل".