مع اقتراب تصدير أول شحنة من الغاز الموريتاني إلى الخارج منتصف العام المقبل يأمل الموريتانيون أن يغير الوافد الجديد واقعهم الحياتي. فالملايين الأربعة الذين هم عدد سكان هذا البلد الذي يصنف ضمن أفقر 25 دولة يتوقون إلى التحرر من ضيق الحال الذي ظل سمة دائمة لبلدهم.
قفزة إيجابية
ومنذ الإعلان عن الاكتشافات الغازية في المياه الموريتانية بدأت التكهنات بعصر الوفرة الذي يوشك أن يعيشه البلد الذي لا يزيد دخل أكثر من نصف سكانه على دولارين في اليوم.
ويؤكد رئيس قسم المالية في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء بنواكشوط محمد أبومدين أن "موريتانيا تتوفر على مقدرات مؤكدة من الغاز الطبيعي متمثلة في بئر السلحفاة (أحميم) المشتركة بين موريتانيا والسنغال، وتقدر احتياطاتها بـ 25 مليار قدم مكعب من الغاز، و(بئر الله) الخالصة للدولة الموريتانية والمقدرة احتياطاتها بـ 50 مليار قدم مكعب، وهناك مؤشرات على إيجاد مزيد في الأرض وفي البحر".
نادي الدول المصدرة للغاز
وتستعد موريتانيا لدخول نادي الدول المصدرة للغاز وتؤمن لها احتياطاتها المؤكدة من هذه المادة التي تعد المصدر الأول للطاقة في العالم من تبوؤ المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث احتياطي الغاز على مستوى القارة السمراء.
وبدأت الحكومة الموريتانية بالفعل الاستعدادات للوافد الجديد، إذ نظمت وزارة البترول والمعادن والطاقة مؤتمرات مع الشركاء والمستوردين المحتملين، كان آخر تلك الملتقيات الأسبوع الماضي حين قدم وزير البترول خلال اللقاء، عرضاً عن رؤية قطاعه لمستقبل الطاقة، والأهداف الاستراتيجية، وخريطة الطريق للتحول الطاقوي وتحقيق التناغم بين استخراج الغاز لإنتاج الكهرباء، اعتماداً عليه لتأمين تزويد الأقطاب المعدنية بالكهرباء بأسعار محفزة.
واعتبر شركاء موريتانيا في مجال الطاقة أن الوقت أصبح مناسباً لجلب مزيد من الاستثمار، لتسريع تنفيذ الرؤية، وجعل البلد قطباً طاقوياً مندمجاً في المنطقة.
بشائر الغاز
ولم تعد قصة الغاز الموريتاني المرتقب إنتاجه تخفى على المواطن البسيط، فجميع المؤشرات تؤكد بوادر فتوحات مالية ستنعم بها موريتانيا التي لا تتعدى موازنتها حالياً ملياري دولار أميركي، بينما سيؤمن لها نصيبها من عائدات الغاز في العام الأول من التصدير "بالنسبة لبئر أحميم فقط 400 مليون دولار كحصة للحكومة، إضافة لعائدات ضريبية تمكنه من تجاوز المليار و200 مليون دولار سنوياً"، بحسب الاقتصادي أبو مدين.
ويرى الباحث الاقتصادي أمم أنفع، أنه "من حيث الأرقام ستؤدي الأموال المتدفقة من جهة الشركات الأجنبية العاملة في مجال الغاز، إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ومن أجل أن يكون لتلك الأرقام التأثير المرجو، يجب على السلطات الحالية إرساء نظام يكافح الفساد وسوء التسيير، ويضمن الانتقال بنموذج النمو إلى صيغة شاملة حتى يكون بالإمكان دمج الفئات المهمشة في الدورة الاقتصادية بشقيها الإنتاجي والاستهلاكي، وهو ما بدأت معالمه تظهر للعيان في الفترة الأخيرة، بدليل ذهاب الحكومة الحالية إلى استحداث بنود إنفاق جديدة مخصصة للحماية الاجتماعية، وزيادة أخرى مرتبطة بالقطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة، اللذين ظل مستوى الإنفاق عليهما طيلة السنوات الماضية دون المستوى المتعارف عليه عالمياً، وذلك بسبب الفجوة المسجلة في جانب التمويل التي من المتوقع أن تتم حلحلتها في ظل هذه الطفرة المتوقعة، حيث تقدر العائدات المالية لحقل (أحميم) المشترك مع الجارة السنغال في المتوسط، بمليار دولار سنوياً من دون الضرائب والرسوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقع استثنائي
ومنحت الجغرافيا لموريتانيا فرصاً هائلة من حيث موقعها المميز كهمزة وصل بين أفريقيا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء، هذا الموقع وضعها في مركز حيوي للتبادل التجاري بين شمال القارة وغربها.
ويعدد الاقتصادي محمد أبو مدين مزايا موقع موريتانيا وكيف يمكن استغلاله اقتصادياً، بالقول "تقع موريتانيا في مكان مميز استراتيجياً، نظراً إلى قربها من الأسواق الأوروبية وإلى حد ما الأميركية، كما أن موقعها بين أفريقيا جنوب الصحراء والشمال الأفريقي عامل استراتيجي مهم أيضاً. وقد شجع هذا الموقع كثيراً من المستثمرين على القدوم في ما مضى، وفي الوقت الحالي على محاولة إيجاد فرص استثمارية في البلاد التي لا تزال في نظر كثيرين أرضاً بكراً وسوقاً واعدة، يدفعهم لذاك ما تزخر بيه من ثروات طبيعية واستقرار نسبي، كما أنه من المؤكد أن دخول البلاد لنادي الدول المصدرة للغاز سيكون له الأثر الإيجابي على جلب مزيد من الاستثمارات وتنويع التبادل التجاري وزيادته، ولذلك يرجى من الحكومة الموريتانية استكمال ما بدأت به من تحسين مناخ الاستثمار، بمراجعة لبنود التحفظ في الاتفاقات الثنائية والدولية، ضماناً للمصلحة العامة، ومراجعة القانون الضريبي والاتفاقات المتعلقة به من أجل دعم الاقتصاد الوطني ومواكبة فعالة للتغيرات في الاقتصاد العالمي المتقلب".
ويذهب الباحث الاقتصادي أمم إلى أن "الموقع الجغرافي لموريتانيا ميزة بحد ذاته وفرصة اقتصادية لا تقل أهمية عن الفرص التي تمنحها الثروات الطبيعية".
ويضيف "العالم شهد تحولات بعد انقطاع سلاسل التوريد عقب الأزمة الأوكرانية، والظاهر أن المستقبل هو للتكتلات الإقليمية القارية، والقارة الأفريقية فهمت هذا المعطى الجديد، فأنشأت اتفاقية للتجارة الحرة بين دول القارة تواجه المنتجات المصنعة خارج أفريقيا برسوم وضرائب. وهذا سيدفع بالمصنع الأوروبي والأميركي والصيني لنقل مصانعهم إلى دول مثل موريتانيا، حيث الموقع ومصادر الطاقة والقوانين كلها عوامل جاذبة للاستثمار".