قال بنك إنجلترا إن تدخله في سوق السندات الحكومية البريطانية الشهر الماضي منع حصول "دوامة تعزز نفسها بنفسها" في أعقاب إصدار كواسي كوارتنغ ميزانيته المصغرة التي هددت بالقضاء على قيمة عدد كبير من الصناديق المملوكة من مؤسسات توفر برامج تقاعد.
وفي رسالة وجهت إلى لجنة المالية في مجلس العموم البريطاني وحددت المنطق وراء الخطوة الدراماتيكية التي اتخذها بنك إنجلترا في 28 سبتمبر (أيلول)، قال نائب محافظ المصرف للاستقرار المالي السير جون كانلايف إن الأسعار المتزايدة ربما كانت لتؤدي إلى "عدم استقرار مالي واسع النطاق".
ولو لم يتدخل البنك، لانتهى المطاف بـ"عدد كبير" من صناديق الاستثمار المستندة إلى التزامات مالية بـ"قيمة صافية سلبية على صعيد الأصول" تقلص إلى "الصفر" قيمتها في نظر الجهات الموفرة لبرامج تقاعدية والتي تملك حصصاً كبيرة في هذه الصناديق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال السير جون إن هذا كان من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع "مفرط ومفاجئ" في معدلات الفائدة على الاقتراض في الاقتصاد الأوسع.
وتوجه رواية المصرف – وتشمل رسوماً بيانية تظهر عوائد السندات البريطانية تسجل ارتفاعاً حاداً بعد تصريح السيد كوارتنغ – ضربة قاصمة إلى المحاولات الحكومية الرامية إلى تصوير فوضى السوق جزءاً من ظاهرة عالمية دفع إليها غزو فلاديمير بوتين أوكرانيا.
وظهرت رواية المصرف في حين أجرى السيد كوارتنغ محادثات طارئة في أكبر الجهات المقرضة البريطانية في شأن حماية أصحاب المنازل وسط معدلات الفائدة المتزايدة على قروض الرهن العقاري، التي بلغت الآن حوالى ستة في المئة بعد أكثر من عقد ظلت خلاله تساوي أقل من اثنين في المئة.
ومارس كبار المسؤولين التنفيذيين في مؤسسات العمل المصرفي بالتجزئة وجمعيات البناء ضغوطاً على وزير المالية لحمله على تمديد برنامج لضمان الرهن العقاري يحميهم من الخسائر عندما يقرضون أشخاصاً يشترون منازل للمرة الأولى لكن من المقرر أن ينتهي العمل به في ديسمبر (كانون الأول).
وقال بات ماكفادن، الناطق باسم حزب العمل لشؤون وزارة المالية، إن رسالة بنك إنجلترا "تظهر في شكل حاسم أن ميزانية المحافظين مسؤولة عن الفوضى الاقتصادية التي شهدناها وجعلت الناس تواجه معدلات مرتفعة في مجال الرهون العقارية".
وقال السيد ماكفادن: "إنها أزمة تسبب بها المحافظون في رئاسة الوزراء. تبين الأخطاء الطائشة التي ارتكبتها الحكومة أنها غير جديرة بالثقة في إدارة الشؤون المالية العامة. ويتعين عليها أن تعيد النظر في هذه الميزانية في أقرب وقت ممكن وأن تنشر على وجه السرعة توقعات مكتب مسؤولية الميزانية بعد أن تتلقاها غداً [الجمعة]".
وصباح 28 سبتمبر – بعد خمسة أيام من الفزع الذي أصاب الأسواق إزاء إعلان السيد كوارتنغ عن حزمة من التخفيضات الضريبية غير الممولة التي بلغت قيمتها 45 مليار جنيه استرليني (50 مليار دولار) – أعلن بنك إنجلترا عن استعداده لضخ مبالغ غير محدودة من المال لدعم استقرار الأسعار، وذلك بواقع خمسة مليارات جنيه حداً أقصى يومياً يقدر بأنها كافية.
ومن المقرر أن يستمر العمل بهذا الإجراء حتى 14 أكتوبر (تشرين الأول)، ما يجعل الحد الأقصى للتدخل المتوخى من جانب المصرف يصل إلى 65 مليار جنيه. لكن حتى الأربعاء من الأسبوع الماضي، استدعت الضرورة ضخ ثلاثة مليارات جنيه فقط من القدرة المالية المحتملة هذه، فالإعلان عن الخطوة نفسه كان له أثر مهدئ في الأسواق، وفق السير جون.
وفي تعبير عن حجم الفوضى التي دبت في الأسواق وحفزت التدخل غير المسبوق، قال السير جون للجنة إن العوائد على السندات التي تستحق بعد 30 سنة – العوائد هي أساساً الفائدة التي يجب على الحكومة دفعها في مقابل قروضها – ارتفعت بحلول الإثنين التالي للجمعة الذي شهد صدور بيان السيد كوارتنغ بأكثر من 0.8 نقطة مئوية.
يذكر أن السندات أداة مالية تفضلها صناديق التقاعد لأنها موثوقة في الأجل البعيد ولأن التقلب في سوقها أمر غير اعتيادي إلى حد كبير.
وقال السير جون: "خلال النهار ووصولاً إلى المساء، تلقى المصرف من السوق معلومات متزايدة الحدة من مجموعة من المشاركين في السوق، وعلى وجه الخصوص مديري صناديق الاستثمار المستند إلى التزامات مالية، قالوا إن الظروف في الأسواق الأساسية، إذا استمرت في التدهور، سترغمهم على بيع كميات كبيرة من السندات البعيدة الأجل في سوق يتزايد افتقارها إلى السيولة.
"ولو أُخِذت معلومات السوق هذه من دون تدقيق لأشارت ضمناً إلى مبيعات إضافية للسندات البعيدة الأجل لا تقل عن 50 مليار جنيه خلال وقت قصير، مقارنة مع متوسط لأحجام التداول في السوق لا يتجاوز 12 مليار جنيه يومياً في ما يتعلق بهذا النوع من السندات".
وبعد قفزة قصيرة في وقت مبكر الثلاثاء، ارتفعت العوائد بنحو 0.67 نقطة مئوية أخرى في وقت لاحق من اليوم "ما فاقم الوضع إلى حد كبير"، على حد تعبيره.
"وأبلغ عدد من مديري صناديق الاستثمار المستند إلى التزامات مالية المصرف، أن كثيراً من هذه الصناديق، في ظل العوائد السائدة، من المرجح أن تقع في قيمة صافية سلبية على صعيد الأصول.
"ونتيجة لهذا، كان من المرجح أن تبدأ هذه الصناديق في عملية التخلص من سنداتها بدءاً من صباح اليوم التالي.
"وفي ضوء هذا الاحتمال، كان من المرجح أن تُباَع في السوق كمية كبيرة من السندات، المحتفظ بها كضمان من قبل المصارف التي أقرضت صناديق الاستثمار المستند إلى التزامات مالية، وكان من شأن ذلك أن يطلق دوامة تعزز نفسها بنفسها ويهدد بتعطل شديد لأسواق التمويل الأساسية، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من عدم استقرار مالي واسع النطاق".
وعمل مسؤولو المصرف خلال ليل 27 سبتمبر، بالتنسيق مع وزارة المالية، لوضع خطة لمنع هذه الدوامة من البروز.
وقال للجنة النيابية المؤلفة من أحزاب عدة: "لو لم يتدخل المصرف الأربعاء في 28 سبتمبر، لكان المطاف انتهى بعدد كبير من الصناديق المجمعة المتخصصة بالاستثمار المستند إلى التزامات مالية بقيمة صافية سلبية على صعيد الأصول ولكانت واجهت نقصاً في الضمانات المقدمة إلى الأطراف المصرفية المقابلة.
"وكانت هذه الصناديق المجمعة لتجد استثماراتها في صناديق التقاعد ذات المنفعة المحددة وقد باتت تساوي صفراً.
"وإذا تخلفت صناديق الاستثمار المستند إلى التزامات مالية عن تسديد ديونها، من المحتمل أن تباع في السوق كميات كبيرة من السندات الحكومية التي تحتفظ بها المصارف التي أقرضت هذه الصناديق.
"وكان من شأن ذلك أن يضخم الضغوط المفروضة على النظام المالي وأن يؤدي إلى مزيد من الضعف في سوق السندات، وكان هذا ليضطر بدوره مؤسسات أخرى على بيع الأصول لزيادة السيولة ويفاقم الهبوط الذي يعزز نفسه بنفسه في أسعار الأصول.
"وكان هذا سيفضي إلى تعطل أكثر شدة في أداء سوق السندات، ربما أدى بدوره إلى تشديد شروط التمويل في شكل مفرط ومفاجئ للاقتصاد الحقيقي".
وفي تحديد حجم الأزمة في الأيام التي تلت إعلان الميزانية المصغرة، أشار السير جون إلى أن الارتفاع القياسي السابق في معدلات الفائدة اليومية كان 0.29 نقطة مئوية أثناء المرحلة التي أُطلِق عليها "الاندفاع نحو النقود" عام 2020.
وفي قياس على مدة أربعة أيام، كانت الزيادة في عوائد السندات التي تستحق بعد 30 سنة أكثر من ضعف أكبر تغير منذ عام 2000 وأكثر من ثلاثة أضعاف أي تغير تاريخي آخر.
وجاء الارتفاع على مدى بضعة أيام بواقع 1.6 نقطة مئوية في العائد الاسمي للسندات التي تستحق بعد 30 سنة – الذي لم يتجاوز 1.2 في المئة في بداية العام – أكبر مما كان متصوراً حتى في أكثر توقعات إدارة المخاطر تشاؤماً.
وأشار إلى أن أداء سوق السندات كان "منهكاً بشدة"، مع "وطأة فريدة" تعرضت إليها صناديق الاستثمار المستند إلى التزامات مالية.
وقال السير جون إن العملية، بعد انتهاء برنامج الشراء في 14 أكتوبر، "ستصفى بطريقة سلسة ومنظمة بمجرد أن يحكم المصرف أن المخاطر التي تهدد أداء السوق هدأت".
وأضاف: "سيعتمد نهج التصفية، من بين أمور أخرى، على حجم المشتريات الفعلية وظروف السوق أثناء عمليات الشراء هذه وظروف السوق عندما تنتهي عمليات الشراء".
© The Independent