على رغم أن الإعلان عن سرقة 2.7 مليار دولار من أموال الضرائب في العراق هز الأوساط الشعبية والسياسية، إلا أن الرقم لا يعد شيئاً يذكر أمام حجم النهب المتواصل منذ ما يقارب 20 عاماً، حيث تعلن الحكومات المتعاقبة صرف مليارات الدولارات على مشاريع وهمية لم يجن المواطن من ورائها أية ثمار، فالفساد هو العنوان الأبرز والسائد لحكومات ما بعد 2003.
أخيراً، أعلن رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد شياع السوداني، استعداده للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية الممثلة في البرلمان، أو في الفضاء الوطني، وفتح باب الحوار الحقيقي، لبدء صفحة جديدة في العمل لخدمة الشعب.
وكشف السوداني في خطاب متلفز عزم حكومته "غلق منافذ الفساد عبر القوانين والتشريعات الصارمة، بالتعاون مع السلطتين التشريعية والقضائية"، مؤكداً أن "محاربة الفساد ستكون في مقدمة أولويات الحكومة".
ميزانية ألف مليار دولار
في السياق، يقول المختص القانوني أمير الدعمي إنه "بخصوص ملفات الفساد، فمن الواضح أن هناك انتقائية في فتحها، وإلا فمن غير الممكن أن تختصر السرقات في آخر حكومة لأن ما سرق قبلها يعادل عشرات أو مئات المرات مما سرق في هذا الوقت".
وأضاف "هناك ميزانية بألف مليار دولار تأخرت ومشاريع وهمية وسرقات بالمئات في جميع الوزارات، ناهيك أن لا أحد يعلم أين ذهبت موازنة عام 2014، بالتالي هناك انتقائية ومحسوبية لطرف على حساب آخر، وإذا أردنا فتح ملفات الفساد فبالتأكيد ستكون هناك صاعقة كبرى على الشعب العراقي، لكن الأحزاب السياسية كما يشاع (غطي لي وأغطي لك)".
ويرى الدعمي أن "التأثير الدولي على فتح ملفات الفساد يسير باتجاه عدم الكشف عن تلك السرقات"، مشيراً إلى أنه لا قصور في قانون العقوبات، بل القصور في تطبيقه وكذلك في الأحكام التي لا تتناسب مع حجم السرقات، مثل الحكم بسبع سنوات على شخص سرق مليارات الدولارات تحت عنوان "إهدار المال العام"، وأحياناً يكون الحكم بسنة أو سنتين مع إيقاف التنفيذ.
الفساد ثقافة مجتمعية
الباحث السياسي علي البيدر يقول إن الفساد في البلاد وصل إلى مستويات قياسية لدرجة أنه ابتلع الدولة وتمكن من اقتحام أرفع أماكنها، بل إنه أصبح ثقافة مجتمعية قائمة بحد ذاتها.
وشدد على أن "الفاسدين أقوياء جداً ولا يمكن مجاراتهم أو استهدافهم في ظل النظام السياسي الحالي، بل تبقى عمليات المواجهة في إطارها الشكلي الذي سينتج مزيداً من الفساد، فهم لا يكترثون لقضية فضحهم أو استهدافهم بقدر خوفهم من مقاسمة المغانم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى البيدر أن "على العراق الاستعانة بجهود دولية لمحاربة الفساد مثلما حدث في محاربة الإرهاب وإلا ستبقى تلك المحاولات غير فعالة ولا تؤثر في الفساد الذي يستقوي".
هل تجرى عمليات تطهير داخلية ضد قوى الفساد في العراق؟ يجيب عن ذلك الباحث السياسي نبيل جبار التميمي بالقول إنه "وفق الواقع السياسي العراقي، فمن المستبعد أن تجرى عمليات تطهير حقيقية للفساد في العراق خلال الفترة المقبلة، إلا إذا تحققت متغيرات كبيرة، والسبب يعود إلى أن عرّابي الفساد هم كبار المسؤولين السياسيين المحميين، وعادة ما تتم التضحية بشخصيات يمكن اعتبارها أدوات بيد عرابي الفساد، إرضاءً للرأي العام ومحاولة لتهدئته".
ويلفت إلى أن استمرار الفساد في العراق يرتبط بمجموعة عوامل، منها ما يتعلق بطريقة إدارة النظام السياسي والمحاصصة القائمة التي جعلت من البلد ومؤسساته كعكة للتقاسم، ومنها ما يرتبط بغياب المساءلة والمحاسبة القضائية وغياب دور الادعاء العام القادر على تبني قضايا بصورة منفردة، وعدم فاعلية البرلمان العراقي في دور الرقابة، وأيضاً هناك ما يتعلق بطبيعة المسارات الإدارية الرجعية التي يشوبها كثير من الثغرات، يمكن من خلالها تمرير صفقات الفساد أو اختلاس للأموال العامة.