Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عجز الميزانية الكويتية... أزمة سياسية اقتصادية دائمة

جدل حول حقيقتها مع إقرار أرقامها واتهامات بالتنفيع والتضخيم

تعاني الميزانية الكويتية عجزاً منذ أن بدأت أسعار النفط في الهبوط عن مستوياتها القياسية البالغة 100 دولار (أ.ف.ب)

جاءت الموافقة على الميزانية الكويتية للسنة الجديدة 2019-2020 في توقيت سياسي حسَّاس، إذ واجه وزير المالية نايف الحجرف هذا الأسبوع استجواباً نيابياً تمكّن من عبوره بعد إعادة البرلمان الثقة به.

وحملت الميزانية الجديدة عجزاً متوقعاً يبلغ 6.7 مليار دينار (نحو 22 مليار دولار)، وهو أقل بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 2% عن العجز المسجَّل في الميزانية السابقة 2018-2019 التي انتهت في أبريل (نيسان) الماضي، علماً بأن الميزانية الجديدة رفعت سعر برميل النفط 10% ليبلغ 55 دولاراً للبرميل.

ورغم العجز المتوقّع، حافظت الكويت على نسبة 17% من مصروفاتها لإنفاقها في المصروفات الرأسمالية، أي المصروفات على مشروعات البنية التحتية والمشروعات التي تحفّز عادة قطاعات عدة من الاقتصاد.

وبلغت المصرفات الإجمالية المتوقعة 22.5 مليار دينار (أو نحو 74 مليار دولار)، بينما بلغت الإيرادات الإجمالية المتوقعة 16.4 مليار دينار (أو نحو 54 مليار دولار)، ونحو 88% من الإيرادات تأتي من قطاع النفط، ما يجعل الميزانية رهينة لهذا القطاع.

جدل العجز
تعاني الميزانية الكويتية عجزاً منذ أن بدأت أسعار النفط في الهبوط عن مستوياتها القياسية البالغة 100 دولار، وتقول وزارة المالية "إنها تحتاج إلى سعر نفط يقارب 80 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة التعادل في الميزانية".

لكن مشكلة الميزانية الكويتية أن العجز يتفاقم بعد ترحيل نحو 10% من الإيرادات إلى صندوق الأجيال القادمة، وهو صندوق أسسته الحكومة في السبعينيات لاستثمار جزء من إيرادات الدولة من النفط عبر ترحيلها للأجيال، التي ستعيش في مرحلة ما بعد النفط، بحيث يمكن لهذه الأجيال استخدام عائدات الصندوق بعد نفاد النفط.

ومنذ أن بدأ الإعلان الحكومي عن العجز، ظهر جدلٌ في الكويت حول ما إذا كان هذا العجز حقيقياً أم مضخماً؟ لأن ترحيل 10% من الإيرادات إلى صندوق تابع للدولة يُبقي تقنياً الأموال ضمن أصول الدولة، في وقت تحتاج الدولة إلى هذه الأموال، لأن المصاريف أكثر من الإيرادات.

وتعمل الهيئة العامة للاستثمار، وهي الصندوق السيادي للدولة، على استثمار أموال صندوق الأجيال القادمة في الأسواق العالمية، إذ توزّع الأموال بين سندات وأسهم وأصول عينية أخرى. ولا تكشف الهيئة عن حجم صندوقها، لكن تقديرات وكالات التصنيف العالمية ومعهد صناديق الثروة السيادية عند 600 مليار دولار تقريباً.

نفاد صندوق الاحتياطي العام
وهناك صندوق آخر تديره الهيئة العامة للاستثمار هو صندوق الاحتياطي العام، الذي يُرحّل من خلاله فوائض الدولة أو يُسحب منه عند العجز. وهناك تخوّف سياسيٌّ الآن وجدل اقتصادي واسع أيضاً من نفاد أموال وأصول هذا الصندوق. فبعد أن رُحّل إليه أغلب الفوائض المحققة في فترات الفورات النفطية، التي حدثت قبل 10 سنوات، يتم الآن السحب من هذا الصندوق لإطفاء العجز. والأرقام المعلنة التقريبية لهذا الصندوق عند 26 مليار دينار أو 85 مليار دولار.

وكانت حكومة الكويت بدأت برنامجاً قبل عامين للاستدانة من الأسواق المالية العالمية عبر إصدار سندات بنحو 8 مليارات دولار لتغطية العجز بدلاً من السحب من صندوق الاحتياطي العام.

واعتبرت وقتذاك أن هذا الخيار أفضل وأقل تكلفة من السحب من الاحتياطي، على اعتبار أنها تستثمر أموال هذا الاحتياطي، وتحقق عوائد أعلى من تكلفة الفائدة على هذه السندات، كما عمل بنك الكويت المركزي على إصدار سندات محلية لمصلحة وزارة المالية للاقتراض من البنوك المحلية وتسديد العجز.

لكن قانون الدين العام انتهت مدته في سبتمبر (أيلول) من العام 2017، ولم يقتنع البرلمان بمشروع قانون قدَّمته الحكومة لتجديد قانون الدين العام مع زيادة سقف الدين إلى 25 مليار دينار (نحو 82 مليار دولار)، وبإصدار أدوات دين بآجال تصل إلى 30 عاماً. وكان القانون القديم للدين العام حدد السقف فيه 10 مليارات دينار (نحو 33 مليار دولار)، والحد الأقصى 10 سنوات.

لا يوجد عجز حقيقي
يقول المحلل المالي محمد رمضان لـ"اندبندنت عربية"، "ليس من المنطقي تحميل الميزانية أعباء مالية إضافية، مثل السندات وفائدتها، في وقت توجد لدى الكويت فوائض متراكمة في صندوق الاحتياطي، ويُرحّل 10% من الإيرادات إلى صندوق الأجيال القادمة، ما يخلق عجزاً افتراضياً غير موجود على أرض الواقع".

ويرى رمضان أن "الهدف من هذه العملية هو محاولة سياسية لتخويف الناس والنواب بأن هناك عجزاً في الميزانية، ما يبرر تمرير مشروعات قوانين لتصحيح مسار الميزانية". لكن برأيه أن "هذه الطريقة تخلق تشوّهات أخرى، وترهن أصول الدولة في وقت لا توجد خطة واضحة للتسديد، إذ يستمر العجز سنوياً، ويُرحّل 10% إلى صندوق الأجيال القادمة، ما سيؤدي بنهاية المطاف إلى ذهاب الأصول إلى حملة السندات".

ويقول رمضان إنه "إذا أرادت الحكومة أن تصلح هذا الخلل، فبإمكانها أن تقترض من صندوق الأجيال القادمة لتسديد العجز، وتُدفع الفائدة إلى هذا الصندوق، وبهذا الإجراء الشكلي كأنها تزيد من نسبة الإيرادات المرحّلة إلى الصندوق، لكن الأموال التي تدفع كفائدة تذهب فعلياً للأجيال القادمة".

مشكلة سياسية أولاً
المشكلة الرئيسية التي تخلق هذا الجدل حول العجز في الكويت، التي لم تقنع البرلمان في تمرير مشروع الدين العام، أن هناك اتهامات للحكومة بالهدر في الميزانية وعدم ضبط المصاريف العامة، التي تذهب ثلثاها إلى الرواتب والدعم، إذ تهيمن الدولة على الوظائف،  بينما لا يميز ملف الدعم بين الأغنياء والمحتاجين فعلياً، ويُوزّع الدعم على الجميع. وخلق الملف أيضاً أزمة سياسية عنوانها "تنفيع التجار أصحاب البنوك"، لأن بعض البرلمانيين اعتبروا أن دفع بنك الكويت المركزي باتجاه إصدار قانون الدين العام، غرضه إصدار سندات لمصلحة البنوك على حساب المال العام.

وحسب رمضان، فإن آلية دفع الفوائد للأجيال القادمة هي "آلية عملية للضغط على الأجيال الحالية وواضعي السياسات المالية العامة لوقف الهدر المالي والسياسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السندات مؤشر قياس
لكن عيد الشهري، المدير العام لشركة الأجيال القادمة، الذي عمل سابقاً في الهيئة العامة للاستثمار، لا يرى أن ذلك حل عملي، لأن "الهيئة توزّع أصولها وأموالها على أسواق عالمية، وتريد تخفيض انكشافها على السوق الكويتية، كما أن قانونها لا يسمح بتركيز المخاطر في دولة واحدة".

يتفق الشهري مع إصدار سندات عالمية أو الاقتراض من الأسواق العالمية على اعتبار أن "هذه السندات تكشف عن الأداء الحكومي، الذي لا يخضع من دونها إلى أي مؤشر قياس"، فعندما يرتفع العائد على هذه السندات، وهو مؤشر على ارتفاع مخاطر الدولة الكويتية، "نعلم نحن كمواطنين كيف ينظر العالم إلينا ولحالتنا المالية العامة".

كارثة العهد
وكان تعطيل إصدار قانون الدين العام دفع وزير المالية السابق أنس الصالح إلى إعادة هيكلة بنود الميزانية، وقام بترحيل كثيرٍ من المصاريف إلى حسابات العهد، وهي ديون تتعهد وزارات عدة بدفعها من إيراداتها. لكن ذلك الأمر أحدث كارثة كبيرة في نهاية السنة المالية أدت إلى ظهور العجز فجأة بحجم 6.6 مليار دينار (أو نحو 22 مليار دولار)، مع أن التوقعات كادت أن تصل الكويت إلى نقطة تعادل، وتنهي سنتها المالية من دون عجز بفضل ارتفاع أسعار النفط.

وكشف برلمانيون هذه الكارثة، من بينهم النائب رياض العدساني، التي أدت إلى استبعاد وزير المالية الصالح عن وزارة المالية.

ووعد وزير المالية نايف الحجرف في بيانه أمام البرلمان بأن يحل هذه الفجوة، ويحصّل الديون المستحقة للحكومة، معتبراً ذلك من أولوياته في الميزانية الجديدة.

ويبدأ سريان الميزانية الكويتية في الأول من أبريل (نيسان) بعد إقرارها من البرلمان.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد