لا يزال الإجهاض من المحرمات في الجزائر على رغم أنه واقع يفرض نفسه أمام التحول الحاصل في المجتمع، وفي حين يتم إنكار الظاهرة بشكل رسمي غير أن انتشاره بشكل سري يمكن إنكاره في ظل الإعلان المتقطع عن الإطاحة بشبكات للإجهاض، الأمر الذي يمنع الحصول على أرقام وإحصاءات تكشف حقيقة الظاهرة.
ويعد التوصل إلى عيادة للإجهاض أو طبيب يقوم بالعملية من الأمور السهلة في الجزائر، ليس بسبب قانونيتها وإنما لانتشارها بخاصة في المدن الكبرى، وفي وقت كان إنهاء الحمل غير المرغوب فيه يتم في بلدان أوروبا أو تونس بالنسبة للمرأة ميسورة الحال، بات من الممكن القيام بذلك في الجزائر بشكل سري، حيث يُعد عملاً إجرامياً بنظر القانون وفئات واسعة من المجتمع، لكن بأسعار تتراوح بين 250 دولاراً و1000 دولار.
لا يمنح القانون الجزائري الحق في الإجهاض الصحي والآمن للمرأة إلا عندما تكون حياتها أو توازنها النفسي والعقلي يتهددهما الخطر بسبب الحمل، وأضاف أنه يمكن اللجوء إلى الإجهاض فقط عندما يثبت بصفة أكيدة عن طريق تشخيص ما قبل الولادة، أن المُضغة أو الجنين مصابان بمرض أو تشوه خطير لا يسمح لهما بالنمو العادي، ولا يسمح بذلك إلا في المستشفيات الحكومية وبعد إذن من الإدارة المتخصصة.
ولم يتوقف التشريع عند هذا الحد، بل شدد على أن ممارسة الإجهاض خارج الحالات المحددة، يخضع للمادة 304 من قانون العقوبات، التي تنص على أن كل من أجهض امرأة حاملاً أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية، أو باستعمال طرق أو أعمال عنف، أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية، وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن من عشر سنوات إلى 20 سنة.
الخوف من الفضيحة
وفي السياق، ترى أستاذة علم الاجتماع نبيلة واسطي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن عملية الإجهاض سببها ما وصفته بـ "الخطيئة"، لكن الأمر الذي جعلها تطفو على السطح وتفرض نفسها على يوميات المواطنين هو لجوء كثيرات إليها وتخصص كثير من العيادات في القيام بها بعيداً من العيون، وانتقدت ممارسات بعض الأطباء الذين يشرفون على هذه العمليات ويتسترون عليها، مشيرة إلى أن الأولياء يتحملون جزءاً من المسؤولية بإخفائهم عملية الإجهاض تحت غطاء الخوف من الفضيحة.
وتتابع واسطي "ما يتداول من أرقام حول الإجهاض على رغم أن الجهات الرسمية لم تقدم إحصاءات يكشف عن وضع أخلاقي عنيف يهدد المجتمع الجزائري، ما يستعجل التحرك لتداركه من خلال التطبيق الصارم للقوانين لوضع الحد للظاهرة التي أخذت بعداً إجرامياً بعد أن باتت شبكات تشرف عليها"، مضيفة أن "تسهيل الزواج عبر تخفيف المهر وتوفير المساكن وفتح أبواب العمل لمواجهة البطالة، وإعادة الاعتبار للوعي الديني، باتت حلولاً مستعجلة يجب على جميع المعنيين من سلطات ومنظمات ورجال دين مباشرة العمل على تحقيقها قبل أن تنزلق الأجيال إلى ما لا تحمد عقباه ويضيع المجتمع الجزائري".
أرقام تكشف المستور
وفي وقت سابق، تحرك أطباء متخصصون في أمراض النساء والتوليد وجمعيات من أجل المطالبة بالترخيص للإجهاض، وبرر هؤلاء ذلك بارتفاع الاعتداءات الجنسية وعدد الأمهات العازبات، وربطوا مطلبهم بما حدث مع النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب من طرف "الإرهابيين" و"المتطرفين" خلال فترة الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر سنوات التسعينيات، حيث تم الفصل في إجهاضهن.
وتشير وزارة التضامن إلى أن أكثر من 10 آلاف طفل يولدون سنوياً خارج إطار الزواج، كما تتحدث عن أكثر من ثلاثة آلاف أم عازبة، وهي الأرقام التي تشدد أوساط على أنها لا تعكس الواقع، في ظل غياب إحصاءات رسمية عن واقع الإجهاض.
شبكات إجرامية وتوقيفات بالجملة
وفي ظل رفض السلطات السماح بالإجهاض إلا في حالات محددة وبشروط مشددة، وجدت بعض الشبكات في الظاهرة مفتاحاً لنشاط يكسب مداخيل مالية كبيرة، وهو ما كشفت عنه تدخلات مصالح الأمن من خلال إلقاء القبض على أفراد جماعة متخصصة في الإجهاض بعد تسجيل تواجد قاصر في المستشفى الجامعي بني مسوس، حيث تعرضت للإجهاض وحولت إلى مستشفى "باب الوادي" بسبب تدهور حالتها الصحية، الأمر الذي حرك عملية التحري والبحث التي أظهرت أن القاصر تعرفت على شخص عبر "فيسبوك" وتطورت العلاقة ونتج منها الحمل، وبعدما طلبت الفتاة منه المساعدة أصبح يتهرب منها، ما اضطرها للتواصل مع أحد الصيادلة الذي أرشدها إلى طبيبة، لتتصل بها وتتفقان على عملية إجهاض مقابل مبلغ 55000 دينار، أي ما يقارب 250 دولاراً، إضافة إلى مبلغ إيجار الشقة بـ4000 دينار ما يعادل 20 دولاراً.
كما أوقفت الشرطة القضائية في محافظة الشلف بغرب البلاد، 10 أشخاص بقضية إجهاض غير شرعي أدى إلى حالة وفاة، فيما أحال قاضي التحقيق بمحكمة الحراش في العاصمة، ملفاً خطيراً للمحاكمة يخص شبكة إجرامية متخصصة في الإجهاض السري للعازبات تقودها ممرضة في عيادة خاصة بمنطقة براقي، أغلب زبائنها طالبات جامعيات حملن خارج إطار الزواج.
وتضم العصابة ستة أشخاص من بينهم أربع نساء وشابان في العقد الثالث من العمر وجهت لهم تهم كبيرة، بينما تمكنت مصالح الدرك غرب العاصمة، من وضع حد لشبكة متخصصة في عمليات الإجهاض غير الشرعية في الحي القصديري بزرالدة، إثر مداهمة لإيقاف امرأة متورطة في محاولة إجهاض جنينها، وفتح على الفور تحقيق لمعرفة ملابسات القضية.